بدأت الجزائر سلسلة إجراءات جديدة لتحقيق الأمن الغذائي في بلد يستورد نحو 40 إلى 50 في المئة من حاجياته الغذائية، ويبلغ حجم وارداته السنوية من الحبوب أكثر من خمسة ملايين طن، وتنوي السلطات الجزائرية إقرار نسق أكبر لمزارعيها عبر دعم تقني واقتصادي يشمل مرونة في التعاطي مع تكاليف وهوامش المجموعات المحلية المنتجة بشكل يضمن وفرة المنتجات الزراعية الأكثر استهلاكًا، ويخرجها من مستنقع الندرة والمضاربة.

الجزائر: وأفاد quot;جمال برشيشquot; المتحدث باسم وزارة الزراعة الجزائرية، أنّ حملة الحرث والبذر للموسم الجاري 2009- 2010، ستعرف العديد منالتدابير التحفيزية لصالح جمهور المُزارعين، على غرار استحداث وحدات خدماتية ستعنى بمساعدة تعاونيات الحبوب والبقول الجافة، وأوضح برشيش لـquot;إيلافquot; أنّ المزارعين سيستفيدون أيضًا من المرافقة التقنية واستمرار الإعفاء من الرسم على القيمة المضافة، فضلاً عن المبيدات ومعالجة البذور خصوصًا مع انتشار الأمراض الفطرية، والارتقاء بزراعة الأعلاف والبقوليات الغذائية، إضافة إلى التزام الوصاية بتوفير البذور، والأسمدة، هذه الأخيرة التي كثر حولها الجدل في العام الأخير إثر ما واكب ندرتها من تأثيرات على زراعة الخضر ولا سيما البطاطا.

وتريد وزارة الزراعة الجزائرية من وراء هذه الإجراءات لإنقاص فاتورة وارداتها الغذائية من خلال إعادة الاعتبار للمنظومة الزراعية المحلية وتوفير الأرضية المناسبة لتحقيق محاصيل قياسية في موسم الحصاد العام القادم، وأتى التصور المُعلن عنه، بعد انتقادات وجهها الخبير الجزائري quot;عبد الرحمن مبتولquot;، وعدم استساغته إنفاق سلطات بلاده لأموال ضخمة وبشكل مفرط على استيراد الخضر والقمح ومسحوق الحليب وغيرها من المنتجات الواسعة الاستهلاك، ما أسهم بحسبه في تحطيم الإمكانات المحلية الواعدة، ودفع الكثير من المزارعين إلى رمي المنشفة، في حين شهدت الأسواق المحلية التهابا في أسعار المواد الغذائية في العامين الماضيين، حيث عرفت أسعار المواد الغذائية في الجزائر خلال الأربعة عشر شهرًا المنقضية، ارتفاعًا بنسبة زادت عن 8.6 في المئة، بينما تجاوزت نسبة الزيادة في المواد الغذائية الصناعية 13 في المئة، وقد شهدت الفترة ذاتها ارتفاع واردات الجزائر الغذائية بنسبة تفوق 20 في المئة.

ويشدّد خبراء الشأن الاقتصادي في الجزائر، على ضرورة وضع إستراتيجية محلية متكاملة من شأنها حلّ إشكالية الأمن الغذائي بشكل نهائي وحاسم، ويتقاطع عبد الرحمن مبتول وهيثم رباني وعبد الحق العميري، في ضرورة انبناء هذه الإستراتيجية على دراسة موضوعية للإمكانيات المتاحة والظروف المحيطة والاحتمالات المستقبلية لها، ويلحّ هؤلاء أيضًا على العمل على إعادة تكييف الأنماط الزراعية السائدة لتتلاءم مع إمكانيات الإنتاج الزراعي القومي، علاوة على تكوين مخزونات من السلع الغذائية الأساسية لمواجهة أي نقص محتمل في الإنتاج جرّاء حالات الجفاف وأيضا حالات عدم ملاءمة ظروف السوق الدولية.
وبحكم تبعية الجزائر شبه المطلقة لاستيراد كثير من المنتجات الغذائية، يتوقع المختص هيثم رباني أنّ الجزائر بحاجة لإجراءات فعالة تكفل إيجاد بدائل فعلية وعلى مستوى استعجالي لصدّ أي انعكاسات على منوال أزمة الحبوب العام الماضي، ويركّز رباني على حتمية ابتعاد دوائر القرار عن الجنوح كالعادة إلى تدابير مسكنة وظرفية على غرار دعم الأسعار وتسقيفها، فيما ينادي الخبير الجزائري عبد الحق العميري بتوخي إصلاح عميق يعيد الاعتبار للآلة المنتجة في الجزائر ويضع حدا لتنامي الواردات.


وكنقطة استدلالية، يعاني 85 في المئة من الجزائريين من سوء التغذية نتيجة تدهور قدرتهم الشرائية بنسبة تفوق 55 في المئة خلال الـ20 سنة الفارطة، بينهم حوالى مليوني طفل جزائري يفتقرون لأبسط أنواع التغذية الضرورية لسنهم، مثل الخبز والحليب والجبن. ويعترف 72 في المئة من الجزائريين بعجزهم عن مواكبة موجة الغلاء الفاحش، واعتراف 77 في المئة بأنهم لم يشتروا اللحم أو الفاكهة منذ سنوات (..)، في صورة تعكس ضحالة الوضع المزري للمستهلكين، بفعل استشراء ظواهر المضاربة والتحايل والاحتكار والانتهازية والسلع المقلّدة، وما ولدته من ارتفاعات متلاحقة للأسعار، بينما بقيت السلطات لسنوات تتفادى الاعتراف الفعلي بحقوق المستهلكين وإصدار القوانين والتشريعات التي توفر لهم الحماية في وسط أضحى توازنه هشًّا.