إيلاف من الرياض: دخلت السعودية بقوة في تأسيس (لوبي سعودي) فاعل ومعاصر ضمن التوجه العالمي لتحسين صورة الدول وتعزيز سمعتها ومكانتها، استفادة من الدور الذي تضطلع به اللوبيات المعاصرة في تحقيق هذا المطلب العالمي، في ظل غياب القطب الأوحد.
وفي أمسية نخبوية، احتفت دار جواهر التراث للنشر مؤخراً بإصدارها كتاب "اللوبي لبناء السمعة وتعزيز المكانة" للدكتور إبراهيم بن عبد الله المطرف، أستاذ العلاقات والمنظمات الدولية المشارك السابق في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وبحضور أسماء لامعة في المشهد الثقافي والسياسي.
شمل برنامج الأمسية كلمة للمؤلف وثلاث مداخلات قدمتها شخصيات ثقافية سعودية، تم فيها توضيح أن الكتاب في طبعته الثانية بعد تحديثه وإضافة خمسة فصول جديدة، يُنظر إليه على أنه إنتاج علمي فريد من نوعه في ضوء خلو المكتبة السعودية من مثل هذا الإنتاج العلمي الذي يحمل توصيات مصحوبة بالعديد من الاستنتاجات حول السبيل الأمثل لتأسيس لوبي سعودي فاعل ومعاصر، انطلاقاً من الدور الهام الذي تضطلع به اللوبيات المعاصرة في تحسين صورة الدول وتعزيز سمعتها ومكانتها.
وفي كلمته، أوضح المطرف أن فكرة الكتاب لم تأتِ من خلال حماسة عابرة، وأنه يعي جيدًا جدواها الوطنية، وأنه بنى فكر كتابه عن قناعة وحاجة. فهناك الكثير من الفرص لدور اللوبي في تعزيز علاقة المملكة بالمجتمع الدولي، كما أن هناك فسحة كبيرة لما يمكن أن يقدمه اللوبي لخدمة الدبلوماسية السعودية الرسمية.
وأضاف المطرف أن الكتاب يشتمل على رؤية مستقبلية حول بناء لوبي سعودي يكون نموذجاً لعمل فعال ومؤثر على صعيد العلاقات السعودية الدولية. فالكتاب ينطلق من فكرة مركزية تتمحور حول أهمية بناء سمعة المملكة وتعزيز مكانتها، وينطلق أيضًا من ضرورات تفعيل دور المملكة تحقيقًا لمصالحها الاستراتيجية.
وزاد مؤلف الكتاب بالقول إنه بحث في أسباب ضعف تأثير عمل اللوبي السعودي، وكيف ظل التأثير محدودًا للغاية، كما بحث في عوامل انحسار ذلك التأثير، وكيف بقي يعمل في إطار رد الفعل، لا الفعل والمبادرة. فقد كانت الجهود موسمية، تأتي نتيجة لأزمات وقتية، عادة ما يتراجع ذلك الجهد أو يتوقف، أو ينتهي اللوبي بعدها.
ويرى المطرف أن اللوبي يحقق أموراً يأتي من بينها دعم الرؤية الاستراتيجية للقيادة السياسية السعودية، وبناء علاقات دولية تتسم بالتنوع والتوازن، ودعم تكوين الشراكات الرسمية مصحوبة بشراكات أهلية، وشراكات تحسن من الصورة الذهنية عن الوطن والمواطن، وإيجاد شبكات للعمل الأهلي للوصول بعلاقات المملكة الأهلية إلى المستوى المتميز الذي تحظى به العلاقات الرسمية. ويجيء مشروع اللوبي أيضًا للاستفادة من الطلبة المبتعثين، وتشجيع الحوار مع النخب والصفوة في المجتمعات الأهلية، وتطوير العلاقات مع المتعاطفين مع مواقف وقضايا المملكة.
وفي مقدمة الكتاب، التي كتبتها الدكتورة ثريا عبيد، عضو مجلس الشورى السعودي ووكيل الأمين العام والمدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للسكان سابقاً، أشارت لجملة من خصائص الكتاب، ومن ذلك أهمية مقترح الكاتب بتأسيس لوبي سعودي فاعل، لكون المقترح يمثل طريقاً جديداً في إدارة العمل الدبلوماسي الدولي من قبل السعودية، والذي يمكنها من تتويج دورها التفاوضي وتحقيق مصالحها الوطنية.
