مع كل تعدد أهمية مئذنة المسجد الكبير في سامراء (الملوية) وتشعب قيمتها، يبقى حضورها المعماري الصفة الأهم والاكثر قيمة في مجمل الحل التصميمي للمسجد المذكور. انها العنصر الفرتكالي المكافئ لكتلة الجامع، وربما المكون الاكثر تمميزا ومثولاً في مجمل الحل التكويني لعمارة الجامع الجليل.

الملوية... معمارياً

فمجمع المسجد الكبير الذي تنتمي اليه الملوية، يتشكل من عناصر اساسية محددة تؤلف في الاخير الصورة الاجمالية والمتكاملة لعمارة المسجد، وهذة المكونات يمكن تسميتها كالآتي: ظلة المسجد، وهي القاعة المسقفة الرئيسية، التى يتجمع فيها المصلون، والصحن المكشوف وهو باحة المسجد والمجنبات التى تحيط بهذا الصحن، فضلا على جدار المسجد وسوره الذي يحدد ابعاد المسجد ويفصل خارجه عن داخله. وهناك عناصر اخرى ضمن هذة المكونات الرئيسية يكون وجودها ملازما لعمارة المسجد بيد انها تبقى كعناصر مؤثثة للفضاءات الداخلية في المسجد تقوم باداء وظائفها فيه، كالمحراب، والمنبر والابواب والنافورة احيانا، والمقصورة أحيانا آخرا إلى جانب وجود الميضأة.
يتوق معمار المسجد أن تكون "مئذنة" مبناه الفسيح (نعرف أن ابعاد المسجد الخارجية هي: 165.80 مترا × 248.70 متراً) ذات اهمية تصميمة خاصة وغير مسبوقة. من هنا سعيه الواضح في اضفاء شكل لافت وفريد على هيئة المئذنة. ولكونه يدرك بان عنصره التصميمي هذا، سيكون اكثر تميزا وبروزاً في حالة اذا كان موقعه ليس من ضمن مكونات جسم المسجد، فجاء قراره التصميمي بتوقيع مئذنته بصيغة منفصلة عن كتلة المسجد وبعيداً عن جداره الخارجي، مسبغا عليها نوعا من الاستقلالية التصميمية، زيادة في تبيان المئذنة مكانيا وبصرياً على حدٍ سواء. لم يكن تحديد المسافة الفاصلة بين موقع المئذنة وجدار المسجد، امرا عصيا على المعمار؛ فاصطفى مسافة لها بمقدار 27.20 مترا، (وهي نصف ارتفاع الملوية البالغ ارتفاعها الكلي 53.85 مترا)، مبتعدا عن جدار المسجد بمسافة تقريبية هي ضعف علو الجدار الذي يصل ارتفاعه إلى نحو احد عشر مترا ؛ جاعلا من مخرجات منظومة <النسبة والتناسب> وسيلة ناجعة في يديه لمزيد من صفاء الحضور لعنصر المئذنة التصميمي وتكريس الفعالية "السلويتية" Silhouette لمُرآها.

