مخاوف من تداعيات الأزمة السياسية في إيران على الأسواق
تقلب أسعار النفط في زمن الأزمة يُحيّر الخبراء
إعداد عبد الاله مجيد: ما زال التقلب الحاد الذي ساد أسواق النفط خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية مستمرًا دون بوادر في الأفق تشير إلى إنحساره بعدما تضاعفت أسعار النفط أكثر من مرتين منذ مطلع العام، على الرغم من الضعف الاستثنائي الذي يعتري الاقتصاد العالمي. ويلاحظ الكاتب جاد ماود في صحيفة quot; نيويورك تايمز quot; ان عدم استقرار اسعار النفط والغاز يحيّر المسؤولين والمحللين الذين يخشون أن يهدد هذا الوضع انتعاش الاقتصاد العالمي. كما انه يثقل كاهل الأعمال والمستهلكين الذين يواجهون أصلاً آثار ركود شديد الوطأة في الوقت الذي يحاولون أن يتكهنوا، بلا جدوى، أين ستكون الأسعار بعد عام ـ أو حتى بعد ستة اشهر.
وكانت أسواق النفط قد تعرضت الى ضغط جامح خلال الأشهر الاثني عشر الماضية. ففي صيف العام الماضي قفزت الأسعار الى مستوى قياسي زاد على 145 دولارًا للبرميل دافعًا اسعار البنزين الى أكثر من 4 دولارات للغالون في الولايات المتحدة. وعندما تعثر الاقتصاد العالمي هوت اسعار النفط الى 33 دولارًا للبرميل في كانون الأول/ديسمبر. ولكنها ارتفعت بنسبة 55 في المئة منذ مطلع العام لتبلغ 70 دولارًا للبرميل دافعة اسعار البنزين مرة أخرى الى 2.60 دولارات للغالون في الولايات المتحدة، بحسب جمعية السيارات الاميركية AAA .
وفي هذا الاطار قالت لورا رايت المديرة المالية لشركة طيران quot;ساوثويست ايرلاينزquot; إن وصف ما يجري في اسعار النفط بالتقلب الحاد quot;قد يكون وصفًا ملطَّفًاquot; مشيرة الى ان اسعار النفط شهدت وضعا لم يُعهد له نظير من قبل خلال الأشهر الخمسة عشر الى ثمانية عشر الماضية. واستبعدت رأيت امكانية التفسير العقلاني لما يحدث. وقالت كوستانزا جاكازيو المحللة المختصة بقطاع الطاقة في مصرف باركليس كابتال الاستثماري Barclays Capital في نيويورك، quot;ان تقلبات اسواق النفط خلال العام الماضي بلغت مستويات لم تُسجل منذ هزات السنوات الأخيرة من عقد السبعينات واوائل الثمانيناتquot;.
هبطت اسعار النفط في نهاية تعاملات الاسبوع الماضي بواقع 2.58 دولارات الى 66.73 دولارًا للبرميل بعدما زادت على 72 دولارا للبرميل في حزيران/يونيو. وكانت لهذا المد والجزر في اسعار النفط آثار طالت عموم الاقتصاد الاميركي. فقد اعلنت شركتا جنرال موتورز وكرايسلر لصناعة السيارات افلاسهما حين أعرض الزبائن عن سياراتهما التي لا تشبع من التهام البنزين. وتتجه شركات الطيران صوب عام آخر من الخسائر الجسيمة بسبب ارتفاع تكاليف وقود الطائرات.
كما ان العائلات الاميركية التي تعاني اصلاً من هبوط اسعار العقارات وارتفاع البطالة والضغوط الائتمانية على ميزانياتها، تُجبر مرة أخرى على مراقبة مصروفاتها مع ارتفاع اسعار الطاقة.
وفي حين ان حركة الاسعار في اسواق النفط كانت مماثلة لما شهدته غالبية الاصول الأخرى من تقلبات على اختلاف فئاتها، بما في ذلك الأسهم وسلع أخرى، فان الزيادة الأخيرة في اسعار النفط تعيد من جديد السجال الذي احتدم العام الماضي حول دور المستثمرين ـ أو المضاربين ـ في اسواق السلع.
ينظر المسؤولون في انحاء العالم بقلق الى امكانية تكرار الزيادة الحادة التي سجلتها اسعار النفط في العام الماضي. وقال مسؤولون من الاتحاد الاوروبي ومنظمة البلدان المصدرة للنفط (اوبك) خلال اجتماعهم الشهر الماضي في فيينا quot;ان قضية المضاربة لم تُحل بعد وان فقاعة 2008 يمكن ان تتكررquot; في غياب ضوابط أشد فاعلية.
ان عوامل متعددة أسهمت في رفع اسعار النفط العام الماضي عادت من جديد الآن. وأخذت الهواجس المتعلقة بكفاية الامدادات تتسلل عائدة الى الأسواق مع انطلاق جولة جديدة من اعمال العنف في دلتا النيجير الغنية بالنفط في نيجيريا معطلة عمليات الانتاج. وهناك مخاوف متزايدة من ان تمتد تداعيات الأزمة السياسية في ايران الى اسواق النفط وامكانية ان تتسبب الأزمة في عرقلة الصادرات الايرانية.
