حاوره: توفيق التونجي

التقينا معا قبل اكثر من عقدين من الزمان في المنفى. كنت على عادتي ، كل يوم جمعة استمع الى الموسيقى مقرونة بتراتيل شعرية كان يؤديها الفنانون والممثلين الهواة والمحترفين على مسرح الشخاطة وسط مدينة يونشوبنك المكنى ب أورشليم السويد. ذلك المسرح الصغير القابع وسط منطقة صناعية تاريخية حيث ابنية معمل الشخاط (الكبريت) والمتحف الملحق نعم هنا اكتشف وصنع الكبريت الأمين ولأول مرة في تاريخ البشرية والمعروفة عالميا كبريت الثلاث نجمات وعلى نورها قرأنا وكتبها روائع من الإبداع الأدبي الإنساني . هناك ببدا لقائنا ونما عرى صداقتنا.عثمان فارس بل وكما يحلو له كتابة اسمه (عصمان فارس ) تاريخ حي لمسيرة المسرح والسينما العراقية. كما انه من الكتاب القلائل الذين يتحفون الصحافة بالمقالات حول المسرح والتمثيل حيث يثري صفحة الفنون في موقع ايلاف بكتاباته. لنا هذا اللقاء معه كي نجدد المواجع ونعيد كتابة ونوثق افراحنا ومسراتنا.

- اليوم عالم المتغيرات والانسان المعاصر يعيش في حالة وسط حدثنا عن البدايات الاولى وكيف بدا ولعك وحبك بالفن المسرحي والتمثيل خاصة أن العائلة التقليدية العراقية كانت لا تحبذ دخول أبنائهم المعترك الفني في كافة مجالاته؟
- ولدت في محافظة الانبار ـ ناحية الحبانية ـ اكملت دراستي الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدينة الحبانية وفي الصف الثاني متوسط شكلت فرقة مسرحية وعملت فيها مخرجآ وممثلآ ومغنيآ وقدمنا العديد من العروض المسرحية في سينما الحبانية. بداية لطفولة مشرقة كنت أغني واقدم الاناشيد الوطنية وبتشجيع من معلم الرياضة في الاصطفاف الصباحي في مدرسة الحبانية الابتدائية عشقت الفن وتعمق في داخلي. كنت اشاهد الافلام السينمائية في سينما مدينتنا وكنت اطمح انذاك ان اصبح ممثلآ. ولدت في اسرة للاب يساري الافكار وامي كانت خير عون لنا وكانت تشجعني على ابراز مواهبي. كانت فخورة بما أعمل. بدأ إهتمامي بالمسرح وشكلت فرقة مسرحية مع مجموعة من الطلاب والاصدقاء المقربين والبعض منهم التحق بالدراسة في أكاديمية الفنون الجميلة منهم: جوني اسطيفان، ماجستير سينما يعيش في أمريكا وصديقي المرحوم فارس راضي ، خريج اكاديمية الفنون الجميلة. جلهم التحقوا ودرسوا في الجامعات العراقية . الاقتصادي والمصرفي عصام شاكر والمحامي خليل يوسف كنا طلبة في متوسطة الحبانية والثانوية ونقيم الحفلات الغنائية ونقدم العروض المسرحية في صالة سينما الحبانية وفي مدارس مدينة الفلوجة . كانت والدتي اكبر مشجعة لي على مواصلة حب المسرح والدراسة الاكاديمية وكانت المدرسة الابتدائية وتشجيع المعلمين وخاصة معلم الرياضة استاذ دحام عواد واستاذ رشيد لهما الدور في تشجيعي توفر لي المناخ المناسب لتقديم الاغاني التمثيليات في الحفلات السنوية وحفلات المناسبات ورحلات الكشافة المدرسية. بعدها في المتوسطة بدأت بكتابة بعض المسرحيات الكوميدية والمسرحيات التي لها علاقة بقضية الشعب الفلسطيني ومعاناته وفي الاعدادية بدأت اهتم بقراءة بعض الروايات العربية والعالمية وكتب( كولن ولسون) ك المنتمي واللامنتمي.