مصمتة تمامًا

يطمح المعمار (الذي بقى اسمه، مع الاسف، مجهولاً)، أن تكون اسطح كتلة مئذنته المبنية خالية من وجود اي اثر لتزيينات او عناصر زخرفية. فما عدا حنايا غائرة مغلقة ومكررة في اوجه القاعدة، ومثلها تقريبا في قمتها، تتبدى اسطح كتلة المئذنة مصمتة تماما، عدا ما يتراءى من ظلال الحزوز المائلة التى تؤشر خطوط اتجاه "مرقاتها" Ramp الحلزونية. وهذا الصلادة المتينة التى عمل المصمم على تبيانها والاعتناء بمظهرها وتكريس حضورها الجلي، كان وجودها بمنزلة "ضرورة تصميمية" بغية ترسيخ مظهر المئذنة في فضاء المشهد الذي تنهض فيه وبخلفيته المتسمة بفيض من ضياء شديد، وسطوع نور مبهر. وفي اعتقادنا، فان التأثير البصري لكتلة المئذنة سيكون مختلفا وباهتاً، فيما ا ذا بالغ المصمم في تكثيف زخرفتها والاكثار من تزيين اسطحها، عندها قد تبدو كتلتها مفتتة، وفاقدة لصلادتها وقابلة "للانحلال" والذوبان في الفضاء المضئ المحيط بها!
يتطلع معمار مئذنة الملوية إلى أن يكون عمله التصميمي هذا، المتسم بتعدد الوظائف، وبموقعه المحدد بعيدا عن كتلة الجامع، وما يتميز به من شكل فريد، يتطلع أن يكون حدثاً تصميمياً مميزاً، بغية اداء تام لمثل تلك المنافع. وان يقرأ في "سياق" فني محدد، ليس شرطاً أن يكون بمداليل معمارية. وهذة الفنية العالية المغرم بها معمار المئذنة، التى توصل اليها عن قناعة، والتى ينزع إلى اضفائها على صنيعه الابداعي، تحتم عليه أن يشتغل باتجاه أن لا يولّد او يمنح عمله ذلك انطباعا بصرياً لدى مشاهديه بكونه مجرد جزء متواضع الاهمية من الاجزاء "المتممة" لكمالية الحل التكويني لعمارة الجامع. فهو يطمح أن يكون شغله، شغلاً فنيا مؤثراً ومستقلا بذاته، تائقاً، في الوقت عينه، أن يكون فعل لحظة "الانفصال" التكويني، الذي حققه فيما يخص هيئة المئذنة وتوقيعها، حالة من مسعى يبتغي من وراءها ايجاد نوعا من "اتصال" مع العمارة المجترحة. بمعنى آخر، ينشد أن يكون ذلك "الـفصل" من خلال "الوصل". من هنا يمكن تسويغ نزوع المعمار الواضح، في التخلي عن سمات "عمرانية" Architectonic المئذنة، والذهاب بجرأة نادرة باتجاه بلاغة تشكيلية ممعنة في مميزاتها الفنية ("النحتية" على وجه الخصوص)، بحيث تغدو مئذنته الملوية صنيعا "نحتياً" بالكامل. معلوم أن القيمة <النحتية> في المنجز الفني تتشارك مع خصوصية "العمارة"، هي التى حدد، يوما ما، "فيتروفيوس" Vitruvius (المهندس الروماني الناشط في القرن الاول الميلادي)، صفاتها الثلاث وهي: المنفعة، والمتانة، والجمال. وهي صفات تنطبق على الاعمال النحتية ايضاً. لكن لاحقا اضاف "لو كوربوزيه" (1887 -1965) Le Corbusier، صفة آخرى إلى تلك الصفات، لجهة اتمام مفهوم "العمارة" الشامل، وهي وجوب حضور "الفضاء" Space في العمل الابداعي. معلوم، أن مئذنة الملوية خلوا من الفضاء الداخلي، مما يكرس، على نحو واضح، صفتها النحتية البحتة، ويفسر لنا حضورها المتفرد ضمن "المزاج" التصميمي المبتدع في عمارة الجامع الجليل. فكثير من زوار الجامع الكبير، يتراءى لهم بان كتلة المئذنة "الملوية" اياها وبدواعي هيئتها الفنية الطاغية، تبدو وكأنها كتلة مستقلة عن المسجد وقائمة بذاتها، تغوي مشاهديها العديدين ومن مختلف الاعمار و"الجندر" سواء كانوا آناثاً ام ذكوراً بدعوتهم نحوها للكشف عن ماهيتها والاستمتاع بتعدد اختلاف رؤى المشاهد المحيطة التى تتيحها هيئتها الفريدة، عبر تباين مناسيب مرقاتها الحلزونية.


