ولّداستخراج الذهب في أميركا اللاتينية طبقة مسحوقة من العمال تعيش ضمن ظروف عمل خطرة، وكثير منهؤلاءأطفال، يعملون في هذه المناجم من دون حماية نفسية أو جسدية، إضافة إلى تحميلهم أثقالاً، ما يؤثر على وضعهم الصحي. وشهدت غواتيمالا قبل أشهر حملة تحت شعارquot;لا للذهب القذرquot; جمع خلال تواقيع الآلاف الرافضين العمل في مناجم الذهب في ظل ظروف منافية للإنسانية. والمشكلة التي تواجه سكان مناطق المناجم كلها هي استخدام الشركات موادة كيمائية سامة، أثناء عملية التفجير وصولاً للمناجم، إلا أن عائدات الذهب جعل الأرجنتين تغض النظر عن مطالب منظمات حماية البيئة.
سان خوسيه: عندما دخل الأساطيل البحرية التي أرسلها كل من أسبانيا والبرتغال إلى القارة الجديدة، أميركا، بحجة نشر الدين المسيحي في القرون الوسطى، بينما كانت الغاية الحقيقية غزوها ونهب ثرواتها، لم ترجع السفن إلا وهي محمّلة بكميات هائلة من الذهب. لكن رغم ما سلبه الأسبان والبرتغاليون، فإن مناجم الذهب لا تنضب، ومازال فيها مئات الآلاف من الأطنان. لكن المشكلة هي أنها لا تعود بالفائدة المرجوة، لا على حكومات هذا البلدان، ولا على المواطن العادي فيها بأي شكل من الأشكال، بل تستفيد منها الشركات الغربية المستثمرة، منها العديد من الشركات الأميركية والكندية والأسترالية، التي عقدت قبل زمن طويل مع أنظمة دكتاتورية عقوداً طويلة المدى، تسمح لها باستخراج الذهب، ومنح حكومات البلدان جزءاً بسيطاً جداً من أرباحها، أو شراءها.
وارتفعت نسبة استخراج المعادن الثمينة، مثل الذهب، في العالم بشكل كبير، وزاد حجم الاستثمارات في العالم منذ تسعينيات القرن الماضي، بحوالي 15 %، لكن ذلك لم يخفض أسعار الذهب، بل رفعها، بسبب تكاثر الطلب عليها، خاصة وأن بلدان في أميركا الجنوبية تهدف إلى رفع مخزونها من الذهب لمواجهة الأزمات الاقتصادية، ما جعل استخراج الذهب فيها يزداد.
لكن المشكلة تكمن في أن أصحاب المناجم يتمتعون بسبب هذه العقود غير المحددة الزمن بحرية التصرف في الذهب، وحتى تصديره، كما هو الحال في بعض بلدان أميركا اللاتينية، دون العودة إلى الحكومات هناك، ما جعل الحكومات لا تجني الكثير من الأرباح، حتى إن بعضها لا يمكنه رفع الرسوم التي أبرمت قبل عقود، ما يدفع إلى القول إن فائدة الذهب ليس لمالكها، بل لمستثمر مناجمها.
لكن الحكومة في البيرو تمكنت ما بين عامي 1998 و2003 من رفع قيمة الرسوم وحصتها من الأرباح إلى حوالي 2.7 % لتسند بذلك الدخل القومي لديها بحوالي 8 %. بينما في فنزويلا، منعت حكومة الرئيس هوغو تشافيز عمليات استخراج الذهب من غابات إيماتاكا، حيث تكثر مناجم الذهب هناك، فحجبت منذ العام الماضي منح رخص استخراج.
وبررت هذا الإجراء بأنه محاولة للحفاظ على البيئة، وأيضاً وقف استغلال الشركات لسلب الذهب الفنزويلي، حسب قولها، ولن تسمح لا للشركات الوطنية أو الأجنبية بالحفر واستخراج الذهب. وجاء القرار نتيجة تحذير علماء جيولوجيا من مخاطر كثرة استخراج الذهب من المناجم، وبشكل غير منتظم، لأن ذلك يلحق الضرر بغابات فنزويلا. وتواجه كوستاريكا، على الرغم من أن حجم الذهب في مناجمها لا يضاهي حجمه في بلد شاسع كفنزويلا، تبعات استخراج الذهب لديها، فالشركات الأميركية تسيطر على المناجم، وتسبب في الوقت نفسه مشاكل طبيعية، لاستخدامها مادة تسيانيد السامة والمؤذية للبيئة والتربة.
