خلف خلف من رام الله: خلصت دراسة إسرائيلية إلى أنه على الرغم من التغيير المعتدل للسياسة الاقتصادية السورية الذي زاد من إنتاج سوريا الخام، فإنه لم تنشأ بعد الشروط الكافية للنمو الاقتصادي الدائم لسوريا، وذلك لسببين أساسين، أولهما: إن الاقتصاد السوري يعاني سلسلة من المشكلات المزمنة التي قد تزداد حدتها في السنين القريبة بسبب نفاد احتياطي النفط. أما السبب الآخر، فهو عزلة سوريا الدولية التي فرضتها عليها الولايات المتحدة الأميركية بعقوباتها، وعدم استطاعتها الانضمام إلى الآن لمنظمة التجارة العالمية.
وقد حلل نيتسان فيلدمان وهو مساعد باحث في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في دراسة له العلاقات المتبادلة بين سياسة اقتصاد سوريا وبين الإجراءات التي تحدث في الساحة الدولية. قائلاً: quot;إن سياسة سوريا الاقتصادية وسياستها الخارجية أيضًا مسؤولتان عن الركود الاقتصادي الذي عانته بين السنين 2000 - 2005quot;.
ويضيف: quot;إن آثار الركود دفعت النظام إلى أن يقود في سنة 2005 تغييرًا معتدلاً للسياسة الاقتصادية. كذلك الإصلاحات التي قامت بها الإدارة أخيرًا مسؤولة بقدر ملحوظ عن التحسن الاقتصادي الذي ألمّ بسوريا، لكن النمو الاقتصادي لم يتصل طويلاً إذا لم يطرأ تغيرٌ حقيقي على مكانتها الدوليةquot;.
أين لحظت تأثيرات الركود؟
ويوضح فيلدمان الذي يعد للقب الثالث في جامعة تل أبيب أن تأثيرات الركود في الاقتصاد السوري لحُظت في أكثر المقاييس الاقتصادية: فالجهاز الاقتصادي السوري لم ينجح في إنشاء أماكن عمل جديدة لاستيعاب 300 ألف المواطن المنضمين كل سنة إلى القوة العاملة؛ وأسهم ازدياد البطالة في ازدياد نسبة الفقر.
فعلى حسب معطيات الأمم المتحدة، عاش نحو من 5 ملايين ومئة ألف مواطن سوري (30.1 في المئة من عدد السكان العام) في سنة 2004 تحت خط الفقر، لم يكن مليونان منهم قادرين على التزود باحتياجاتهم الأساسية؛ وفي الوقت نفسه طرأ بين السنين 2000 ndash; 2004 سوء حالة الميزان التجاري لسوريا، وازداد دينها الخارجي على نحو متصل.
ولكن الكساد الاقتصادي في سوريا لم ينبع من تردد الإدارة السورية وخوفها من النهوض بخطوات تزيد مقدار الحرية فحسم، بل هو بحسب الدراسة الإسرائيلية نتاج إجراءات حدثت في الساحة الإقليمية أيضًا.
أسباب الركود
وتعدّ الدراسة أسباب الركود في الاقتصادي السورية، مشيرة إلى أن دخول جيش الولايات المتحدة العراق حرك سلسلة من الإجراءات أضرت باقتصاد سوريا في عدد من الصُعد. وبخاصة أنه منذ سنة 2000 أسست العلاقات التجارية بين سوريا والعراق على quot;اتفاق جنتلمانيquot;، تمتعت بحسبه المنتوجات السوريا بخفض نسب الضريبة الجمركية عليها في العراق، وفي مقابل ذلك، مكنت سوريا العراق من نقض قرار الأمم المتحدة ومن تهريب النفط من أرضها. قطعت الحرب في العراق الإرباح التي حشدتها سوريا من هذه التسوية، وفقدت سوريا غاية سهلة للتصدير ووصولاً إلى نفط رخيص.
