تقرير واشنطن: أثارت مؤشرات جديدة كثيرًا من المخاوف لدى أفراد الطبقة الوسطى الأميركية، حيث ألمح كبار المسئولين الاقتصاديين في الإدارة الأميركية لإمكانية أن تقوم الإدارة الأميركية بفرض ضرائب جديدة على المواطنين الأميركيين الذين يقل دخلهم السنوي عن 250 ألف دولار أميركي. الأمر الذي يعني تراجعًا عن الوعود التي قطعها الرئيس quot;باراك أوباماquot; على نفسه أثناء حملته الانتخابية، بضرورة تقوية الطبقة الوسطى باعتبارها عماد المجتمع الأميركي، ومن ثم لا يجب تحمليها مزيدًا من الأعباء الضريبية.

أثارت تلك التلميحات حفيظة كثيرٍ من العائلات الأميركية العاملة. فضلاً عن وسائل الإعلام الأميركية التي اهتمت بهذا الموضوع خلال الأسبوع المنصرم ببيان حقيقة هذه التلميحات، وإن كانت تُعبر عن اتجاه فعلي لدى الإدارة الأميركية لتنفيذ مثل هذا الأمر.

لا مفر من ضرائب جديدة

من جانبه أعد برنامج The Situation Room الذي قدمته سوزان مالفوكس Suzanne Malveaux على شبكة CNN تقريرًا اهتمت فيه برصد المؤشرات التي صدرت عن عدد من مسئولي الإدارة الأميركية، والمتعلقة باحتمال فرض ضرائب على الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة الأميركية. وقد أكد مراسل البرنامج في البيت الأبيض دان لوثيان Dan Lothian أنه من السهل أن تقوم الإدارة الأميركية بفرض ضرائب جديدة على الأثرياء داخل المجتمع. وقد أثبتت استطلاعات الرأي، كما يشير لوثيانLothian ، التي جرت على مدار الفترة الماضية أن المجتمع الأمريكي يتقبل هذه الفكرة، وليس لديه أية عقبات فيما يتعلق بهذا الأمر. ولكن عندما يتعلق الأمر بالحديث عن ضرائب جديدة على الطبقة الوسطى، فإن هذا ليس بالأمر السهل على الإطلاق. وسوف يثير كثيرًا من الجدل بين المواطنين الأمير كيين، خاصة وأن البيت الأبيض ترك الباب مفتوحًا للتكهن حول هذا الأمر، ومن ثم احتمالية تحققه في القريب.

ولفت التقرير الانتباه إلى أنه بالرغم من أن البيت الأبيض على لسان متحدثه الرسمي روبرت جيبس Robert Gibbs أكد على أن الرئيس الأمريكي ما يزال ملتزمًا بوعوده السابقة بعدم فرض أية ضرائب جديدة على المنتمين للطبقة الوسطى داخل المجتمع، ممن يقل دخلهم السنوي عن 250 ألف دولار. الأمر الذي يشير إلى أن البيت الأبيض ليس لديه أي سيناريو محتمل حول فرض ضرائب جديدة على هذه الفئة من المجتمع. إلا أن دافعي الضرائب لديهم شعور قوي بأنهم سيكونون هدفًا لضرائب جديدة قد تُفرض عليهم في القريب.

ومن ناحية أخرى استضاف البرنامج كبير المحللين الاقتصاديين في الشبكة ألي فيلشي Ali Velshi للاستفسار عن الكيفية التي يمكن بها أن يعالج الرئيس الأميركي العجز الكبير لمواجهة البرامج والخطط الاقتصادية التي طرحها منذ مجيئه إلى البيت، خاصة خطته الجديدة لإصلاح نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، دون أن يُقْدم على خطوة رفع معدل الضرائب.

في هذا الإطار أشار فيلشي Velshi إلى أن الميزانية التي أعدتها الإدارة الأميركية في الفترة من يناير حتى يونيو من هذا العام، أظهرت عجزًا كبيرًا اقترب من التريليون دولار، ومن ثم فإن الدين الفيدرالي الأميركي في تزايدٍ مستمر تجاوز العشرة تريليونات دولار. هذا المستوى الكبير سوف يؤثر كثيرًا على الاقتصاد الأميركي؛ لأن هناك معدل فائدة كبير يجب دفعه كفوائد لهذا الدين، مما يستدعي طباعة مزيدٍ من النقود. وهذا بالضرورة سوف يدفع الدولار الأمريكي إلى مزيدٍ من الانخفاض والتدهور في مواجهة العملات الأخرى. ومن ثم يؤدي في نهاية الأمر إلى ارتفاع معدل التضخم.

