كشف تقرير اقتصادي صدر أمس أن التمويل العقاري بالسعودية يمثل نحو 2% فقط من إجمالي الناتج المحلي للسعودية، بينما تمثل قروض الاسكان المصرفية 2.8% فقط من مجموع القروض المصرفية. كما ساهم قطاع البناء بـِ7.2% من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في عام 2009، بينما ساهمت قطاعات المال والتأمين والعقارات معاً بـِ12.9% من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في نفس العام.


الدمام: أضاف التقرير الذي أصدره البنك السعودي الفرنسي اليوم إنّ السوق مهيّأة للتوسّع في السنوات المقبلة، خصوصاً أنّ القطاع الخاصّ السعودي بدأ يستعيد زخمه، وقد ينمو القطاع الخاصّ غير النفطي بمعدل 4% في العام الجاري، مدعوماً بالبرنامج الرسمي لتحفيز الاقتصاد وبقوّة الاقتصاد الكلي نتيجةً لأسعار النفط المرتفعة.وأشار التقرير أن الانخفاضات الحادة في أسعار العقارات في بعض الدول المجاورة خلال النصف الثاني أبرزت الحاجة الملحّة لوضع إطار قانوني ورقابي أكثر فاعلية، لتنظيم القطاع العقاري السعودي وحماية مشتري العقارات السكنيّة من أيّ ارتفاعات مفتعلة في أسعارها من جانب سماسرة وتجّار العقارات، مطالباً بتأسيس هيئة رقابية عليا رسمية في البلاد تتمتع بصلاحيات تسمح لها بفرض القوانين العقارية المرعية الاجراء. وتستطيع الدولة السعودية أنْ تعزّز القدرة التنافسية للقطاع العقاري من خلال توفير أراضٍ أرخص لشركات البناء وقروض ميسرة تستخدمها في تمويل المشروعات السكنية التي تستهدف ذوي الدخل المتوسط والمحدود.

وذكر التقرير أنه ولا بد من فرض معايير معمارية عالية لضمان بناء مساكن تستخدم بها الطاقة بكفاءة أعلى. حالياً، يعاني 70% من العقارات السكنيّة من رداءة العزل الحراري. ويتمثل التحدي الآخر الذي ينبغي على السلطات السعودية أن تتغلب عليه باحتواء مضاربات الأراضي لأنّ المستثمرين يميلون إلى شراء الأراضي بهدف جني الأرباح، وليس لتطوير مشروعات عقارية. فرض رسوم على الأراضي الشاغرة داخل الأحياء التي يجمدها كبار العقاريين سنوات طويلة من دون أن يُستفاد منها سوف يجبرهم على التخلص منها بهامش ربح صغير أو تقسيمها ثم تطويرها استعدادا لبيعها، وبهذه الطريقة سوف تحد نوع ما كبار العقاريين من رفع الأسعار ويعزز التقدم في هذا القطاع.

ونوه التقرير إلى أن صدورر مرسوم ملكي مؤخراً بالسعودية يقضي بأن يُلغي صندوق التنمية العقارية شرط امتلاك الفرد للأرض التي سيُبنى عليها العقار السكني لكي يتأهل للحصول على قرض ميسّر قدره ثلاثمائة ألف ريال سعودي موحد في جميع أنحاء المملكة. سيُتيح فرصة امتلاك عقارات سكنيّة أمام شريحة أكبر من سكان المملكة. ونصّ المرسوم أيضاً على حصول كلّ منطقة مبالغ متساوية من صندوق التنمية العقارية، لكن ما زال هناك بعض العقبات ـ خصوصاً الانتظار من 15-18 سنة للحصول على موافقة صندوق التنمية العقارية على طلبات الاقتراض ، وقد يساعد تعزيز رأس مال هذا الصندوق في إزالة هذه العقبة.

واشار التقرير إلى أن البنوك السعودية قد تتبنى سياسة مرنة تجاه قروض الاسكان بعد تمرير هذا القانون. فهي تقدّم حالياً منتجات مالية في مجال الائتمان العقاري، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن فئة مشتري المساكن المحتملين الذين سيدعمهم نظام الرهن العقاري وسيشجّع البنوك على الانفتاح عليهم. ولا بدّ من التحلي بالحكمة لتفادي تقديم قروض الاسكان الميسّرة (ذات أسعار الفائدة المنخفضة) إلى ذوي الدخل المحدود ، حيث أنه في الوقت الراهن، يحاول العديد من الراغبين في شراء مساكن الاستعانة بالصندوق السعودي للتنمية العقارية الذي أُنشئ في السبعينيات لدعم التمويل العقاري، لكنّ قدرة هذا الصندوق على المساهمة في دعم قروض الاسكان محدودة. فمع نهاية الربع الثالث من عام 2009، بلغت القيمة الاجمالية لقروض هذا لصندوق 77.1 مليار ريال سعودي، وكانت هذه القيمة قد ارتفعت بمعدّل 2.9% بالمقارنة مع مستويات السنة السابقة.

وذكر التقرير أن قانون ونظام الرهن العقاري المرتقب سيفتح آفاقاً جديدة أمام البنوك من خلال تحديد القواعد، التي ستحكم صفقات قروض الاسكان. فغياب إطار قانوني واضح يُنظّم عملية امتلاك وإعادة امتلاك العقارات ويسمح بطرد المستأجرين ومصادرة العقارات في حالات التجاوزات الخطيرة، يمثّل رادعاً رئيسياً يمنع البنوك من توسيع نشاطها في سوق الائتمان العقاري.وإذا كان يؤمل من تمرير قانون ونظام الرهن العقاري أنْ يسهّل شراء العقارات على المواطنين، فإن تحقيق هذه الغاية سيستغرق بعض الوقت. ففي المدى المتوسّط، على الأقل، سيكون من المستبعد أنْ يستفيد من هذا القانون معظم السعوديين الذين يقلّ دخلهم الشهري عن ثمانية آلاف ريال سعودي. بالتالي، لن تتمكن غالبية الشباب السعودي قريباً من دفع 464,167 ريالاً سعودياً لشراء شقة كبيرة أو 1.06 مليون ريال سعودي لشراء فيلات صغيرة ـ وهما متوسطا أسعار هاتيْن السلعتيْن في المملكة خلال النصف الثاني من العام الجاري. لذا، نستبعد أنْ يُحدِث قانون ونظام الرهن العقاري المرتقب أي ثورة فورية في القطاع العقاري السعودي.