في الوقت نفسه اضطرت سوريا إلى مواجهة موجة اللاجئين العراقيين التي أغرقت الدولة. فمنذ سنة 2003 تدفق على أرضها أكثر من مليون لاجئ ونصف (أكثر من 8 في المئة من عدد سكان سوريا العام). إن الزيادة الحادة للسكان، الذين زادوا في الأصل بمعدل سنوي بلغ 2.4 في المئة، عبءٌ ثقيلٌ على الخدمات المختلفة مثل جهاز التربية وجهاز الصحة.
quot;وكانت قدرة سوريا على مواجهة التحديات السابقة يمكن أن تكون اكبر، لولا التدهور الذي طرأ على علاقتها بالغرب، فزيادة التوتر بين سوريا والولايات المتحدة دفع واشنطن إلى أن تسن في 2003 quot;قانون المسؤولية السورياquot; وهذا القانون يوجب على رئيس الولايات المتحدة أن يفرض عقوبات على سوريا إذا لم تكف عن تأييد جماعات إرهابية دولية، وإذا لم تنه الاحتلال في لبنان، ولم تكف عن تطوير سلاح للإبادة الجماعية، ولم تكف عن تأييد ومساعدة الأعمال الإرهابية في العراقquot;، كما يقول الباحث الإسرائيلي.
ويتابع فيلدمان: quot;استخفت في البدء جهات سوريا وجهات أميركية بالأضرار التي تستطيع العقوبة إحداثها لسوريا، لأن علاقات سوريا التجارية بالولايات المتحدة ضئيلة في الأصل. وإن تضاءل مقدار الاستيراد من الولايات المتحدة ليس خطرًا على جهاز سوريا التجاري، لكن مجرد كون سوريا تحت نظر الولايات المتحدة المفتوح يضائل جاذبية سوريا في نظر المستثمرين الأجانب. فخوف شركات أجنبية من اشتداد العقوبات من قبل الولايات المتحدة والخوف من أن نشاطها في سوريا قد لا يروق جهات أميركية يبعد المستثمرين الأجانب من الدولةquot;.
quot;يحدث التوتر بين الدولتين (سوريا والولايات المتحدة الأميركية) عائقًا يمنع انضمام الأولى إلى منظمة التجارة العالميةquot;. كما تبين الدراسة المعنونة بـquot;أنه الاقتصاد، يا سورياquot;، وكانت سوريا قدمت عام 2001 طلبًا للانضمام إلى المنظمة، لكن طلبها لم يُستجب، وذلك بسبب محاولات صد قوية من قبل الولايات المتحدة. في 2005 جددت سوريا طلب الانضمام، لكن المحاولة فشلت أيضًا.
وحسبما يستنتج الباحث، فإن بقاء سوريا خارج منظمة التجارة العالمية سيجعل من الصعب عليها أن تعوض من انخفاض إيرادات تصدير النفط بزيادة تصدير منتوجات أخرى لأن قدرة منافسة منتوجاتها ستظل اقل من قدرة الدول العضوات في المنظمة.
انخفاض الاستثمار الخاص
وجاء أيضًا أن الأضرار التي سببها الضغط الدولي لسوريا اكبر كثيرًا من الضرر المباشر الذي سبب لاقتصادها بعقب انسحاب جيش سوريا من لبنان في سنة 2005. بعقب انسحاب الجيش عرضت تقديرات فحواها أن كثيرًا من العمال السوريين سيخافون البقاء في لبنان، لكن عدد العمال الذين عادوا إلى سوريا في واقع الأمر ليس كبيرًا، وبدل العمال الذين تركوا أتى عمال جدد.
وبحسب المعطيات فأنه سوق العمل اللبنانية ما تزال تستعمل إلى الآن 300 ndash; 500 ألف عامل سوري، ويعيد هؤلاء جزءًا كبيرًا من مدخولات العمال إلى سوريا. وإلى ذلك لا يمكن أن نجد شهادات على أن الصلات المتبادلة المالية ومقدار التجارة بين الدول قد تضرر.
وأشارت التقارير التي حللت الأسباب المباشرة للكساد الاقتصادي في سوريا بين سنة 2000 ndash; 2005 إلى انخفاض مقدار الاستثمار الخاص كعامل مركزي منع سوريا من النمو. يضاف لذلك أن صعوبة تشجيع الاستثمارات تتصل اتصالا وثيقًا بمحيط الأعمال، الذي لا تبادر الإدارة إلى زيادة جدواه، لكنه يتأثر بالضغط الدولي الذي تخضع له سوريا.
نفقات استيراد النفط عام 2012
وتعرج الدراسة على المؤتمر العاشر لحزب البعث الذي عقد عام 2005، مبينة أن الأزمة الاقتصادية في سورية حظيت بتناول واسع في المؤتمر، حيث أعلن عن خطة تأخذ بنمط quot;اقتصاد السوق الاجتماعيةquot; وهو اقتصادٌ يعتمد على مبادئ السوق مع الحفاظ على الرفاهية الاجتماعية.