- عملت مع رواد المسرح العراقي وكان ذلك الجيل ليس فقد من بنوا وأسروا أسس المسرح العراقي بل كتبوا تاريخ المسرح العراقي اليوم كل ذلك اختفى وبقي آثارهم وذكريات هم ومسرح مشوه يحاول البقاء على الحياة بينما تحولت دور وبنايات المسارح الى أنقاض حدثنا عن مسيرتك مع هؤلاء العمالقة؟
- سنة ١٩٧٣ قدمت اوراقي الى جامعة بغداد. كنت أرغب في دراسة السينما والمسرح وعملت اختبار وكانت اللجنة من خيرة اساتذة المسرح : الفنان ابراهيم جلال، والاستاذ جعفر السعدي ،الاستاذ جعفر علي، الاستاذ بدري حسون فريد،الاستاذ طارق حسون فريد،الاستاذ ابراهيم الخطيب ،والاستاذ سامي عبدالحميد. قبلت في اكاديمية الفنون الجميلة قسم المسرح 1973 وبدأت في السنة الأولى أبحث في بغداد عن رائحة المسرح واشتغلت في بروفات مسرحية الدربونة لفرقة العراق المسرحية في شارع الرشيد والمخرج استاذي د سعدي يونس وتوقف العرض وفي هذه السنة. بدأت اتجه للغناء السياسي ومعاناة الانسان في كل مكان من العالم وكنت اغني لحرية الانسان والسلام المنشود. شاركت في كل حفلات جامعة بغداد وفزت بالجائزة الاولى في مهرجان الاغنية السياسية في مسرح الجامعة المستنصرية وبدأت الصحافة العراقية تهتم بنشر صوري واخباري في كل صفحاتها وكنت اغني في كل مسارح المحافظات العراقية واخترت كمطرب في برنامج ركن الهواة للفنان المرحوم كمال عاكف لكن الظروف السياسية والمواقف الشخصية للبعض حالت دون دخولي للتلفزيون مع ذلك كنت أمثل وأغني واتواصل مع سحر الحياة وعشقي الابدي ووطني المبجل المسرح.
اختارني المخرج الفنان قاسم حول للتمثيل في فلمه (بيوت في ذلك الزقاق) لكن الفوضى السياسية جعلته يترك تكملة الاخراج وسحق حقنا. مثلت في مسرحية (الصقر والصياد) مع الدكتور الفنان عقيل مهدي ومثلت في مسرحية (قراقاش ) مع الدكتور الفنان صلاح القصب. شاركت كذلك في تمثيل وغناء في مسرحية الفنان طارق عبدالواحد الخزاعي (انهض ايها القرمطي هذا عصرك) ومسرحية ( لبنان عروس تغتصب) لنفس المخرج والمؤلف طارق الخزاعي، وشاركت في مسرحية (عرس الدم) للمؤلف لوركا والمخرج زكي وتمثيل الفنانة شدى طه سالم والصديق الفنان اياد حامد وشاركت في مسرحية (ثورة الزنج) ومسرحية (مهاجر بريسبان) للفنان المخرج سامي عبدالحميد وشاركت كذلك في مسرحية ( الطاعون) ل البير كامو ومسرحية (طلوع القمر). كما أخرجت فلم 16 ملم عن التمييز العنصري واخرجت فلم 35ملم بعنوان (الجبل الاخرس) صور في مدينة السليمانية، شارك في مهرجان لايبزك السينمائي في المانيا الشرقية.
تخرجت من قسم السينما سنة 1978. شاركت في فلم (المنفدون) مع الفنان هادي الراوي وفلم (المواطن عناد) مع الفنان عباس شلاه. عملت مخرجآ وممثلآ في المسرح الكربلائي لعدة سنين واخرج العديد من المسرحيات في كربلاء منها مسرحية : الارض، بائع الدبس الفقير، مسرحية الفيل ياملك الزمان ومسرحية يوميات مجنون وعرضت في منتدى المسرح العراقي في بغداد،ومسرحية نديمكم هذا المساء للفرقة القومية في كربلاء،واوبريت الارض مع الفنان طالب القرغولي، وعملت ممثلآ في مسرحية (صبر) مع الفنان نعمة ابو سبع .

