شركات التطوير الاستثماري .. الحلقة المفقودة!!
د. عبد العزيز الغدير
80 في المائة من العاملين في معظم الدول المتقدمة يعملون في منشآت صغيرة تعمل في المجالات الاقتصادية كافة وتقدم أفضل الخدمات والمنتجات المعيارية للطبقات الاجتماعية والاقتصادية كافة بما يرفع من الناتج المحلي من ناحية ويؤسس لقيام كيانات اقتصادية كبيرة قيادية تشكل أصولا اقتصادية تغذي ميزانيات تلك الدول ماليا كما تحقق لها التميز الكمي والنوعي الذي يعزز مكانتها بين الدول ويمنحها القوة في مواجهة التحديات واستحقاقات التنمية المستدامة.
ولما كانت المنشآت الصغيرة تشكل ضمان تطور الاقتصاد فإن الدول المتقدمة تحرص على تنميتها واستمرارية تأسيسها، ولذلك لم تترك حركتها نشوءا وتطورا للأفراد وحركة السوق العشوائية، بل أمسكت بزمام هذه القضية المهمة والحساسة وخططتها وعملت على استكمال لاعبيها بتحفيزهم للعمل في هذا الاتجاه من خلال إيجاد أنظمة ولوائح وإجراءات تؤسس لمصالح مادية مشتركة فيما بينهم جميعا بشكل يدفع كل طرف للبحث عن الطرف الآخر لتحقيق مصالحه الخاصة التي لن يستطيع الاستمرارية في تحقيقها ما لم يحقق مصالح الآخرين من ناحية أخرى.
واللاعبون هنا من القطاع العام وهم عادة ما يكونون على شكل جهات حكومية منظمة وبنوك حكومية تنموية، ومن القطاع الخاص وهم عادة ما يكونون جهات تمويلية وجهات حاضنة تطويرية، ومن القطاع غير الربحي وهم عادة ما يكون مؤسسات خيرية تهدف لمساعدة الشباب الواعد والطموح لتأسيس عمله الخاص أو مؤسسات خيرية تهدف لتحويل الشباب العاطلين عن العمل أو الأسر الفقيرة إلى شباب عامل وأسر منتجة (أعطه فأسا ليحتطب).
وعند النظر في وضع المنشآت الصغيرة في المملكة العربية السعودية نجد أن قيادة حراكها رغم أهميتها الكبرى متروكة للظروف دون تدخل حكومي واضح وصريح لتعزيز دورها في رفع الناتج المحلي الإجمالي وتوفير الفرص الوظيفية للشباب السعودي المتزايد سنويا والذي يشكل أكثر من 65 في المائة من السكان في المملكة، مما جعل الصغار يتحملون كامل مسؤولية تطوير وتمويل أفكارهم، وهذه عملية صعبة جدا حيث يلجا البعض لبيع منازلهم أو الاقتراض من الجيران والأصدقاء والوالدين مما يؤسس لمشاكل اجتماعية كبيرة نتيجة الإخفاق في بعض هذه المشاريع.
ويتضح إهمال دعم المنشآت الصغيرة في هيكلة النظام المالي الحالي الذي أدى إلى ضعف آليات التمويل الداعمة للكيانات الصغيرة أو لأصحاب الأفكار والمعارف والمهارات والمواهب والقدرات من المواطنين الراغبين بتحويلها إلى نشاط تجاري يدر عليهم دخلا مناسبا ويساهم في تراكم وتطوير معارفهم ومهاراتهم ومواهبهم وقدراتهم بما يعزز فرص نجاحهم في التوسع حتى تتحول أحلامهم إلى شركات عملاقة ذات قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.
كما يتضح ذلك الإهمال في عشوائية العمل الخيري الذي لا يقوم على البحوث والدراسات لاستثمار الأموال الخيرية (زكوات، تبرعات، أوقاف) لتحقيق أعلى فائدة ممكنة من تلك الأموال، بقدر ما يقوم على العواطف والآراء والانطباعات الشخصية، مما جعل معظم الأموال الخيرية تتجه للمصروفات الإغاثية على حساب المصروفات التنموية، هذا إذا استثنينا البعض كصندوق المئوية الذي يعمل وفق نظام واضح لدعم الشباب السعودي لتأسيس مشاريعهم الصغيرة فنيا وماليا، وهو عمل يبشر بخير ونتوقع للصندوق أن يحدث نقلة نوعية في توجيه الأموال الخيرية لمساعدة الشباب ليساعدوا أنفسهم بدلا من مساعدتهم بالطريقة التقليدية التي تجعلهم عالة على أنفسهم وعلى المجتمع.
أما القطاع الخاص فهو الآخر رغم مرونته وسهولة حركته لم يوجد الآليات ولا اللاعبين الذين يدعمون قيام المنشآت الصغيرة ولا المتوسطة ولا الكبيرة أيضا، إذ ما زال قيام الشركات يحدد بطرق تقليدية تشكل العلاقات الشخصية والفكر الانتهازي لا الاستراتيجي عنصرا حاسما فيها، نعم فنحن لا نرى شركات تطوير استثماري محترفة تشكل مرجعية علمية موثوقة لأصحاب الأموال لتنمية أموالهم، شركات قادرة على توليد أو استقطاب الأفكار وتطويرها حتى تصبح مشاريع ذات جدوى اقتصادية تجذب المستثمرين القادرين على تمويلها لتصبح شركات تعمل على أرض الواقع وتنمو مع مرور الوقت بالشكل المنشود.
وأعتقد أنه حان الوقت لكي نرى رجال الأعمال وهم يقومون بإنشاء شركات تطوير استثماري حقيقة مستدامة، شركات قادرة على استقطاب الأفكار وتطويرها وتمويلها واحتضانها حتى تنضج لتنطلق بأعمالها القائمة على أسس إدارية وفنية ومالية سليمة في السوق السعودية لشكل إضافات اقتصادية توفر المنتجات والخدمات عالية الجودة بأسعار مناسبة وفي القطاعات الاقتصادية كافة، كما توفر الفرص الوظيفية للشباب السعودي الواعد، وكل ذلك سيصب دون أدنى شك في صالح المجتمع والاقتصاد السعودي، فهل نرى مثل هذه الشركات، الحلقة المفقودة في اقتصادنا، قريبا بالكمية والنوعية اللتين تتناسبان وحجم السوق السعودية المتنامي، هذا ما نرجوه جميعا.
التعليقات