في كانون الثاني 2006 أجيزت رسميًا الخطة الاقتصادية التي رمت إلى تقديم هذا النمط واسمها FYP. تعترف الخطة، التي تعتمد على كثير من التوصيات في تقارير صندوق النقد الدولي، بالحاجة إلى زيادة النصيب الجزئي لقطاعات ليست النفط في الإنتاج الوطني الخام.
وبحسب تنبؤات صندوق النقد الدولي، ستكون نفقات سورية في سنة 2012 على استيراد النفط أعلى من إيراداتها من تصديره. فسورية تصدر نحوًا من 175 ألف برميل نفط فقط من نحو 400 ألف برميل نفط تنتجها كل يوم. تصدير النفط 66 في المئة تقريبًا من إجمالي إيرادات التصدير العامة، وإيراداته مصدرٌ لـ 25 في المئة تقريبًا من نفقات الحكومة.
وتوضح الدراسة أن حكومة سورية تحاول تشجيع شركات أجنبية على الاستثمار في صناعة النفط والغاز في الدولة، لكن استثمارًا كثيفًا سيستطيع أن يؤجل فقط بقليل النفاذ السريع لاحتياطي النفط. إذا أرادت سوريا أن تقلل من الإضرار الحقيقية والمالية لهذا المسار فعليها أن تفتتح فروعًا كثيرة لا تتصل بصناعة الطاقة وان تهتم بأن تستطيع منتوجاتها المنافسة في الأسواق الدولية.
استنتاجات عامة
وتخرج الدراسة بعدة نتائج، هي: quot;أثير أكثر من مرة زعم أن الإدارة السورية لا مصلحة لها في النهوض بإجراءات اقتصادية ترفع مستوى الحياة في الدولة لأن هذه الإجراءات ستزيد طلب الليبرالية السياسية. إن بناء جماعة أعمالية سيزيد طلب الشفافية ويضر بجهات كثيرة مقربة من الإدارة وتجني أرباحًا بسبب فساد القطاع العام، وسيطرة الدولة على الاقتصاد. إلى جانب هذا الزعم ينبغي أن نسأل ألا تعرض البطالة، وازدياد الفقر والانهيار المالي استقرار النظام لخطر اكبرquot;.
وتقول الدراسة: quot;إن السياسة الاقتصادية الحذرة التي قادتها سوريا في السنتين الأخيرتين تعبر عن محاولة التوفيق بين تناقض هذين الزعمين. وحقيقة أن تغييرًا معتدلاً للسياسة الاقتصادية وعددًا من الإجراءات المالية دفعت بالاقتصاد قدمًا تشهد بالزخم الذي قد يحدث في الاقتصاد السوري، إذا قررت الحكومة زيادة إيقاع الإصلاحات ونجحت في الوقت نفسه في الخلاص من العزلة الدوليةquot;.
quot;ولكن على الرغم من أن الإدارة عالمة بالتحديات الاقتصادية التي تواجهها، اختارت أن تقود عددًا من الخطوات الاقتصادية فقط التي قد تضع الأسس لنمو مستقر. وإلى ذلك لم تقم سوريا بإجراءات مهمة كانت تستطيع أن تزيل عزلتها الاقتصادية الدوليةquot;، حسب الدراسة.
وتوضح أن النمو الاقتصادي الذي جربته سوريا، والذي يتوقع أن يستمر في السنة القادمة أيضا، يمنحها مجال تنفس لمواجهة العزلة الدولية. وإلى ذلك يمكنها تحسين الوضع المالي ومضاءلة الدين الخارجي من أن تستغل استغلالاً ناجعًا تجدد الصلة الأمنية بروسيا. كما أن زيادة حقيقية للإنتاج ستمكن سوريا من زيادة النفقة الأمنية من غير أن تغير النسبة بين نفقة الحكومة والإنتاج الوطني الخام.
quot;لكن أكثر الشهادات الاقتصادية تدل على أن النمو الاقتصادي في سوريا لن يستطيع الاستمرار وقتًا طويلاً في الشروط القائمة. من المنطقي أن نفترض انه بغير تعجيل لتطبيق الإصلاحات الاقتصادية التي أعلنتها الإدارة وبغير اقتراب من الغرب، لن يستطيع بشار الأسد الفخر بمنجزات اقتصاد سوريا عندما يؤدي اليمين الدستورية لولايته الثالثة بعد سبع سنينquot;. كما جاء في الدراسة.
- آخر تحديث :
التعليقات