أشرف أبوجلالة من القاهرة:

ظلت إمارة دبي الإماراتية على مدار الأشهر القليلة الماضية مادة خصبة لوسائل الإعلام الأجنبية حول العالم، حيث دأبت معظم هذه المنافذ الإعلامية على تناول الأزمة التي بدأت تعانيها الإمارة مؤخراً نتيجة للهزة العنيفة التي تعرض لها سوقها العقاري بسبب استمرار تداعيات الموقف الاقتصادي المتردي على الصعيد العالمي. وفي الوقت الذي لازالت تنتظر فيه الإمارة بوادر انفراجة للخروج من طيات الأزمة في أسرع وقت ممكن، بدأت تتحدث تقارير صحافية أميركية عن أن إمارة أبو ظبي بدأت تسحب خلال الآونة الأخيرة البساط من تحت أقدام شقيقتها، دبي. وفي هذا الإطار، أعدت صحيفة لوس أنغليس تايمز الأميركية تقريرا ً مطولاً ومستفيضاً تحت عنوان quot; أبو ظبي .. طموح جديد وجانب مظلم quot; - وقالت في بدايته أن التنافس quot;المعقد دائماquot; والقائم منذ فترة طويلة بين الإمارتين الشقيقتين شهد تحولا ً ملحوظاً خلال الأشهر الأخيرة.

وأشار التقرير إلى أن الوضعية التي تعاني منها الآن إمارة دبي الآن نتيجة تعرض سوقها العقاري لحالة من الانهيار، ساهمت في زيادة بزوغ نجم العاصمة الإماراتية، أبو ظبي، التي ظلت تلعب لفترات طويلة دور الشقيق الأكبر الحكيم لدبي.
وهي تبدو الآن وكأنها تستعد لأخذ زمام المبادرة من خلال المشاريع الضخمة التي يتم التخطيط لتشييدها هناك، وضربت الصحيفة المثل بـ ( جزيرة السعديات ومدينة مصدر التي ينتظر أن تكون أول مدينة في العالم خالية من الكربون والنفايات ) .. وهما المشروعان العملاقان الذين سلطت الصحيفة الضوء عليهما، ورأت أنهما يمثلان تجسيداً لحالة الطموح الجديدة التي بدأت تتولد في الإمارة مؤخراً ، وكذلك القوة التي أتت من خلال القدرة على تمويل مشروعاتها الخاصة في ظل استمرار وطأة الأزمة الائتمانية حول العالم.
وقالت الصحيفة أيضاً أنه في الوقت الذي تواصل فيه دبي مجهوداتها من أجل اجتياز أزمتها العقارية، حصلت أبو ظبي على فرصة للاستفادة من حالة التراجع بغرض الظهور على الساحة. وتقوم الإمارة الآن بالترويج لخطتها الخاصة بعام 2030، وهو برنامج العمل واسع النطاق الخاص بالنمو والذي تم الكشف عنه في عام 2007. كما أن الإمارة تمضي بالفعل قدما ً فيما يتعلق بعدد من المبادرات المدنية التي تعكس حقيقة امتلاكها لترف تمويل درجة كبيرة من الخزائن الخاصة بها. ثم جنحت الصحيفة في سياق حديثها لتلقي الضوء على مشروعين كبيرين لازالا في مراحلهما الإنشائية الأولى، وقالت أن هذين المشروعين الذين حظيا باهتمام واسع النطاق، سيكون لهما كبير الأثر في تحويل واجهة دول العالم مستقبلاً نحو عاصمة البلاد بدلا ً من دبي.
أول هذين المشروعين هي مدينة مصدر، التي تبلغ تكلفتها الإنشائية مبلغا ً يقدر بـ 22 مليار دولار، وقد قامت بتصميمها شركة المعماري البريطاني الشهير نورمان فوستر ومقرها العاصمة البريطانية، لندن، ومن المنتظر أن تكون أول مدينة في العالم خالية من الكربون والنفايات. أما المشروع الآخر، فهو الذي يُطلق عليه جزيرة السعديات الذي تقدر قيمته بنحو 27 مليار دولار أميركي، وهو عبارة عن مجموعة من البنايات السكنية، وحيز مخصص للمكاتب، بالإضافة إلى عدد من المرافق الثقافية التي تشتمل على متحف غوغنهايم وهو من تصميم فرانك غيهري، وهو فرع من متحف اللوفر أبو ظبي من تصميم المهندس الفرنسي جان نوفيل، وكذلك المتحف البحري الذي قام بتصميمه المهندس المعماري الياباني، تاداو أندو.
فيما أكدت الصحيفة على أن هذين المشروعين هما بالفعل مشروعين أكثر طموحا ً من الناحية الثقافية عن أي مبادرة قامت دبي بإطلاقها . كما أنهما يهدفان إلى تحويل هذا المجتمع المغلق الديني إلى مركز جديد للفنون وبحوث التكنولوجيا الخضراء، ويرمي أيضاً لإثارة سلسلة من الأسئلة الخادعة المستعصية، والتي من بينها: هل لا يزال لذلك معنى بـأن يتم استقطاب معماريين مشهورين من الغرب لوضع ثقافة غير غربية على الخريطة الثقافية العالمية؟ وهل ستسمح أبو ظبي للمتاحف الموجودة في جزيرة السعديات بعرض أعمال فنية ذات صلة بنواحي جنسية أو سياسية -وإذا فعلت ذلك، هل ستؤدي هذه الصراحة إلى حدوث تشققات في الهيكل السياسي الضيق للإمارة ؟ وأخيراً ، هل بإمكان حكومة تعمل على إنقاذ الكوكب من الأضرار البيئية أن تستمر في إهمالها لحقوق الإنسان، أو حتى كفاءة الطاقة، على الصعيد الداخلي ؟
المثير ، بحسب الصحيفة، هو أن أبو ظبي نجحت في القفز إلى مستوي جديد من البزوغ على الساحة العالمية، في الوقت الذي بدأت فيه كثير من كبريات الشركات العقارية حول العالم في التوقف عن مزاولة أعمالها التجارية، وذلك بسبب تكثيف مجهوداتها العملياتية في رمال مدينة مصدر وجزيرة السعديات.
ومع هذا، فإن كلا المشروعين يرجحان أن تؤدي شخصية الطموح الجديد للإمارة إلى مجموعة من المشكلات. لكنها لن تكون من طبيعة المشكلات التي عانتها دبي مؤخراً، فمن المستبعد أن تكون تلك المشكلات ذات صلة بالأمور المالية.
وعوضاً عن ذلك، قد تبدأ تلك المشكلات في زعزعة التوازن الدقيق التي لطالما حافظت عليه أبو ظبي ودأبت على تحقيقه ما بين النمو والتعقل. وترى الصحيفة أن المسؤولين بأبي ظبي لن يكون أمامهم سوى خيار واحد سبق لدبي وأن واجهته، وهو التوسع بقدر ما تسمح بها خطى الاستثمار الجديد.
وتقول الصحيفة في نهاية حديثها أن المهمة التي تسعى من ورائها أبو ظبي لإقامة quot;مناطق حرةquot; للفنون والتنمية الخضراء بنفس الطريقة التي أقامت بها دبي الشركات الإعلامية والمشاريع التكنولوجية، هي مهمة تبدو معقدة للغاية: فمن المتوقع من المنظور الغربي، على الأقل، أن تحدث حالة من الصراحة الثقافية في نهاية المطاف لخلق حالة من التعطش للتنوع السياسي.