ونوه التقرير إلى أن الارتفاعات الكبيرة في أسعار بيْع الفيلات عكست ، لا سيما الصغيرة منها، وجود نقص واضح في معروض هذه السلع، الأمر الذي يتطلب من شركات البناء السعودية أنْ تكافح من أجل جسر الهوة القائمة بين العرض والطلب على الفيلات خلال السنوات القادمة. وفي سياق خطتها التنموية الخمسية 2010-2014، تستهدف الحكومة السعودية بناء مليون وحدة سكنية لتلبية 80% من الطلب المتوقّع. هنا، تهدف الدولة السعودية إلى توفير حوالي 266 مليون م2 من الأراضي لتطوير مشروعات سكنية بجهود القطاعيْن العامّ والخاصّ خلال سنوات الخطة الخمسية. نحن نرى أنّ هذا الاجراء خطوة في الاتجاه الصّحيح لأن أسعار الأراضي الباهظة حالياً ترفع أسعار العقارات السكنية، إلى مستويات لا تتناسب مع مداخيل المواطنين.

وأشار التقرير أنه وبعد التراجُع الذي سجّلته في فصل الصيف، عادت القيمة الاجمالية لصفقات الأراضي إلى الارتفاع مجدّداً في الرياض والدمام، طبقاًً لبيانات وزارة العدل السعودية. وبين يناير وسبتمبر، بلغت قيمة هذه الصفقات في الرياض 65.6 مليار ريال سعودي، فنَمَت بمعدل 21.6% بالمقارنة مع نفس الفترة من عام 2009. كما ارتفعت قيمة صفقات الأراضي بمعدل 10.3% في الدمام. لكنّ قيمة صفقات الأراضي في الرياض خلال النصف الأول من العام الجاري كانت أكبر منها في نصفه الثاني. إذ بلغت في شهر فبراير وحده 9.5 مليار ريال سعودي وسجلت، بذلك، أعلى مستوىً شهري لها منذ منتصف عام 2008، على أقل تقدير. وقد تمثّل هذه الحقيقة مؤشراً على أنّ زخم تجارة الأراضي تراجَع كلما توغلنا أكثر في العام الجاري.

وبالرغم من ركود الاقتصاديْن العالمي والاقليمي، ظلّت أسعار القطاع العقاري السعودي أقوى بكثير منها في القطاعات العقارية لدول الخليج الأخرى، لا سيما الإمارات العربية المتحدة وقطر؛ حيث واصلت أسعار العقارات انخفاضها بسبب فائض المعروض وانحسار الطلب. وخلافاً لدول الخليج الأخرى، تعاني المملكة من نقصٍ كبير في معروض العقارات التي يستطيع المواطنون شراءها. ويساهم عدد سكان المملكة البالغ حالياً 27.1 مليون نسمة بما في ذلك 18.7 مليون مواطن، في تعزيز الطلب على العقارات ودعم أسعارها. كما أنّ تزايُد العدد الاجمالي للوافدين ـ الذي نما تقريبا بمعدل 38% بين عاميّ 2004 و2010، طبقاًً لبيانات الاحصاء السكاني ـ ساهم في رفع الإيجارات.

و تسارعت عمليات تنفيذ العديد من المشروعات السكنية والتجارية خلال العام الجاري لأن المملكة أرادت الحفاظ على زخم انتعاش اقتصادها من خلال الانفاق العام المكثف، على كبرى مشروعات البنية التحتية. بالتالي، ازداد الطلب على موادّ البناء كما ازدادت بين يناير وسبتمبر مبيعات شركات الاسمنت السعودية، بما فيها شركة اليمامة والشركة السعودي لإنتاج الاسمنت، بمعدل 14%، طبقاًً للبيانات الرسمية.

مع ذلك، لا تزال أسعار موادّ البناء دون المستويات التي سجّلتها في النصف الأول من العام الجاري ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى وفرة المعروض. وفي الحقيقة، تراجع النشاط المعماري في منطقة الخليج منذ عام 2008، لأن الأزمة الاقتصادية أخّرت إنجاز العديد من المشروعات الضخمة في المنطقة. هذا، وتراجعت أسعار حديد البناء في النصف الثاني إلى مستويات عام 2009، بعدما ارتفعت بشكل حادّ في مطلع العام الجاري. وبلغة الأرقام، انخفضت أسعار حديد البناء بأكثر من 12% قياساً إلى مستويات النصف الأول فتساوت تقريباً مع مستويات العام الماضي. وانخفض أيضاً متوسّط أسعار لفّة الكابلات الكهربائية بمعدل 9.1% بالمقارنة مع مستويات النصف الأوّل من العام الجاري؛ لكنّ هذا المتوسط السعري لا يزال أعلى من مستواه في العام الماضي بمعدل 5.3%. وتجلى لنا أيضاً أنّ أسعار الإسمنت ظلّت ثابتة نسبياً على مدى الشهور الاثني عشر الماضية، بينما انخفضت أسعار بعض أنواع البلوكات البناء بشكل طفيف خلال نفس الفترة.