في سعيه وراء توظيف خصوصية المادة الانشائية المنفذة بها كتلة المئذنة، لاحراز قيم جمالية لمبناه، يصبو المعمار إلى تشغيل مفهوم "التكتونيك" Tectonic التكويني كوسيلة ناجعة في تحقيق مثل تلك المرامي. فهو يعي جيدا بان خاصية "الطابوق" المستخدم كمادة وحيدة واساسية في تشييد الملوية، يمكن لها وبسهولة توليد تاثير صلادة مظهرية يحتاجها المعمار لتكريس حضور كتلته المصممة بمشهد الموقع المختار. كما أن اصطفاء المصمم للشكل الاسطواني ذي الاسطح الملساء الناعمة والرقيقة، الخالية من زوايا حادة وتفضيله على بقية الاشكال الهندسية كالمستطيل او المربع، ساهم هو الآخر في ترسيخ كتلتها المبنية لآماد طويلة، وجنبها التآكل والتعرية وسرعة التلف والاختفاء. ولعل ثبوت شكل الملوية الاصلي واستقرار هيئتها نوعا ما على امتداد كل تلك الفترة الطويلة ومن دون اية صيانة تذكر، يدلل على نجاعة خاصية القرار التصميمي المتخذ لشكل الملوية الاسطواني. كما أن المعمار يوظف محددات بداية صنيعه التصميمي مع نهاياتها، بغية تحديد شكل الملوية وترسيخه في المشهد المحيط. فهو يلجأ لاختيار قاعدة مئذنته ذات الشكل المربع الهندسي المنتظم في البدء، والتى هي صيغة شكلية مغايرة جدا لكتلة هيئة بدن المئذنة الحلزونية، مع تشكيلة قمتها المتمثلة في شكل اسطواني "مثقب" بحنيات مصمته ومفتوحة، تشي بختام الحل التكويني للمئذنة وبنهاية عمله التصميمي الاساسي لها.

كان واعيًا ومصيبًا

تظهر الدراسات التى قمنا بها، فيما يخص التقصي عن نوعية المنظومة التناسبية التى اتبعها معمار مئذنة الملوية والنتائج المستخلصة من تلك الدراسات، من أن المعمار كان واعيا جدا ومصيبا في آن، بقراراته لاختيار ابعاد عناصر كتلته ومقاسات اشكالها المتجاورة لبلوغ اقصى ما يمكن من تناسق وانسجام فنيين. وبينت تلك الدراسات إلى وجود علاقة خاصة ما بين ارتفاع القاعدة وارتفاع المئذنة الكلي، وكذلك، ما بين ارتفاع سور المسجد، وعلاقته بارتفاع الملوية. فضلا على تحديد ابعاد قاعدة المئذنة وصلة ذلك بارتفاع السور القريب ونسبته إلى تحديد ارتفاعات اللفات الحلزونية للمئذنة، وعلاقة ذلك مع ارتفاع المئذنة الكلي. وهذة المنظومة التناسبية التى اتبعها المعمار السامرائي تتوخي نوعاً من هرمونية وكمال لعناصر مئذنته والتقصي عن تناغم بين الجزء والكل، وهي منظومة جمالية معروفة ومألوفة لدى المعماريين المسلمين، وسبق وان طبقت على نماذج عديدة من المنتج المعماري الاسلامي السابق.