في هذا الصدد، تقول صونيا توريس، عضو حماية الأرض، إن أكثر المناطق تعرضاً للتلوث نتيجة ترك شركة غليكاين غولد الأميركية الأتربة السامة هي المناطق القريبة من منجم بلافيستا. وتقدر تكاليف تنظيف المنطقة بحوالي مليون دولار، إلا أن الشركة عرضت فقط 250 ألف دولار. وتعتبر الأرجنتين من أغنى بلدان العالم من حيث امتلاكها مناجم المعادن الثمينة، خاصة في سلسلة جبال أندن، ومنذ أن سنّت في عام 1993 قوانين مفيدة للعمال، وشروط عمل أفضل، زاد حجم تصديرها للمعادن الثمينة، من بينها الذهب، من 70 مليون دولار في السبعينيات الى 4000 مليون دولار عام 2008.
لكن معظم مناجمها ملك لشركات أجنبية أو تحت إدارتها، ومنها شركة باريك ماينيغ. إلا أن زيادة الطلب على الذهب شجع الأرجنتين على التعاون مع تشيلي لاستخراج الذهب من منطقة سان خوان، وهي منطقة حدودية بين البلدين، ويصل حجم الاستثمار فيها إلى 2.3 مليار دولار.
وتريد الحكومة الأرجنتينية، وكخطوة لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، توسيع مجالات استخراج المعادن الثمينة أيضاً كالذهب بسبب ارتفاع أسعاره بشكل متواصل، ما يوفر لها مخزوناً أعلى من الذهب. إلا أن استخراج الذهب في بلدان أميريكا اللاتينية شكل طبقة مسحوقة من العمال، تعمل بأجور متدنية جداً، وتعيش ضمن ظروف عمل خطرة، لذا شهدت مدن عدة هناك مظاهرات احتجاج، منها ما نظمته جمعيات لحماية البيئة وحقوق الإنسان، خاصة وأن الكثير من الأولاد يعملون في هذه المناجم ضمن ظروف صعبة جداً، ومن دون حماية نفسية أو جسدية، إضافة إلى وجوب حملهم أثقالاً، ما يؤثر على وضعهم الصحي.
ويقول تقرير إن عمل الأطفال في بلدان مناجم الذهب في أميريكا اللاتينية، يكون ليس فقط ضمن ظروف مرعبة، بل وخطرة أيضاً، إذ عليهم العمل لساعات فوق الأرض وتحتها، ووضع متفجرات وتنخيل الرمال والتراب والزحف عبر أنفاق ضيقة وتنشق الغبار المؤذية من أجل استخراج الذهب، الذي لا يعود عليهم بأي فائدة، لأن ما يجنونه هو قروش قليلة. وعندما يصابون بأمراض فإن المسؤولين في المناجم يديرون ظهورهم لهم، من دون دفع تعويضات، فلا ضمانات صحية في العمل. وقامت في غواتيمالا قبل أشهر قليلة حملة تحت شعارquot;لا للذهب القذرquot; جمع خلال تواقيع حوالي عشرة آلاف شخص، وسوف يواصل جمع التواقيع في كل بلدان أميريكا الجنوبية، لأن العمل في مناجم الذهب يجري في ظل ظروف منافية للإنسانية.
كما أشار تقرير لهيومن واتش إلى أن الشركات الأجنبية المستثمرة لمناجم الذهب والماس تستهلك كميات كبيرة من المياه، ما يقلل من المياه التي تصل إلى سكان المناطق المحيطة بها. إضافة إلى ذلك تستخدم مواد سامة جداً خلال الحفر، منها مادة تسيانيد. وتقدر هيومن واتش أن حجم استخدام هذه المادة الخطرة في العالم في مناجم الذهب يصل إلى 182 ألف طن سنوياً. ومن أشهر مناجم الذهب في غواتيمالا منجم مارلين، وتستثمره الشركة الأميريكية غلاميس غولد، بعد حصولها عام 2006 على قرض ضخم من مؤسسة التعاون المالي الدولي. والملفت للنظر أن هذ المؤسسة تابعة للبنك الدولي.