- عملت في العديد من المدن العراقية وفي مجتمعات متعدد تقليدية ملتزمة دينيا كمدينة كربلاء ومجتمعات مفتوحة كما هي مدينة السليمانية كيف ترى نتائج تجربتك تلك؟
- ساهمت في تشكيل الفرق الشبابية المسرحية في محافظة كربلاء، مدينة دينية ولها طابع مسرح الشارع وطقوس عاشورا وفجيعة الحزن الحسيني، فيها مسرح وثقافة عريقة وجمهور رائع يعشق الفن. فتأريخ كربلاء وبيوتاتها واهلها يعشقون الفرح وصناعة الجمال رغم مواسم الحزن الحسيني. هنا كانت اجمل الالحان نسمعها للفنان محسن فرحان ومحمد جواد أموري ولطيف المعملجي. وهنا تجد عوائل تعمل في المسرح وكان الفنان نعمة ابوسبع له باع كبير في نشر الوعي المسرحي والفنان علاء العبيدي وكذلك الفنان عزي الوهاب . دخلت هذه المدينة من اروع واوسع ابوابها فاحتظنني الجمهور وبدأت بمسرحية (نشيد الأرض) مع شاعر وكاتب كربلائي مرموق كان يكتب اشعار لمواسم عاشورا الكاتب محمد زمان ومنه توالت اعمالنا وكانت قاعة الادارة المحلية وعروضنا تستمر لعدة أيام وبحضور جمهور واسع وفي كربلاء. كنت اعمل مخرج وممثل مع فرقة كربلاء للتمثيل ومع مجموعة من الشباب المثقف قدمت مسرحية (هيفا تنتظر الباص على مفرق تل الزعتر) وشاركت في مهرجان نقابة الفنانين في نينوى الموصل وقدمت مسرحية (بائع الدبس الفقير) ومسرحية (الفيل ياملك الزمان) للكاتب سعدالله ونوس وقدمت مسرحية (نديمكم هذا المساء) وعرضت عشرة أيام على مسرح الادارة المحلية في كربلاء وعملت ممثل في فرقة كربلاء في مسرحية (صبر) ومسرحية (علاء الدين والفانوس السحري) وبصحبة المخرج نعمة ابو سبع واخرجت مسرحية (يوميات مجنون) تأليف غوغول على مسرح منتدى المسرح العراقي في بغداد وتمثيل الممثل العراقي عادل عباس وهو من كربلاء وفي كربلاء كانت لنا فرقة شبابية باند غربي كنا نغني الاغاني وشاركت مع الفنان طالب القرةغولي في اوبريت (الارض ) على مسرح الادارة المحلية هكذا كانت كربلاء وجمهورها عبارة عن كرنفال ووهج للفرح وكربلاء لها نغمة وبذرة حب في قلبي اعشقها واحب بيوتاتها وأزقتها الرطبة وطيبة وكرم أهلها وهم أخوال أولادي ومملكة الذكور . كما عملت رئيس قسم المسرح ومدرسآ لمادة التمثيل والاخراج المسرحي في معهد الفنون الجميلة في محافظة السليمانية اخرجت المسرحيات التالية: النمور في اليوم العاشر للقاص زكريا ثامر، ومسرحية (صوت الأرض) بانتوميم قدمت في منتدى المسرح العراقي في بغداد،ومسرحية (في أعالي البحر) قدمت على مسرح جمعية الثقافة الكردية في بغداد،ومسرحية (ثمن الحرية) على مسرح معهد الفنون الجميلة في السليمانية،ومسرحية (لوكنت فلسطينيآ ماذا تفعل؟) ومسرحية (مصير الانسان) للكاتب الروسي شولوخوف, ومسرحية (حكاية الرجل الذي صار كلبآ)، ومسرحية (الفلاح المطارد ) بانتوميم، ومسرحية (قرية الضياع) ، ومسرحية (رحلة حنظلة). وقد شاركت في مهرجان المسرح الجامعي لكلية الفنون الجميلة بغداد،ومسرحية (مسافر ليل) للكاتب صلاح عبدالصبور،ومسرحية (سنمار والنار والحصار) للكاتب محمد فراح.
