طلعت زكي حافظ
يدور جدل في الوقت الراهن في الوسط الاقتصادي السعودي، حول التوقيت المناسب لإنشاء صندوق سيادي، يعنى باستثمار الثروات العامة للدولة، والفوائض المالية للحكومة، أسوة بالعديد من دول العالم، التي أنشئت مثل هذه الصناديق وحظيت بنجاح منقطع النظير.
عوامل نجاح إنشاء صندوق لاستثمار الثروات العامة للحكومة السعودية، وفق رأي عدد من الاقتصاديين المحليين متعددة وكثيرة، لعل من بين أهمها وأبرزها، (1) تحقيق الخزانة العامة للدولة فوائض مالية كبيرة خلال الفترة الماضية، نتيجة للزيادة الكبيرة التي شهدتها أسعار النفط العالمية منذ بداية الألفية الجديدة، التي قد بلغت ذروتها ما بين السنوات 2003 ndash; 2006 مجتمعة نحو 650.7 مليار ريال، مما يستلزم توجيهها للاستثمار في ذلك النوع من الصناديق، (2) الخبرة الاستثمارية المتراكمة الناجحة لسنوات عديدة للحكومة السعودية، المتمثلة في الاستثمار بمشاريع تنموية مختلفة، من خلال صندوق الاستثمارات العامة، الذي تم إنشاؤه في عام 1971، لتمويل الاستثمار الحكومي في المشاريع الإنتاجية، ذات الطابع التجاري، سواء كانت تلك التابعة للحكومة السعودية، أو تلك التابعة لمؤسسات الإقراض المرتبطة بها، تلك التابعة للمؤسسات العامة، وبالذات وأن استثمارات ذلك الصندوق، قد تجاوزت ومنذ إنشائه وحتى وقت قريب أكثر من 71.8 مليار ريال، غطت مجالات استثمارية تنموية متعددة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، مصافي التكرير السعودية، ومستودعات التخزين للمنتجات البترولية، وخطوط أنابيب توزيع الزيت الخام، ومصافي التصدير وغيرها من المشاريع التنموية، علماً بأن قيمة مساهمات الصندوق في رؤوس أموال الشركات المحلية، قد تجاوزت مبلغ 17 مليار ريال، هذا بالإضافة إلى أن الصندوق قد استثمر في نحو 17 شركة عربية بمساهمات بلغت قيمتها الإجمالية نحو 9.2 مليار ريال، (3) إنشاء مثل ذلك الصندوق، سيحقق للحكومة السعودية مورد تمويل إضافي إلى جانب الاحتياطي العام للدولة، يمكنها من اللجوء إليه وقت الحاجة، لتمويل العجز في الميزانية العامة للدولة، (4) توفر الخبرة الطويلة لدي مؤسسة النقد العربي السعودي، البنك المركزي (ساما)، منذ حقبة السبعينيات الميلادية في مجال استثمار الموارد المالية الضخمة للدولة، الأمر الذي يؤكده إدارتها في السابق للاحتياطيات العامة للدولة، بما في ذلك قيامها، بالموازنة بين متطلبات الخزانة العامة للدولة، واستثمار الأموال الفائضة.
في المقابل وعلى النقيض من ذلك، هناك عدد من الاقتصاديين المحليين، لا يرون بأنه من الحكمة ومن المناسب في الوقت الحاضر، إنشاء الحكومة السعودية، لصندوق استثماري سيادي، وذلك بسبب التخوف من عدد من العوامل، التي لعل من أهمها وأبرزها: (1) غياب الاستراتيجية الواضحة والمحددة للتعامل مع الإيرادات النفطية والإيرادات غير النفطية، الأمر الذي نتج عنه عدم وجود استراتيجية واضحة للتعامل مع إدارة الفوائض المالية، مما جعل التركيز في الماضي على الإنفاق الجاري أكثر من التوجه نحو الاستثمار الرأسمالي للفوائض المالية، (2) التخوف من أن تركيز استثمارات الصندوق بمشاريع محلية، قد يتسبب في حدوث ضغوط تضخمية، قد تضر بمصلحة الاقتصاد، وتعرقل من مسيرة التنمية التي تعيشها السعودية، (3) يعتبر الإنفاق الحكومي الجزء الأكبر والمسؤول الأول، عن تحريك النشاط الاقتصادي في المملكة، وبالتالي فإن تجنيب جزء من الفوائض المالية للاستثمار بذلك الصندوق، قد يتسبب في تأخير وتعطيل عجلة التنمية في البلاد.
رغم تخوف البعض من إنشاء صندوق سيادي، يخصص لاستثمار الثروات العامة للدولة والفوائض المالية في الاقتصاد، فقد بات إنشاء مثل هذا الصندوق ضرورة ولاسيما أن هنالك العديد من النماذج والتجارب العالمية المشهود لها بالنجاح في عدد من دول العالم، التي لعل من بين أبرزها، صندوق الأجيال القادمة Future Generation Fund في الكويت، الذي قد تم إنشاؤه قبل نحو 20 عام، وأسهم بشكل كبير في تمويل حكومة الكويت أثناء وجودها في الخارج خلال فترة احتلال الكويت.
إن نجاح إنشاء صندوق استثماري سيادي، لربما يتطلب تبني التوصية الأخيرة، التي تمخضت عن منتدى الرياض الاقتصادي في دورته الثالثة، بتحويل صندوق الاستثمارات العامة، إلى شركة مساهمة عامة مستقلة، تكون مرجعيتها المجلس الاقتصادي الأعلى، حيث إن ذلك سيمكن الصندوق، من ممارسة أعماله كمنشأة مستقلة تمتلك لقرارها ولموجوداتها، كما أن ذلك سيساعد على تحقيق درجة الشفافية والمساءلة المطلوبة، المرتبطة بالتعامل مع مثل هذا النوع من الصناديق.
من بين عوامل النجاح أيضاً المرتبطة، بإنشاء مثل هذه الصناديق السيادية، إشراك القطاع الخاص في تأسيسها، وتحويل جزء من الموارد والفوائض المالية، التي تدار من قبل البنك المركزي السعودي (ساما)، إلى الصندوق لإدارتها، بحيث يتيح ذلك للبنك المركزي التفرغ التام للقيام، بالمسؤوليات المناطة به كمصرف مركزي.
إن نجاح ذلك الصندوق، يتطلب كذلك الموازنة بين حجم وقيمة الاستثمارات المحلية والخارجية، بما في ذلك التوزيع الأمثل للاستثمار في الأصول والمنتجات الاستثمارية المختلفة، الأمر الذي سيحقق للصندوق التنويع المطلوب في قاعدة الاستثمارات، بما في ذلك التقليل من درجة المخاطر الاستثمارية المحتملة.
خلاصة القول، أن الاقتصاد السعودي يعيش طفرة اقتصادية غير مسبوقة، سيتحقق عنها بإذن الله تعالي، فوائض مالية كبيرة، تستلزم توجيهها التوجيه الأمثل للاستثمار في أصول وفي منتجات وبأدوات استثمارية متعددة، من خلال إنشاء شركة مساهمة استثمارية عامة، يتم إدارتها بعقلية وبفكر وبمنهجية القطاع الخاص، بالشكل والكيفية التي تمكنها من تحقيق أفضل النتائج والأرباح، في ظل توافر معايير دقيقة لقياس الأداء، ورقابة صارمة على التنفيذ، الأمر الذي سيعود بالنفع الشامل على المواطن وعلى الاقتصاد الوطني على حد سواء، وبالله التوفيق.
مساعد مدير عام البنك الأهلي التجاري ــ مستشار وكاتب اقتصادي
التعليقات