وأكد فيلشي Velshi أن القائمين على الاقتصاد ليس لديهم وصفة محددة وجاهزة للتعامل مع هذه المعضلة، فما يزال معدل إنفاق الإدارة الأميركية على برامج الإنقاذ والإصلاح الاقتصادي أكثر من إيراداتها، ومن ثم فإن الحديث عن أنه ليس هناك أي اتجاه نحو زيادة معدل الضرائب هو حديث مضلل؛ لأن كلام الإدارة عن أنها سوف تجد طرقًا أخرى لتمويل هذا العجز ليس واقعيًّا. فالرئيس إذا أراد أن يُحدث توازنًا في الميزانية فإن عليه أن يعمل على رفع معدل الضرائب على بعض الفئات داخل المجتمع، لذلك فإن كثيرًا من الخبراء الاقتصاديين يرون أنه لا سبيل إلى سد هذا العجز، وتقليل مستوى الدين الفيدرالي إلا من خلال رفع معدل الضرائب، وفرض ضرائب جديدة على بعض الشرائح.

الإصلاح ضرورة لسد العجز الفيدرالي

استضاف برنامج Face The Nation الذي يذاع على شبكة CBS لاري سامرز Larry Summers مدير المجلس الاقتصادي الوطني الأمريكي في الإدارة الأميركية، للحديث عن التصريحات التي أدلى بها وزير الخزانة تيموثي جيثنر Timothy Geithner، والتي أكد فيها أن إنقاذ الاقتصاد الأميركي لكي يتم بنجاح لابد من تقليل مستوى العجز الذي تشهده الميزانية الأميركية، وهذا الأمر قد يدفع الإدارة إلى اللجوء إلى خيارات صعبة للغاية. وتساءل مقدم البرنامج بوب شيفر Bob Schiffer :هل الوزير بهذه الكلمات يُمهد الرأي العام؛ لتقبل جولة جديدة من الضرائب قد تفرض على شرائح جديدة من الطبقة الوسطى داخل المجتمع؟

وفي هذا السياق نفى سامرز Summers نفيًّا قاطعًا أن يكون هذا تمهيدًا لفرض ضرائب جديدة، ولكنه أكد أن كل ما فعله وزير الخزانة هو مجرد شرح للسياسات التي يُطبقها الرئيس باراك أوباما من أجل الخروج بالاقتصاد من عنق الأزمة التي يمر بها منذ ما يزيد عن عامين، حيث إن الرئيس أوباما حدد مهمته الأساسية منذ مجيئه إلى السلطة في يناير الماضي في ضرورة إنقاذ الاقتصاد من براثن الأزمة التي تعصف به منذ فترة ليست بالوجيزة.

ولفت سامرز Summers الانتباه إلى أن إنجاز هذه المهمة ndash; في إشارة إلى إنقاذ الاقتصاد ndash; سوف يحتاج إلى جهود كبيرة تتمثل في إعادة بناء وتأسيس الاقتصاد على أسس جديدة وقوية، الأمر الذي يحمي الاقتصاد من أي أزمات أخرى، قد يتعرض لها في المستقبل، والوسيلة الأهم في تحقيق ذلك هي السيطرة على مستوى العجز الفيدرالي في الميزانية.