شاركت في مهرجان المسرح العربي في بغداد وحصل المخرج على وسام أفضل مخرج واعد في المسرح الكردي،ومسرحية (الملك هو الملك ) للكاتب السوري سعدالله ونوس. ساهمت في الاشراف على العديد من الاطروحات المسرحية لقسم الاخراج لطلبة معهد الفنون الجميلة في معهد الفنون الجميلة في محافظة السليمانية ،واحد مؤسسي مهرجان المسرح التجريبي الكردي في مدينة السليمانية. وعلى مدى 5 مهرجانات كانت تشارك فيه الفرق المسرحية والنقاد ومخرجي المسرح العراقي من جميع المحافظات وبغداد وتقدم فيه مختلف العروض
المسرحية وكذلك البحوث والدراسات والحلقات النقدية بشكل حوار مدني وحضاري طقوس ايديولوجية حب الناس في مسرح السليمانية.
مسرح مقاتل بالكلمة من أجل الحرية هذه الكلمة الحلوة مسرح التغيير وتنوير المتلقي والتواصل والتفاعل معه، مسرحنا كان حديث الناس في البيت والشارع والمقهى وطقوس احتفالنا يبدأ من موعد اللقاء مباشرة مع المتلقي في قداس ومحراب مسرحنا . مازلت مصرآ على أرشفة تأريخ حافل لمسرحنا الكردي في الثمانينات في مدينة الثقافة والوعي الكردي مدينة السليمانية لكي تعرف الاجيال خصوصية عملنا ومعاناتنا ونحن نواجه غزو الجراد والحروب واحتراق الاخضر واليابس مدن وبشر. ماكانت تعرف طعم النوم جراء فَراّقَ الحبيب عن حبيبته وسط ركام الخوف والخراب. مازلت احلم وتأخدني ذاكرتي والحنين الى المسرح الذي كان يفجر الطاقات الشابة المسرحية ويحفز الناس في مدينتنا السليمانية على لغة الحوار والمتعة الفنية، ماكنا نخادع احد ولانجامل احد وكان هدف مسرحنا ومسرحياتنا فسحة التأمل والدعوة للحرية بكل المفاهيم والقيم الانسانية ،كنا نؤمن بثقافة الفنان وكان المسرح بيتنا ووطننا نمارس فيه طقوس أيديولوجية الحب لفننا وللناس وكنا نتجاوز حدود الخوف والمسكوت عنه.
مسرحية سنمار يواجه النار والحصار بغداد ، مسرحية من نفس واحد دون أن نقول من فصل واحد كتبها الكاتب المغربي محمد فراح واخرجتها مع فرقة معهد الفنون الجميلة السليمانية ومهرجان المسرح العربي الثاني في بغداد سنة ١٩٨٩مسرحية وجدت فيها أصداء الصرخة المكبوثة في صدري وفي نفسي وفجرت مخيلتي التجريبية ووعي الواقع الذي أعيش فيه ومعاناة الانسان في زمن الحروب والضياع والبحث عن الهوية وفضاءات المستقبل المجهول بسبب خراب وضبابية فضاء الحرية. وجدت نفسي وفريق العمل نلتقي مع المؤلف بفيض من شلال الحب وكانت رؤيتي محدودة العوالم لتنقد النص وتغنيه النص للقراءة ولكن كيف نقرأ العرض المسرحي ومحاولة تفكيك شفرات النص وتقطيعه والولوج في عالم وفضاء البحث عن هويتنا المفقودة أو المغتصبة ؟ في بيت بغدادي هو منتدى المسرح العراقي فجرنا رؤيتنا نحن وفريق العمل من اساتذة وطلبة معهد الفنون الجميلة في السليمانية وكنا نقف مبهورين امام المتلقي والجمهور الغفير والمتعطش لسماع حكاية وصوت سنمار الكردي القادم من جبال كردستان قدمنا عرضين في نفس الوقت . قالت الناقدة المصرية نهاد صليحة "نسمع بالشعب الكردي ولانعرف شيئ عن ثقافتهم ولغة حوارهم ادهشوني وهم يخاطبوننا بلغة عربية جميلة وفصحى صافية وفاعلة ونبرة صوت تتجاوز حدود الخوف أما الناقد حسب الله يحيى : أشاد بالعرض واستخدام تقنيات حديثة والمحافظة على القيمة الفكرية في توصيلها للمتلقي ونشر حلمه في ايصال عدة رسائل من خلال اوراقه المتناثرة والملونة انها كانت رسائل حب واحتجاج في أن واحد وطوال العرض المسرحي كنا نعكس صورة ومعاناة الناس واحلامهم المغيبة والمعذبة احلام حقيقية وانسانية ومشروعة نبيلة تطمح الى سيادة الحقيقة والكرامة ربما كانت احلام تعجيزية وغائبة في ذلك الزمان وفقدان الحوار الانساني قالها المخرج عصمان فارس في حدود الممكن كلمة حق وابداع. ممثلون اكراد يحملون الخوف والشجاعة في بريق عيونهم

