ليست مجانبة لقصيدة "شرفة ليلى مراد" التي أتعبت حلمي سالم* وأتعبت الشارع المصري. وجعلت الصحافة تنشغل بها، ولم يكن ذلك الانشغال من أجل الزينة الفنية بل من أجل النميمة والفضول، واليوم مر على تلك القصيدة \ الحدث أكثر من عشر سنوات. ماذا كان في تلك الشرفة ؟ لم يكن فيها أحد، كانت فارغة، أتى عليها الزمن ... مواض مواض سرعان ما تتحلل، وتختفي مثل سراب، كأنه لا جدية في الحياة التي تحمل سخرية من التاريخ وأحداثه. حين تمضي الأيام ينتبه المرء الى أن بدانة الحياة تهصر تحت قدميها ماكنا نظنه خالدا وسيتوقف عنده العالم وترتاح عنده الحياة... إلا أنه، وكما يعلم الجميع، ليس الأمر كذلك. &لإنسان لم يسمع بما حدث وبما يحدث، دوما ستكون الحياة رتيبة، هواء وشمس وبراري، بعيدا عن الحرب والمنافسة... هذا الهرج والهوج والإهتمام الاجتماعي لشيء لا تعيره الحياة لحظة – نحن نعيش، كأننا، في مكان آخر والحياة نحن لسنا منها. ليس ذلك الكلام من أجل القصيدة التي خلقت سجالا كبيرا في الوسط الثقافي حينها بل هو كلام عن تاريخ الإنسان الذي ربما مر على هذه الأرض ...قبله تواريخ وتواريخ لكنها الآن في مهب الريح. & & &
كانت الايجابية الوحيدة من هذه القصيدة الشرفة أنها خرجت عن النمط المألوف وخروجها كان قسريا كي تقف جانب الموسيقى والطرب، ليلى مراد، الدجاجة التي تبيض ذهبا. المرسيدس. هذا الميلان الى جانب لا يكترث له الأدب كثيرا، ربما في كل الأوقات...&
كان الغناء هو مدينة، هو بلاد، عن طريقه ترسم النفوس أثرها في الحياة. نحمل في ذاكرتنا من الموسيقى والطرب أكبر بكثير مما نحمل من أدب وشعر.&
وقفت القصيدة عند ليلى مراد وليس عند مي زيادة مثلا، وإن توغلنا قليلا في الحلم الفني ، لم تقف عند بنت الشلبي، أو راما، كان على الشاعر في النهاية أن يلتفت كي يقول للذين يستجدون الوقوف عند مي زيادة :
أنتم الواقفون&
اسفل شرفة مي
زيادة
انظروا الى الخلف&
إلى أميرات مصر &
الساهٍ عنهن
حارسات الغرام
كيف ينقرن صنج الليل
&يكشفن الستائر عن مخمور الهوى على قارعة طريق راقص سكران.
اسلوب مي زيادة لم يكن بذات قيمة امام جبران او العقاد... والتهافت في مصر عليها لم يكن من اجل الفن بل بسبب السغب والحرمان للقاء امرأة. طبيعة الرجل الشرقي الذي يحجب نساءه ويبحث بهوس عنهن خارج الحرم. وهذا ما افضى الى اسلوب الأنا التي تبحث عن الاشباع ولن تبحث عن جوانب روحية مجهولة في عالم مازال غامضا.
&رغم الاكتشافات المذهلة يبقى العالم مادة لا يمكن اختراقها ولا استيعابها إلا بواسطة الحلم والأدب، الكشاف الحقيقي، والذي لم يجرب العالم العربي فيه الخطو بعد.
&نزل المطر على الزجاج – وجبران لم يأت يا مي-
&وكان من المفروض أن تخرج لكنه الرنين، العطر، أن تتوقف وتنظر من عينين &يرسم فيهما سوح المطر الدورَ المقابلة وهي تهتز مع الرصيف بضوء متصاعد.
ابخرة مشتعلة ودفء مخملي وارستقراطية تنتقل بين الخطوات. وهي تردد بخفوت مصري أن لا يسمعها المجاورون "كده- عشان إيه" ولم أفهم إشارتها.
&*حلمي سالم: شاعر مصري (1951- 2012 )
&
التعليقات