في الظلمةِ ، زارني الحنينُ
قال ليَ ، إرجع الآنَ
إستكنّ بأرضكَ المحاويل ،و بزولها
ألوانها المغطاةُ بالطابوق العتيقْ
مقاهيها قرب شاطئها
نخيلها الجذّابُ ،و تمرهُ المُسّاقط أرضاً
سدرهُا المملوءُ يلوحهُ الأطفالُ
يقذفون الحجرَ الصّلدَ عليه،
يلمعونهُ ليأكلوه
بحيراتها الممتدةُ ،
و أصواتُ الناس في سوقها عصراً،
باعتها قربِ الجسرِ .. و ما قبلهُ
باعتها بعد الجسرِ ...و ما قبلهُ
أصواتُ ثلاثةِ مساجدٍ في المغربِ
و الطير الحُسينيّ فوقها ،
عادَت بي الذكرى تهتفُ :
أستكنّ ...ألا تستكن !
فإذا بالسكونِ يعود بيَ قرناً ،
عاد بي حيثُ أول جدّ وِلدْ
حيث مشى على النهر القديم
حيثُ ولدُ قرب السوقُ القديم
من هناكَ ، جئتُ أفترشُ الحنينْ
قبعتي تموجُ و الروائحُ و الذكرياتُ
قلتُ : هل اعودُ أرضي !
لا تزالَ الريحُ تلجمني ...
قلت : لا لن اعود
لكن أمي لا تزال هناكَ ...
يدها على النافذةِ الصغيرةِ ،
تلمحُني أجيءُ ،
و شذىً منها مع الهواء العذبِ ، يقرئني :
أنّ أمّكَ مشتاقةٌ
فقلتُ و لَهيبُ الشوق يحرُقني
كيفَ لا اعودُ ،المحاويلَ
و أنا الآنَ أحملُ متاعي إليها ،
فلينظرِ الشجرُ المخضرُ
و اعذاق التمر الخفيضةُ
..إنّي اعودُ المحاويلَ،
إني أعودُ لأحضنَ أميْ ...