ويتم في هذا المنجم استخدام مادة تسيانيد من أجل إنتاج الذهب، وهذا يؤثر على تربة الأرض، ما يلحق الضرر الفادح بسكان المنطقة، خاصة الهنود منهم، والذين يعيشون على الزراعة. كما يخشى من تلوث المياه بهذا المادة السامة، خاصة في إقليم سولالا حيث يوجد أحد أكبر مناجم الذهب. والمشكلة الأخرى هي أن الأطنان من التراب والرمل الذي يتم إخراجه من مناجم الذهب تكدس في مناطق وجودها، ولا تنقل إلى أماكن أخرى، فتصبح مع الزمن تلالاً من الأتربة الملوثة تسبب مشاكل صحية للسكان.
وما يجدر ذكره أن حوالي 70 % من الذهب يستخرج من دول نامية في أميريكا الجنوبية وعدد من بلدان القارة الأفريقية. وفي تشيلي، حصلت شركة التنقيب واستخراج الذهب الكندية مايننيغ جانيت باريك غولد على إذن لبدء العمل في منطقة باسكوا لاما عند الحدود مع البرازيل. وتريد الوصول بحجم استخراجها للذهب حتى نهاية هذا العام إلى 200 طن و940 طن فضة و5000 طن من النحاس. إلا أن جزءاً من المناجم يقع في المناطق المغطاة بالثلوج، لذا تريد الشركة الكندية نسف 3 % من المنحدرات من أجل حصر الثلوج في الأعالي.
المشكلة نفسها تواجه سكان مناطق المناجم كلها، وهي استخدام الشركات موادة كيمائية سامة، إلا أن حاجة الأرجنتين لعائدات الذهب يجعلها تغض النظر عن مطالب منظمات حماية البيئة، فالمناجم تشغل الآلاف من العمال، خاصة في منطقة فيلاديرو، حيث يعمل هناك أكثر من 1500 عامل، مع استثمار يصل إلى 5.1 مليار دولار. إلا أن الحكومة المكسيكية خفضت حجم استثماراتها في مجال مناجم الذهب بنسبة 25 %، أقل من العام الماضي، حيث وصل عام 2008 إلى 3.66 مليار دولار، ولم يتعد هذا العام الـ2.73 مليار دولار، والعام 2010 سوف يخفض إلى 1.7 مليار دولار. والسبب في ذلك أن تراجع الطلب على المعادن، وأيضاً الذهب والاستثمارات فيها، أدى إلى شطب 30 ألف مكان عمل.
لكن سلفادور غارسيا، مدير شركة غولدكورب، أشار إلى أن منجم الذهب في بنياسكيتا سيبدأ إنتاجه من الذهب مع مطلع عام 2010، وسوف يكون المنجم الأكبر للذهب في المكسيك، بقدرة تصل إلى 150 ألف أونصة، ليصل بذلك حجم إنتاج الذهب العام المقبل حتى 700 ألف أونصة سنوياً. وبدأت حمى البحث أو التنقيب عن الذهب في كوستاريكا، هذا البلد الذي يعتبر جنة أميركا الجنوبية لما فيه من جمال طبيعي متنوع.
إذ عرض التلفزيون الكوستاريكي قبل أيام صوراً عن كيفية تدمير الشركة الكندية لاستخراج الذهب فينيسا فنتورس الأشجار في الغابات الممطرة في منطقة كروسيتا شمال كوستاريكا. ما يعني إحداث تلال من الأتربة السامة بسبب المواد الكيمائية. إذ كشفت بحوث جيولوجية عن وجود كميات كبيرة من الذهب في ممر طويل بين كروسيتا والكاستيلو وسان خوان دي لا سلفا. وتقدر بأكثر من من مليون أونصة، ويعيش في هذه المنطقة الملايين من الطيور والحيوانات والسكان. ويقدر خبراء اقتصاد أن حجم كوستاريكا من الذهب 100 ألف أونصة سنوياً، وتصل حصة الحكومة في سان خوسيه إلى 20 %، ما يساعدها على تنفيذ بعض المشاريع التنموية.
التعليقات