بسبب إقرار الحكومة ضريبة جديدة
طوارئ حقيقية تلهب سوق السيارات في الجزائر

كامل الشيرازي من الجزائر
تشهد سوق السيارات في الجزائر، منذ أسبوع حالة طوارئ حقيقية، إثر إقرار الحكومة هناك ضريبة جديدة على كل من يريد شراء سيارة جديدة بحسب سعة الأسطوانة ونوع الوقود، وهو أمر أقلق وكلاء السيارات وانزعج له كثيرا السكان المحليون سيما الموظفين المحدودي الدخل الذين كانوا يمنون أنفسهم باقتناء سيارة، سيما مع القيمة الباهظة للضريبة المستحدثة بموجب قانون الموازنة التكميلي، بات لزاما على أي شخص يشتري سيارة أن يدفع إتاوة أقلها 50 ألف دينار بالنسبة للسيارات العادية وقد تصل إلى حدود 120 ألف دينار لسيارات تعمل بمحرك الديزل ، كما تمّ استحداث ضريبة 1 بالمئة ويفرض ضريبة على الوكلاء بـ 1 بالمئة من رقم أعمال الوكلاء السنوي، وهو إجراء صنفه المتعاملون بـquot;المجحفquot; في حقهم.

وأتى القرار صادما للباعة والزبائن على حد سواء، وتحرك كل طرف في اتجاهه، ووسط جو هستيري غير مسبوق، شهدت مختلف مقرات وكلاء السيارات حالة من الاستنفار سيما بعد شيوع أنباء عن فرض الضريبة إياها بأثر رجعي ما جعل الطوابير المكتظة تبرز للعيان، في وقت فضل مواطنون سبق لهم تقديم ملفاتهم على مستوى البنوك لتسريع وتيرة الإجراءات حتى لا يقعوا تحت طائلة الضريبة quot;المرعبةquot;.

بالتزامن، وكلاء السيارات هدّدوا بالتصعيد، ورأى هؤلاء أنّ تطبيق هذه الضريبة quot;متعجلquot; وquot;يفتقد للوضوحquot; لذا طالب كثير منهم بتأجيل الخطوة، بهذا الصدد، اعتبر quot;محمد بايريquot; رئيس جمعية الوكلاء المعتمدين لتسويق السيارات بالجزائر، أنّ تأجيل تطبيق الضريبة الجديدة على السيارات بات ضروريا، خصوصا مع استحالة تنفيذه تبعا لمحدودية رواتب غالبية الزبائن، وبشأن استحداث ضريبة 1 بالمئة على أعمال الوكلاء، تأسفت جمعية الوكلاء المعتمدين لتطبيقها، والاقتصار في ذلك على سوق السيارات فقط دون القطاعات الخدمية الأخرى، بكل ما قد يتسبب به القرار من كساد سوق استثمار السيارات في البلاد.

من جهته رأى quot;عمر ربرابquot; أحد كبار المستثمرين في سوق السيارات، بحتمية مراجعة السلطات في مقدار الضريبة المدرجة سيما وأنّها بمنظار المستهلكين quot;جد مرتفعةquot;، وقال ربراب أنّ هذا الإجراء الجبائي الجديد أثار quot;فوضى كبيرةquot; لدى الوكلاء والزبائن على حد سواء، علما أنّ كثير من المجموعات الناشطة في الجزائر اضطروا لإلغاء العديد من طلبات الشراء بعد إحجام 80 بالمئة من الزبائن عن اقتناء سيارات والخضوع للضريبة.

وبررت الحكومة الجزائرية الضريبة المثيرة للجدل بتوفير أموال توجه لدعم أسعار النقل العمومي الجماعي ولتنظيم سوق السيارات في الجزائر، وتسعى الجزائر لتغطية نفقات quot;استثماراتها الكبيرةquot; في مجال النقل الجماعي من خلال مشروعي (الميترو والتراموي) وما يتطلبه الأخيران بحسب مسؤولين حكوميين من دعم نوعي يكفل معقولية سعر التذاكر بشكل يمكن أغلبية السكان من استعمال وسائل النقل المتاحة مستقبلا.

ويفسر محللون القرار بعد نظر السلطات الجزائرية بعين الارتياح إلى اتخاذ بلادها ساحة للتسويق لا للإنتاج، بجانب إغراقها بالسيارات القديمة، التي تفد إليها بحدود 90 ألف سيارة قديمة كل عام، في ظل عدم قدرة غالبية الجزائريين على شراء سيارة جديدة، وهو ما رفع الوعاء العام في الجزائر إلى 5,3 ملايين سيارة، بينها 80 بالمئة يتجاوز عمرها العشر سنوات، كما أنّ خبراء يجزمون أنّ الاقتصاد الجزائري لن يستفيد أي شيء من الاستمرار في استيراد سيارات قديمة غير مضمونة.