- عصمان فارس نشيط جداً في كافة المجالات من اين تحصل على كل تلك القوة والمثابرة وكل ذلك التفائل والتجدد في تقديم كل جديد؟
- عندما تعيش في بيت أمن وأسرة سعيدة وفي بلد تشعر فيه بالامان والحرية وديمقراطية ، مثل مملكة السويد القرارات وتوفر كل وسائل الحياة من خدمات عندها تكون لي حرية الحركة للمتابعة والتواصل مع كافة المشاريع الفنية والثقافية. بشرط أن تمتلك روح الحماس والمثابرة ويبقى الجانب المهم في حياتي هو المسرح وخير جليس هو الكتاب. هذان العنوانان هو محور حياتي اليومي. ويبقى الزاد الثقافي لقد حاولت منذ البداية وخاصة قبل ٢٥ سنة عندما جئت الى السويد إبتعدت عن أجواء الشحن السياسي والتي تسبب الصداع في الرأس وخاصة نحن القادمون من الشرق المليئ بالنزاعات والصراعات. لقد سرقت السياسة نصف أعمارنا والحروب دمرت حياتنا وأوطاننا كان قراري أنا وأم أولادي ان نناى بأنفسنا عن كل الضغوطات. وأن نعيش بقية عمرنا لكي نسعد أسرتنا . هنا تجد وتحصل على كل الخدمات الكتاب متوفر تأقلمت وعشت الاندماج الحقيقي مع المجتمعات السويدية تعلمت منهم معنى الصمت وحرية الكلام والاستماع الى الاخر وعدم التشنج وإتخاد القرارات السريعة والاحكام المجحفة بحق الاخرين تفرغت أساسآ لسعادة أسرتي وكنت أبحث عن الوطن الذي أشعر فيه بإنسانيتي وأدميتي هو سر حيويتي وفضاء حريتي وهذا الوطن هو المسرح ولقاء الناس ومتعة الفرح والجمال لذلك بقيت متمسك ومنتمي فقط لهذا الوطن المقصود المسرح والثقافة ممارسة هواية عشقي الابدي الفن والثقافة وحب الناس والتعامل الانساني بعيد عن الانتماء العرقي والطائفي. تفرغت للكتابة والقراءة والتواصل مع المسرح والتلفزيون والسينما كل هذه الاماكن السحرية والجذابة وكذلك أسرتي وبيتي تشكل محور حياتي وجعلتني أعيش الفرح والتفاؤل والامل والحيوية .

- كيف ترى مستقبل الفن المسرحي في العراق بصورة خاصة وهل ترى بصيص نور في إقليم كوردستان؟
- مسيرة المسرح العراقي متواصلة رغم كل الظروف والفنانين العراقيين يواصلون الابداع في الثمانينات وفي ظل الانظمة الشمولية والحروب كانت المسارح الملجأ الامن للجمهور لغرض الشعور بالمتعة الفنية والفكرية كانت مسارح بغداد الجادة وغير الجادة يرتادها جمهور عريض من العوائل وطلاب الجامعة اما المسرح الكردي في مدينة السليمانية كان في أوج وقمة تألقه . فالجمهور الكردي كان يجد الملجأ الامن في المسرح وكانت افواج من العوائل تشاهد المسرحيات من خلال اعلان بسيط عبارة عن بارتشين يوضع وسط المدينة او اوراق اعلانات تلصق على الحيطان او في مقهى الشعب. نفس الشيئ في مدينة كربلاء اعلان بسيط وسط المدينة او اعلان ورقي يلصق على الحيطان و في مقهى باب الخان ابو النركيلات. والشيئ الجميل في كل الاعلانات تعرض المسرحية بتأريخ معين والايام التالية اي ان المسرحية تعرض عدة ايام ربما عشرة أيام.