تثير اشكالية ابعاد مئذنة (ملوية) جامع سامراء الكبير كثيرا من الاسئلة البحثية، لما تتمتع به المئذنة من أهمية خاصة من تشكيل "فورماتي" وكعنصر اساسي من عناصر الحل التكويني الفضائي /الحجمي لعمارة المسجد. ثمة قضايا متعددة أن كانت إنشائية، او جمالية، او وظيفية (وخصوصاً وظيفية!)؛ تسترعي الانتباه وتتطلب ايجاد اجوبة مقنعة لها. فمن ضمن ما يدخل في الجانب الوظيفي للمئذنة، على سبيل المثال، تبرز "واقعة" الارتفاع الشاهق لها، والذي يصل إلى اكثر من 50 مترا (كما ذكرنا اعلاه، فان هذا الارتفاع يصل إلى 53.85 متراً على وجه الدقة). واذا تأملنا مليا الناحية الوظيفية للمئذنة بكونها العنصر الجوهري والرئيسي الذي يفترض أن ينادي بالأذان للصلاة منه، فسيقف ذلك الارتفاع الباسق حائلا دون تحقيق تلك المهمة، ويغدو عائقاً امام إتمامها على الوجه الصحيح. فالمرء، ككائن بشري، يتعذر عليه سماع الاصوات بصورة واضحة من ذلك العلو الشاهق (لنتصور أن شخصا ما ينادي من قمة مبنى ذي ارتفاع 17 - 18 طابقا <وهو ارتفاع يماثل علو الملوية تقريبا> إلى افراد يقفون تحت ذلك المبنى، فمن المشكوك فيه أن تصل اصواته بوضوح إلى مسامعهم!). علما أن مساحات مواقع "الزيادات" الشاسعة المحيطة بالمسجد من جهاته الثلاث لا تجيز، (بل وتحرم!) وجود ابنية سكنية مجاورة تماما للمسجد، ناهيك عن أن مواقع الاسواق والاحياء السكنية ذاتها في سامراء العباسية وساكنيها المستهدفين الاساسيين بألأذان، كانت متباعدة الواحدة عن الاخرى بمئات الامتار أن لم تكن بالالاف منها! (كان "بيت الخليفة"، على سبيل المثال، وهو المقر الرسمي للخليفة العباسي، وما جاوره من ابنية سكنية، يبعد عن جامع سامراء الكبير بعدة كيلومترات، وفقا للدراسات والخرائط المنشورة عن اثار سامراء العباسية (ينظر في هذا الصدد خرائط مديرية الاثار العامة، وخرائط ارنست هرتسفيلد، بالاضافة إلى اعمال آليستر نورثيج المنشورة). وهذا كله يفضي إلى تساؤل مشروع، عن جدوى هذا الارتفاع العالي للمئذنة، وعما اذا كان ذلك مسوغا من الناحية الوظيفية؟!

إشارة عابرة وسريعة

لا تشير جلّ المصادر العربية القديمة، بشكل واضح، إلى مسببات هذا الارتفاع الشاهق للملوية، (بل انها في معظمها تتجاهل حتى وجود الملوية ذاتها، او الاشارة إلى هيئتها الاستثنائية الطافحة بالعمل الريادي!). وما عدا اشارة عابرة وسريعة (نراها.. صائبة)، تعود إلى "احمد بن يحيي البلاذري" (المتوفي في سنة 892 م.)، في "فتوح البلدان" فيما يخص مسجد سامراء الكبير، عندما كتب، بان الخليفة المتوكل "..بنى مسجداً جامعاً، فأعظم النفقة عليه..وأمر برفع منارته لتعلو به اصوات المؤذنين فيها، وحتى <ينظر إليها من فراسخ> (التأكيد لي، خ. س)". (فتوح البلدان، ص. 297، وانظر ايضا، صالح احمد العلي، سامراء، ص. 90). وما عدا هذة الاشارة، واشارات مقتضبة آخرى، كإشارة "الثعالبي" في لطائف المعارف، والمستوفي، في نزهة القلوب، حيث يذكران ارتفاع الملوية فقط (انظر: طاهر العميد، العمارة العباسية في سامراء، بغداد، 1976، ص. 157)، بالاضافة إلى ذكر سريع لها عند المقدسي في "احسن التقاسيم"، وكذلك ابن خرداذبة، في المسالك والممالك، والقزويني وغيرهم (انظر : زكريا هاشم الخضر: خطط سامراء، 2018، ص. 245)، فاننا ازاء صمت "مرجعي" غير مفهوم وغير مسوّغ، حيال وظيفة الملوية وشكلها الاستثنائي الرائد والمتقدم سواء كان في المشهد البنائي السامرائي المحلي، أم في منتج العمارة الاسلامية بصورة عامة.