ولعلّ هذا ما يفسر كلام وزير المال الجزائري quot;كريم جوديquot; من أنّ الاستثمارات يجب أن تتم في الجزائر ولا يجب أن نقتصر على استهلاك المنتجات المصنعة فحسبquot;، وهو ما جعل المسؤول ذاته يعطي انطباعا مفاده باستعداد الحكومة للتجاوب مع المنتجين، حيث أوعز أنّه إذا ما أبدى مستثمرون في قطاع السيارات اهتماما للحضور في السوق المحلية من خلال استحداث مناصب شغل وقيمة مضافة في الجزائر، سيمكن للحكومة حينئذ دراسة شروط جبائية محفزة.

وقد بلغ استيراد السيارات رقما يقارب ملياري دولار عن 151.194 سيارة خلال السداسي الأول من سنة 2008 أي مايمثل ارتفاعا بنسبة 12 بالمئة مقارنة بنفس الفترة السنة الفارطة، وتوصف الجزائر بكونها أكبر سوق في المغرب العربي وشمال إفريقيا، تبعا لاستقطابها نحو 217.700 سيارة خلال السنة الماضية، ما جعلها تنمو بنسبة 30 بالمئة، وتتحول إلى أهم سوق في المنطقة، وهو ما دفع السلطات الجزائرية للتفكير في الاستثمار في صناعة السيارات داخل الجزائر بدل استيرادها، خصوصا في ظلّ تقارير تحدثت عن قابلية سوق السيارات الجزائرية لخلق ثلاثة آلاف منصب عمل مباشر سنويا، وإمكاتية تحقيقها رقم أعمال معتبر في غضون الخمس سنوات المقبلة، وما يترتب على ذلك من تحقيق عائدات هامة من شأنها إنعاش اقتصاد البلاد.

وسبق للوزير الجزائري للصناعة وترقية الاستثمارات الجزائري quot;عبد الحميد تمارquot; أن صرّح مؤخرا بأنّ بلاده تريد التحول إلى بلد منتج للسيارات، وشدد على أنّ الحكومة الجزائرية وضعت مجموعة من التدابير والتسهيلات لتشجيع إنتاج السيارات وتمهيد الطريق أمام قيام عمليات شراكة بين متعاملين محليين وشركات صناعة السيارات العالمية لانشاء وحدات انتاجية بالجزائر، بعدما عاب مختصون على الأخيرة افتقادها لأي حراك انتاجي وقيام السياسات الحكومية على تشجيع الاستهلاك، في صورة 30 مؤسسة للسيارات متواجدة في الجزائر، وتختص بالتسويق لا بالإنتاج، في وقت يشتكي جزائريون من قلة العدم الذي يحظون به لإنشاء مؤسسات تعنى بالاستثمار في قطاع السيارات، وما يلفه من نقص في قطع الغيار.

ويسري اتجاه في الجزائر لافتتاح مصانع لإنتاج السيارات على مستوى الضاحية الشمالية للبلاد، حيث تقول معلومات حصلت عليها quot;إيلافquot; أنّ مجموعات رونو، بوجو، تويوتا وفولسفاغن، مهتمة بفتح مصانع لها في الجزائر، كما تسعى الحكومة إلى افتتاح وحدات لإنتاج قطع غيار السيارات وأخرى خاصة بالعجلات المطاطية، علما إنّ مجموعة ''ميشلان'' الفرنسية تنهض عبر فرعها في الجزائر، بتلبية حجم كبير من حاجيات السوق المحلية.

وما فتئت المنافسة بين صانعي السيارات تزداد احتداما و شراسة في سوق السيارات الجزائري، فبينهم من يعرض ضمان السيارة المقتناة مدة سنتين أو لمسافة 100 ألف كيلومتر، وبينهم من يهدي دراجتين مقابل كل سيارة تشترى، أو يمنح جملة من التجهيزات الإضافية بأسعار تنافسية أو تخفيضات تصل مستوى الـ150 ألف دينار، وجاد (فكر) وكلاء السيارات بتقنيات تجارية هدفها استمالة زبائن كثر تعدادهم و لكن قل منهم من يستقر على خيار بحكم ما يلف أصناف السيارات المعروضة، وهو ما جعل البيع بالتقسيط يعرف انتعاشا كبيرا، حيث تشهد عمليات من هذا النوع، تناميا منذ انطلاقتها سنة 2001، خصوصا مع الاجراءات التحفيزية التي أضحت البنوك الجزائرية تعرضها اليوم، وانتشرت الظاهرة كثيرا من خلال تهافت الجمهور على العروض المقترحة من لدن مختلف البنوك الجزائرية العامة والخاصة وكذا الأجنبية.

يٌشار إلى أنّ العلامة اليابانية ''تويوتا'' تأتي مبيعاتها في الصدارة بالجزائر، وتأتي العلامة الكورية quot;هيوندايquot; ثانية، متبوعة بـquot;نيسانquot;، ''بيجو''، ''رونو''، ''فورد''، ''ميستوبيشي'' و''كيا''.