مثلما عرضت مسرحية( نديمكم هذا المساء) للمخرج عصمان فارس في كربلاء قاعة الادارة المحلية وجمهور كربلاء الراقي في وقتها أو مسرحية( ترنيمة الكرسي الهزاز) للمخرج عوني كرومي في بغداد وجمهورها الراقي او مسرحية (المحطة) وجمهورها الراقي للمخرج فتحي زين العابدين أو مسرحية (نالي والحلم الارجواني) للمخرج احمد سالار في السليمانية او مسرحية (رحلة حسن) للمخرج كامران رؤوف او مسرحية (في انتظار سيامند) للمخرج شمال عمر او مسرحيات فرقة بيشروا الطليعة الكردية او مسرحية( ثمن الحرية ومسرحية الرجل الذي صار كلبآ أو مسرحية مصير الانسان) من اخراجي . كان المسرح يستقطب الجماهير وكانت المتعة الجمالية والفكرية تيمة كل المسرحيات .والان في عصر التكنولوجيا والاتصالات والفضائيات والفضاء الديمقراطي والاستقرار السياسي والاقتصادي في اقليم كردستان تعرض المسرحية ليوم او يومين والجمهور هم اصدقاء واقارب المخرج والممثلين اما في بغداد وكربلاء ربما يعود السبب الى غياب الجمهور لأسباب أمنية وكثرة السيطرات وصعوبة المواصلات . ربما اسباب غياب وعزوف الجمهور عن مسرحنا العراقي ومسرحنا الكردي في اقليم كردستان بسبب وجود الانترنيت والفيس بوك والفضائيات تجعل المواطن متعلق بالبيت بدلآ من الخروج او بسبب بعض المسرحيات التجريدية وفيها نوع من الغموض والاستعلائية على ذهنية الجمهور فهو المثقل بهمومه اليومية وتعرض له مسرحية فيها الغموض والفانتازيا او بسبب عدم غرس تقاليد مسرحية صحيحة من خلال المدرسة وخلق ذاكرة جمالية تليق بمسرح الطفل وغياب مسرح النشاط المدرسي وخلقنا حاجز مابين مسرح الثمانينات وكانت رسالتنا هي توعية المتلقي وكنا نعمل من اجل قضية كنا نؤسس لمسرح التغيير وملامسة جروح المتلقي . وكانت بعض الصحف مثل جريدة العراق , باشكوا .ئاسوا وجريدة هاوكاري وبرنامج الثقافة روشنبيري يقدمه سعيد زنكنة وجريدة الجمهورية كلها تسلط الضوء والقراءة النقدية على المسرحيات رغم الحساسية المفرطة من قبل البعض حول تسمية وكلمة المسرح الكردي. كان الجمهور يأتي الى المسرح من خلال هذه القنوات ويجد ضالته ومكانه المناسب في المسرح والذي يشاركه همومه ويدغدغ مشاعره وربما ينسيه ألمه ومعاناته. اما الان عندما يشعر الجمهور بالغربة من عروض تبدوا غريبة عنه ومبهمة لذلك يعزف عن الحضور الى المسرح. كنا نؤسس لمسرح عراقي ومسرح كردي في الثمانينات من خلال الموروث الثقافي لشعبنا بدأنا بمسرح سياسي رغم حالة الحصار وسلطة الرقيب أنذاك كنا نساهم في غرس القيم الجمالية والفكرية وكنا نرسل اشارات ورسائل رمزية للمتلقي وهو يفهمها وكنا نخشى سلطة الرقيب في بعض الرسائل وكنا نخشى التفسير لدى الرقيب .