وقد تضمن برنامج الأمسية كلمات احتفائية لعدد من أبرز الشخصيات السعودية في مجالهم الثقافي وتجربتهم السياسية، تطرقوا لعدد من التجارب والمشاهدات والمواقف التي مرت بهم وتؤكد على الأهمية البالغة للكتاب. فمن جهته، أكد الدكتور عبد الرحمن بن حمد السعيد، رئيس لجنة تطوير التجارة الدولية باتحاد الغرف السعودية، على أهمية الموضوع الذي طرحه الدكتور المطرف، وأثنى على ما اشتمل عليه الكتاب من شرح لمفهوم اللوبي وبيان لأثره الواضح، مستشهداً بما يقوم به اللوبي المؤيد لإسرائيل على سبيل المثال.
واعتبر السعيد أنه من الأهمية بمكان أن يبدأ العمل على تصحيح الصورة الذهنية والنمطية عن هذا الوطن من خلال رؤية ما تحقق لهذا الوطن من نمو وازدهار وانفتاح على العالم، ودعوة كل الجهات الرسمية والأهلية للتعاون على دعوة المؤثرين في العالم ككل - وليس الولايات المتحدة لوحدها - لزيارة المملكة والاطلاع بأنفسهم على الكم الكبير من الإنجازات، وضرب مثلاً بعدد من المؤثرين الذين زاروا المملكة وكتبوا متأثرين بما رأوا.
وشدد بالقول إن "العالم لم يعد أحادي القطبية، ويجب أن نبذل جهوداً كبيرة في العديد من الدول التي أصبحت تحتل مواقع مؤثرة إلى جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لما لها جميعاً من أهمية".
وجاءت المداخلة الثانية للسفير علي عواض عسيري، أبدى فيها شكره لدار جواهر التراث للنشر على هذا الإصدار المميز، والأميرة دليل آل سعود، وللمؤلف الدكتور إبراهيم المطرف على الفكرة التي رآها "غير مسبوقة" رغم أهميتها بل وحاجتنا لها، ولترجمة مضمونها إلى واقع مدروس وممنهج لضمان فعاليتها، معبراً عن اعتقاده أن التحول الإيجابي الذي شهدته وتشهده المملكة حالياً يساعد في تنفيذ ما هو مطلوب وفق خارطة طريق تكون مدروسة بمشاركة عدة جهات رسمية لتحديد برنامج عملي يستفاد من مصادر الدولة في الخارج، وتوظيف بعض الشركات المتخصصة بعيدًا عن المسار الدبلوماسي والرسمي.
ورأى أن الكتاب "يحمل بين طياته نهجًا جديداً ومبادرة ستخدم الوطن والمواطن، وستُصحح الكثير من المفاهيم الخاطئة عنا وعن وطننا الغالي".
وألقى اللواء الدكتور علي الرويلي الضوء على ما تعنيه مفردة (اللوبي)، وأنها مصطلح أطلق على صناع التأثير في الدول لصالح دولتهم، كما أنها وفقاً لحديثه ارتكزت على معايير عديدة منها: الجماعات البشرية للدولة لدى الدول الأخرى، وأيضاً على قوة تأثير هذه الجماعات في صناعة القرار، وصولاً لبناء المصالح المشتركة وتركيز الضوء عليها، ومروراً بقدرة هذه الجماعات على الاستقطاب والاحتواء والتأثير على مفاصل القرار في الدولة. وكذلك إعلام مساند قوي يخدم تحركات جماعات التأثير لصالح دولتهم.
واعتبر الرويلي أن عمل هذه الجماعات ينطلق من عناصر قوى الدولة الشاملة من اقتصادية واجتماعية وسياسية ودبلوماسية. وأنه يجب خلق تنسيق بين تلك الجماعات والدوائر الدبلوماسية والسياسية لخدمة أهداف ومشاريع دولتهم وأن يتم تبادل الأدوار متى اقتضى الحال لتحقيق الغايات المنشودة.
وعبرت الأميرة دليل بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود، رئيس مجلس إدارة دار جواهر التراث للنشر، عن سعادتها في الدار بالاحتفاء بهذا الإصدار المتميز وتقديم "إحدى جواهر المؤلفات التي شرفنا بطباعة طبعتها الثانية كتاب (اللوبي) بثقل عنوانه، وأهمية تأثيره، لمؤلفه القامة في مجاله الدكتور إبراهيم المطرف، الذي نعتز بشراكتنا معه في هذه الرسالة الثقافية الوطنية".
أضافت الأميرة دليل أن الكتاب "يواصل بمفهومه العام دوره المؤثر في بناء الأمم وثقافتها، ويعزز حضورها وريادتها"، وشددت على التزام الدار بما تقدمه من مستوى نوعي من النشر المتخصص طوال مسيرتها.
التعليقات