كما ان quot;اوبكquot; كانت ناجحة نجاحًا ملحوظًا في ضبط الانتاج خلال الأشهر الماضية للحيلولة دون هبوط الأسعار. وحتى عندما عادت الأسعار الى الارتفاع امتنع أعضاء في quot;اوبكquot; عن زيادة الانتاج. وقال مسؤولون كبار ان هدف quot;اوبكquot; هو 75 دولارًا للبرميل بحلول نهاية العام، وهو هدف أيدته العربية السعودية، أكبر منتجي quot;اوبكquot;.
quot;لا اوبك ولا اعضاؤها الأساسيون لديهم مصلحة حقيقية في وقف ارتفاع اسعار النفطquot;، كما تنقل صحيفة quot;نيويورك تايمزquot; عن تقرير أعده مركز دراسات الطاقة العالمية Centre for Global Energy Studies وهو مجموعة استشارية في لندن أنشأها الشيخ احمد زكي يماني، وزير النفط السعودي الأسبق.ولكن بخلاف العام الماضي عندما كان الاقتصاد لم يزل بمنأى من الركود والطلب على السلع قويا فان العالم اليوم غارق في أسوأ ازمة منذ نصف قرن. وحذر البنك الدولي من ان الركود سيكون أشد وطأة مما كان يُعتقد في السابق وقال ان اي انتعاش في العام المقبل سيكون طفيفا.
واستبعدت وكالة الطاقة الدولية من جهتها ان ينتعش الطلب على الطاقة قبل 2014. ولكن يبدو ان الاتجاهات التي تشير تقليديا الى هبوط الأسعار ـ مثل ارتفاع حجم المخزوتات النفطية أو تشغيل طاقة انتاجية احتياطية كبيرة لدى quot;اوبكquot; ـ لا يُعتد بها كثيرا اليوم، كما قال محللون. وفي تقرير أخير قال محللون في مصرف quot;دويتشة بنكquot; الالماني quot;ان اسعار النفط الخام انفصلت على ما يبدو عن المؤشرات الأساسية المتمثلة بضعف الطلب ووفرة الامدادات وارتفاع المخزوناتquot;.
يراهن مستثمرون على ان أسوأ الآثار الناجمة عن الركود الاقتصادي في طريقها الى الزوال وهم يرجحون ما سيصبح في تصورهم شحة بالامدادات عندما يسترد الطلب عافيته، كما يرى محللون. ويضيفون ان هذا الغموض يجعل من الصعب على الشركات ان تخطط للمستقبل. وفي هذا الاطار قال برنارد بومول كبير محللي الاقتصاد العالمي في مجموعة quot;ايكونوميك آوتلوك غروبquot; Economic Outlook Group ان هذا التقلب لا يروق للشركات فهي تريد ان تعرف ما ستتحمله من تكاليف ومصروفات.
اما شركات الطيران فالمؤكد ان الزيادة الأخيرة ستُترجم الى مزيد من الخسائر هذا العام، بحسب المنظمة الدولية للنقل الجوي quot;آي أي تي أيquot;. ومن المتوقع ان تبلغ خسائر شركات الطيران 9 مليارات دولار هذا العام بعد خسائرها العام الماضي التي بلغت 10.4 مليار دولار. وقالت المنظمة في احدث تقرير quot;ان شركات الطيرات لم تشعر بعد بالتأثير الكامل لهذه الزيادة في سعر النفطquot;.
في شركة طيران quot;ساوثويستquot; على سبيل المثال يلتهم وقود الطائرات نحو ثلث مصروفات الشركة، بحسب مديرة الشركة المالية لورا رايت. وقالت رايت ان خبرة العام الماضي أقنعت الشركة بأنها لا تملك سوى التحوط لما سيأتي. وقد تحوطت الشركة في استخدام وقود الطائرات بإعداد حساباتها على أساس ان يكون متوسط سعر النفط 71 دولارا للبرميل في النصف الثاني من العام الحالي و77 دولارًا في 2010. ويكون التحوط بمثابة بوليصة تأمين إذا ارتفعت الاسعار فوق هذه المستويات.
بغية الصمود في مواجهة الركود عمدت شركات طيران متعددة الى رفع أسعار التذاكر والرسوم، بما في ذلك فرض رسم على الأمتعة مثلا فيما بادرت شركات كبرى الى الاندماج. وعلى سبيل المثال ان شركة quot;دلتا ايرلاينزquot; استملكت quot;نورثويست ايرلاينزquot; العام الماضي في الولايات المتحدة، وفي اوروبا استملكت quot;لوفت هانزاquot; الالمانية شركة الطيران النمساوية وشركة quot;اير فرانس ـ كي ايل أمquot; استملكت الايطالية.
وعلى الغرار نفسه خلت معارض السيارات الاميركية من بضاعتها حين ارتفعت اسعار البنزين فارضة على شركتي جنرال موتورز وكرايسلر خفض الانتاج بحدة بعد اشهار افلاسهما. في هذه الاثناء تواصل واشنطن ضغطها على الشركتين لتحسين أداء سياراتهما في استهلاك الوقود.
ولكن يورون فان دير فير الذي استقال من منصبه رئيسا لمجموعة رويال دتش شل الاسبوع الماضي يرى ان اسعار النفط تمليها بصورة متزايدة تقييمات العرض والطلب على المدى البعيد وليس مؤشرات السوق في الوقت الحاضر. ونصح فان دير فير بالقاء نظرة طويلة الأمد على السوق. وقال فان دير فير quot;ان النفط لم يكن مستقرا ذات يوم. وإذا نظرتم الى التاريخ عليكم ان تتوقعوا مزيدًا من التقلبquot;.
التعليقات