وعن الكيفية التي ستحاول بها الإدارة الأميركية تحقيق هذه السيطرة على العجز في الموازنة الفيدرالية، أكد رئيس المجلس القومي الاقتصادي أن الطريق لتحقيق هذا الأمر ملئ بكثيرٍ من الصعوبات والتحديات. وأول الخطوات على هذا الطريق ndash; كما يقول سامرز Summers ـ هو تنفيذ خطوات إصلاح جذرية ودائمة لنظام الرعاية الصحية؛ ولذلك فإن الرئيس أدرك أهمية هذه الخطوة، وعلى أساسها وضع خطته الشاملة لإصلاح نظام الرعاية الصحية. وقد صاغ باراك أوباما خطته مراعيًّا ألا تؤدي إلى تحميل المواطنين ndash; خاصة المنتمين إلى الطبقة الوسطى - بمزيد من الأعباء، على عكس ما فعله بعض الرؤساء السابقين مثل جورج بوش الابن والرئيس رونالد ريجان. فقد قامت الإدارة الأميركية بصياغة هذه الخطة من أجل أن تكون قادرة على تمويل ذاتها دون الحاجة إلى فرض مزيدٍ من الأعباء الضريبية على المواطنين هذا من ناحية. كما أن الرئيس الأميركي أوباما ومنذ أن كان مرشحًا للرئاسة الأميركية وجه اهتمامه الأساسي إلى ضرورة تقوية وتدعيم الطبقة الوسطى في المجتمع؛ ولذلك عمل على اتباع مجموعة من السياسات التي من شأنها تخفيف الأعباء المالية عن العائلات العاملة، ممن ينتمون إلى هذه الطبقة.

مأزق أوباما

أما شبكة NPR فقد بثت تقريرًا أكدت فيه أن الرئيس باراك أوباما يُكافح في الوقت الحالي من أجل وضع تصوره لإصلاح نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، دون أن يرهق كاهل دافعي الضرائب الأمريكيين ndash; خاصة هؤلاء الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى ndash; بمزيد من الأعباء الضريبية، الأمر الذي سيعتبره الناخب الأميركي مخالفة صريحة للوعود الانتخابية التي دفع بها أوباما أثناء حملته الانتخابية خلال العام الماضي.

وعلى الصعيد ذاته أشار التقرير إلى أن المعضلة التي وجد فيها أوباما نفسه ليست وليدة هذه اللحظة، ولكنها بدأت مع القناعة التي ترسخت لدى الرئيس بأن السيطرة على العجز المتزايد للموازنة الفيدرالية لن يكون إلا من خلال إصلاح نظام الرعاية الصحية، بما يتضمنه ذلك من ضرورة السيطرة على النفقات المتزايدة لهذا النظام بصورته القديمة. وفي الوقت ذاته ألزم أوباما نفسه أمام الناخبين بأن تمويل نفقات الإصلاح لن يكون من خلال فرض ضرائب جديدة، لأن مثل هذا الخيار الأخير سيؤدي إلى كثيرٍ من الآثار السلبية

وانتقل التقرير إلى بيان المشاكل التي تعترض مجموعة البدائل الأخرى لتمويل خطة الإصلاح، حيث أكد أن أوباما لديه عديدٌ من الخيارات الأخرى، التي يمكن من خلالها تمويل نفقات خطة الإصلاح، ولكنها تواجه بعديدٍ من المشكلات. أما أولى هذه البدائل فهي تقييد الإنفاق الخيري الذي يقوم به الأثرياء الأميركيون، ولكن مثل هذا الأمر لم يلق قبولاً داخل الكونجرس الأميركي. أما البديل الثاني فكان قبول الخطة التي صاغها مجلس النواب الأمريكي لفرض ضرائب جديدة على من ينتمون إلى شريحة دخل سنوية تزيد عن 350 ألف دولار، ولكن هذا البديل أيضًا لم يجد آذانًا صاغية في مجلس الشيوخ.

إضافة إلى ذلك فإن قرار فرض ضرائب جديدة على الطبقة الوسطى في يد الرئيس الأميركي فقط دون غيره، سواء كانوا مستشاريه المقربين أو الخبراء الاقتصاديين، إلا أن التقرير لفت الانتباه إلى أن البيت الأبيض يدرك بوضوح العواقب الوخيمة التي يمكن أن تحدث إذا خالف الرئيس وعوده الانتخابية؛ لأن مثل هذا الأمر سوف يؤثر كثيرًا على فرص إعادة انتخابه مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 2012. ليس هذا فحسب بل أيضًا سوف تتأثر فرص الحزب الديمقراطي في المحافظة على الأغلبية التي يمتلكها داخل الكونجرس الأميركي خلال انتخابات التجديد النصفي عام 2010