يقودنا هذا "الصمت المرجعي" إلى تقصى مبررات مقنعة وايجاد ذرائع موضوعية لذلك التساؤل المعرفي الجاد، والمتمثل في نزعة الارتفاعات العالية للمآذن، هي التى "شرعتها" وبدأتها مئذنة <ملوية> جامع سامراء الكبير. (ثمة امثلة عديدة يمكن ذكرها هنا متأثرة ومتبعة واقعة الارتفاع العالي للملوية (كالدراسة التى نشرتها في كتابي عن عمارة ما وراء النهر، والتى بينت فيها "ولع" غزارة تشييد المآذن الشاهقة في عمارة ذلك الاقليم المميزة، لنتذكر "منارة "كاليان" (1127م.) في بخارى، التى وصل ارتفاعها إلى 45.6 مترا، ومنارة مسجد "اسلام خوجة" في خيوة، بارتفاع وصل 56.6 مترا، اما منارة "كلتا منور" في خيوة ايضاً، فقد صممت لتكون بعلو 70 -80 متراً. (انظر: خالد السلطاني، العمارة في بلاد ما وراء النهر، عمان، 2018)؛ وكذلك في اقاليم اخرى اذ وصل، على سبيل المثال، ارتفاع مئذنة <قطب منار> (1311م.) في دلهي إلى 72.5 متراً، ومئذنة <جامع النوري> (الحدباء) (1172) بالموصل/ العراق إلى 55 متراًـ ومئذنة <جام> (1194) في افغانستان، إلى 65 مترا ايضا، ـ ومئذنة <كوتلوغ تيمور> (1011) في تركمانستان إلى 60 متراً وغير ذلك من الامثلة.

مهمات عديدة

في اعتقادنا، أن بواعث الارتفاع العالي لملوية جامع سامراء، يتعين ايجاده ليس في مهمة إداء الأذان (الذي يتعذر سماعه، من منسوب هذا العلو الشاهق، كما فصلنا ذلك قبل قليل)، وإنما النظر مليا إلى ما يوحي به ذلك الارتفاع العالي من مهمات عديدة بضمنها (ان لم تكن من اهمها)، هو تأشير مكان "المسجد الاسلامي" والتعرف عليه في البيئة المبنية، باعتباره من المفردات الاساسية في مخطط المدينة الاسلامية. وهي مهمة بدت فائقة الاهمية، كما يبدو، لدى معمار الملوية ونزوعه الواضح، من خلال الاشتغال على هيئة المئذنة الاستثنائية والفريدة وارتفاعها العالي وجعلهما يعملان بكفاءة لجهة تكريس حضور "المسجد الكبير" في المشهد البنائي الحضري والتعرف عليه من مسافات بعيدة. ونرى في اشارة "البلاذري" إيماءة على قدر كبير من النباهة لناحية موضوعيتها، عندما اشار ".. وحتى <ينظر إليها من فراسخ>". من جهة آخرى، نعرف أن "واقعة" الارتفاع العالي للمئذنة، التى امسى علوها المختلف عن مجاوراتها صفة ملازمة لمتطلبات تصميميها منذ ظهورها الجلي، في المسجد الاموي بدمشق (بدايات القرن الثامن)، كان يرمي، اساساً، إلى شدّ الانتباه بصورة لافتة وفعـّالة لوجود "المسجد الاسلامي" في بيئة المدن المأهولة التى فتحها المسلمون. ندرك ايضا أن ذلك الارتفاع المؤثر والمميز في خط سماء المدينة، كان بمثابة نوعاً من "رسالة" دينية وحتى سياسية لتبيان "رمزية" ذلك الحضور الاسلامي الجديد في البيئة المبنية والى جمهور عريض لم يكن بغالبيته مسلماً. على أن مثل هذا القصد، وان انتفت مراميه في مخططات المدن التى مصرها واسسها المسلمون (كسامراء، على وجه الخصوص)، فانه ما برح يعمل بذات الجدارة والاهلية في تلك المدن. وبالنسبة إلى معمار ملوية الجامع الكبير، امسى هذا القصد بمنزلة هاجساُ تصميمياً مرغوباً لديه ووسيلة نافعة في تبني معالجة تصميمية مميزة، تجلت خصائصها، فيما تجلت، في فعالية تضخيم المقياس والمقاس.

هذا النص جزء مستل من دراسة مطولة معنية بعمارة "ملوية" جامع سامراء الكبير، والدراسة اياها فصل من كتاب "سامراء العمرانية" المشغول به المؤلف في الوقت الحاضر.