اما الان توجد القطيعة مابين الجمهور والمسرح رغم الدعم المادي المحدود ولكن في الثمانيات كنا نقدم مسرحيات بتمويل ذاتي وكان هدفنا والغرض لن يكون الربح ولكن كسب ود الجمهور والمحافظة على صداقته معنا. وفي الثمانينات كان هناك معهد الفنون الجميلة الوحيد في كردستان وفي مدينة السليمانية والان في كل محافظة هناك معهد الفنون الجميلة في كركوك ودهوك والسليمانية وحلبجة وفي اربيل يوجد معهد الفنون الجميلة وكلية الفنون الجميلة وتوجد مديرية المسارح والفنون الجميلة في كل المحافظات والعديد من المستشارين والخبراء الفنيين والدعم المالي من وزارة الثقافة والفنون الكردية وهناك انشطة ثقافية وفنية وعروض مسرحية ولكن ليس بمستوى الطموح وعدم وجود مجلة رصينة خاصة بالثقافة المسرحية كانت تصدر مجلة شانوا اي المسرح باللغة العربية والكردية كانت مجلة رائعة تحوي في طياتها الدراسات المسرحية والنقدية وماحصل من تطور جمالي وفكري في عالم المسرح لكن مع الاسف توقفت المجلة ربما لعدم وجود الدعم المالي. عندما نشخص بعض النواقص ونقاط الخلل هذا لايعني التجني على مسرحنا العراقي مسرحنا الكردي هناك محاولات جادة لترميم البيت المسرحي والثقافي وبجهود المخلصين في اربيل والسليمانية ودهوك ممن يديرون دفة الثقافة المسرحية. ويبقى طموحنا ان نجد العروض الجادة وهي تستقطب الجمهور ونتفاعل مع مسرحنا الكردي ونظن إنه جدير بما يقدم على خشباته المتعددة ونزيل الفجوة والفهم المتخلف مابين الفنان والجمهور.

- حدثنا عن تجربتك في الكتابة والعمل الصحفي والنقدي وتوثيق الحركة المسرحية في السويد وأين ترى مكانة الجالية المهاجرة ومشاركتها الحياة الفنية بصورة عامة خاصة انك عملت مع فنانين سويديين من أصول مهاجرة؟
- منذ السبعينات كانت لي محاولات وميل للكتابة وخاصة السينما والمسرح ونشرت بعض المقالات عن السينما واعداد بعض المسرحيات . تبقى الكتابة ممتعة مثل متعة التمثيل والاخراج في المسرح وأعيش طقوس جميلة وممتعة في الكتابة. وأبدأ بشحن ذاكرتي بجمال اللغة والخيال والغوص في أعماق الموضوع المختار والكتابة تحتاج أوقات اكون فيها وأعيش وقت هادئ البال وجميل المزاج وخاصة في الليل أو الصباح الباكرولن أكتب عن شيئ ما إذا لم يستفزني مثل عملي في المسرح في كل مسرحياتي التي اخرجتها كنت احاول استفزاز المتلقي وجعله جزء مشارك ومهم في اللعبة وضمن الحدث أما في الكتابة يجب ان أكون ضمن الحدث ومشارك فعال في رسم وتحديد صورة الزمان والمكان والاحداث والمنطقة الحرة لكي أعيش حرآ وأخد نفسآ حرآ بعيد عن سلطة الرقيب الداخلي والخارجي وعبودية السلطة وسجن السجان أشعر وانا في فضاء الحرية السويدي امتلك اجنحة استطيع التحليق والطيران بواسطتها واشعر ان طقوس الكتابة مثل بقية الفنون أكثر ديمقراطية ومن خلالها نستطيع الخروج والانفلات من روتين المألوف والتابوات وفق جو وروح الحرية وانا هنا بعيد عن كل اسوار سلطة الحزبية الضيقة والسياسة ومظاهر التخلف الاجتماية والتي تمنع القلم الحر من التواصل بعقلانية في تفسير وتغيير الواقع وهنا نتقن لغة الحوار الهادئ في فهم كل القضايا الثقافية.

العمل في الاخراج المسرحي متعة كبيرة لكنه مسؤولية كبيرة ايضا، مسؤولية عن الفريق الذي يعمل معك، مسؤولية عن النص وإيصال فكرة الكاتب الاخراج رؤية بصرية للعرض.. الكتابة للمسرح رؤية فكرية وبصرية بالنسبة لي أحب الابداع في الاخراج المسرحي لإمتاع عين المشاهد، واحب الكتابة للمسرح لامتاع فكر.

نشكر الأستاذ عصمان فارس لهذا السفر التوثيقي للحركة الفنية والمسرحية العراقية متمنين له دوام الموفقية والابداع