«ماذا كان الرحالة السندباد البحري سيعمل عندما يجابه جدارًا لا يمكن عبوره؟ لعلّه كان يغني، وهل غير الغناء معبر من جدار العمى والشلل اللذين أصاباني؟".
بهذا التساؤل يقدّم الكاتب والصحافي العراقي محمد كامل عارف كتابه الصادر حديثاً عن "دار المدى" بعنوان "أسفار في العلوم والتكنولوجيا"، والذي يجمع فيه مقالاته المنشورة بين الأعوام 1991 و2021. يضيف عارف كما نقلت صحيفة الشرق الأوسط عن مقدمة كتابه: "هكذا جاءت فكرة الكتاب أغنية استعدت بها رحلاتي في أرجاء الأرض وما كتبته خلال أكثر من 40 عاماً في كتاب أو سلسلة كتب..".
موضوع الكتاب
عن بداية اهتمامه بالعلوم، وهي موضوع الكتاب، يقول عارف: "كانت بداية اهتمامي بالعلوم لقائي بالعالم اللبناني مايكل عطية الحائز جائزة فيلدز للرياضيات الموازية لجائزة نوبل للعلوم، وكنت أقتفي آثاره في حياتي ونشاطاتي، ومنه علمت أن العلوم ليست مجرد معلومات وإنما طريقة للحياة فالكتابات هذه تعمل حتى بعد غياب كاتبها وبأشكالٍ مختلفة بعضها لها صلة به مباشرة، وأخرى وحدها".
ويتابع في مقدمته "المقالات المنشورة في الكتاب، ليست منفصلة، بل هي متابعة متصلة لمسيرة العلوم على مدى السنين انعكست على شكل قصص. فالكاتب ليس متخصصاً في العلوم، بل كاتب قصصي يحكي قصة العلوم فحسب".
تبسيط العلوم
لكن دور عارف في الحقيقة كان أكثر من ذلك. فقد أصبح مستشارًا للمؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا في الإمارات العربية المتحدة.
ويذكر وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السابق في السعودية، والرئيس السابق لمدينة الملك عبد العزيز، د. محمد بن إبراهيم السويل، في شهادته في الكتاب، أن محمد عارف كان له دورًا بارزاً في المساعدة بمؤتمر البحث العلمي في العالم العربي الذي نظمته مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية عام 2004، وساعده في ذلك معرفته وعلاقاته الوثيقة بالعلماء والباحثين والباحثات العرب داخل العالم العربي وخارجه.
ويؤكد د. منير نايفه، أستاذ علوم الفيزياء، في جامعة إلينوي في الولايات المتحدة الأميركية، على مثل هذا الدور، بقوله "إن عارف ساهم بالفعل في إثراء جوهر العلوم والتكنولوجيا، وإنه قد عمل على تبسيطهما وجعلهما ممتعين وجذابين ليس فقط للشباب، ولكن أيضاً لصانعي القرار".
مذكرات وتوثيق
وبالعودة الى أيام عمله في جريدة الجمهورية العراقية مشرفاً على تحرير صفحة "آفاق"، يستذكر الكاتب العراقي سلام مسافر في مقال بعنوان "شتل العنبر في بغداد وأزهر في لندن" تلك الفترة من سبعينات القرن الماضي، واصفاً هذا الباب من الجريدة بأنه يؤرخ لبداية ونهاية الحقبة الديمقراطية المتنورة في حياة الصحافة الحكومية العراقية، والتي انتهت بقرار رئاسي أمر بنقل محمد كامل عارف وزميله سهيل سامي نادر مع الكاتبة د. سلوى زكو الى وزارة خدمية تعبيرًا من السلطات آنذاك عن حقدها الدفين ضد الأفكار الحرة.
بعد الهجرة القسرية من العراق عام 1979، نزح محمد كامل عارف مع آلاف المثقفين الآخرين، واستقر به المطاف، بعد رحلة عناء مع الغربة، في لندن.
يقول "مسافر": إنه المثقف الموسوعي، وكان يوقع مقالاته باسم محمد عارف، مستشار في العلوم والتكنولوجيا، كافح الغربة بسيل عذب ومتفرّد وجارف من المقالات في كبريات الصحف والمجلات العربية والأجنبية، تناول فيها مختلف الموضوعات بما فيها المذاق المتميّز اللذيذ للمطبخ العراقي باسلوبٍ يتناغم مع شهية الصحن العراقي و"برابيق" الماء العذب فوق "التيغة" العراقية ليالي الصيف".
يضيف "لم يترك مؤلفًا عراقيًا متميزا إلا وأفرد له صفحة او عمودًا. ولاحق العالمات والمبدعات وكتّاب المذكرات لمئات العراقيين ولعراقيات بزغن في أرض الله الواسعة بدءًا من "انثروبولوجيا الطعام العراقي" لنوال نصر الله، مرورا "بفوح العنبر" العراقي بمناسبة اليوم العالمي للبذور صعودًا نحو البناية الشاهقة، "زها حديد" الذي أصبح أحد أبرز الخبراء في تحليل أعمق زوايا مدرستها المعمارية، وكاتب سيرتها".
ثقافة التنوع
تقول سلوى زكو عن محمد كامل عارف في مقدمة كراس صدر عن "دار نوّار للنشر"، يضم مجموعة من مقالاته عن روسيا: "هو ابن تلك الأم التي تتلو الشعر وتروي الحكايات والأمثال …لعله ورث عنها سحر السرد أو تعلمه منها أضيفت له ثقافة شديدة التنوع فأصبح لدينا واحد من أهم كتاب المقال الصحفي وأكثرهم تنوعًا في موضوعاته".
أربعة عقود من الغربة
توقف قلم محمد كامل عارف_ المقيم منذ العام 1981 في عاصمة الضباب_ عن الكتابة، لأسبابٍ صحية، وكان على مدى أربعة عقود من الغربة أعد مئات الدراسات وكتب آلاف المقالات.
ويقدّر معدل كتاباته بنحو نصف مليون كلمة سنويا خلال عمله محررًا علميا في "الحياة " اللندنية، واستمر يتابع التطورات العالمية في العلوم والتكنولوجيا الى ان توقف عن الكتابة قبل عامين.
لمحة أكاديمية
نال محمد كامل عارف شهادة ماجستير آداب بالإعلام من جامعة بطرسبورغ بروسيا وماجستير علوم باقتصاديات العلوم والتكنولوجيا من أكاديمية العلوم الروسية بموسكو.
ولم يبتعد الكاتب اللامع عن التغطيات الميدانية لأهم الأحداث العلمية العالمية، مثل الإطلاقات الفضائية من مطار كنيدي الفضائي "كيب كانيفيرال" في فلوريدا بالولايات المتحدة والقاعدة الفضائية في "غويانا" الفرنسية بأميركا الجنوبية، والمركز الفضائي الأوروبي فِي تولوز بفرنسا وغيرها.
اهتم محمد كامل عارف بالنهضة النسائية العربية وأعدّ دراسة مرموقة للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة عن "نهوض نساء العلم في البلدان العربية".
ساهم بانشاء مطبوعات ودور نشر ومؤسسات علمية وجمع بين التأهيل الاكاديمي والكتابة الصحفية، محافظاً على وفائه للقيم الوطنية، معارضًا لاحتلال العراق، كما يقول "مسافر"، وحين توفي عرّاب الاحتلال أحمد الجلبي، عنون محمد عارف مقاله بالمناسبة "مات اللمبچي …"!
التعليقات