بدأت دول مجموعة العشرين الخميس في سيول قمة تبدو عاصفة على خلفية توترات بين دول تسجل فائضًا تجاريًا وأخرى تسجل عجزًا حول quot;حرب العملاتquot;. وتتوقع كوريا الجنوبية أن تسفر محادثات القمة عن مزيد من التقدم في قضايا الحسابات الجارية وأسعار الصرف.


افتتحت في سيول اليوم قمة قادة الأعمال لمجموعة العشرين تحت شعار quot;النمو المشترك في ما بعد الأزمةquot;. وأكد الرئيس الكوري الجنوبي لي ميونغ باك في كلمة افتتاح قمة سيول أنه يجب أن تنتشر استثمارات الشركات المدنية التي تقوم على نمو السوق الناشئة في آسيا وأميركا الجنوبية حاليًا إلى الدول المنخفضة النمو في دول أفريقيا وغيرها.

ونقلت وكالة الأنباء الكورية الجنوبية quot;يونهابquot; عن ميونغ باك قوله إن زيادة الاستثمار في الشركات من شأنه أن يؤدي إلى توسيع أسس الإنتاج للدولة وتوفير الوظائف والتوازن في الاقتصاد العالمي على المدى الطويل. وأضاف quot;أنه انطلاقًا من هذا المبدأ وضعت كوريا الجنوبية موضوع التنمية ضمن جدول أعمال قمة العشرين للمرة الأولىquot;.

وذكر أن فجوة النمو بين الدول المتقدمة والنامية أهم قضية، ولا بد من حلها لتحقيق النمو الاقتصادي المتوازن، مبينًا أن توسيع الاستثمارات المدنية في الدول المتخلفة ضروري وأفضل طريقة لمعالجة وتقليص الفجوة التي نتجت بصورة عارمة في مراحل التغلب على الأزمة المالية.

قال quot;إن أهم عنصر لإحياء الاقتصاد وتفعيله هو الشركات، ومن أجل تحقيق النمو المستدام لتجاوز الأزمة الاقتصادية بصورة كاملة يتعين على الشركات الإبداع لإيجاد محرك النمو، حيث إن زيادة الاستثمار في الشركات من شأنها أن تؤدي إلى زيادة الطلب والاستهلاك وتوفير الوظائفquot;. وأعرب عن تطلعاته إلى أن تتم الاستفادة من نتيجة قمة الأعمال هذه كقناة رسمية تعكس أصوات القطاع المدني في قمة العشرين، وعقد الدورة المقبلة أيضًا لقمة العشرين في فرنسا.

على صعيد متصل، وصف راديو كوريا الدولي quot;كي بي اسquot; المؤتمر بأنه الحدث العالمي الأكبر، الذي ستشهده سيوول، حيث سيحضره ممثلون عن 33 دولة، منهم 21 من قادة الدول الأعضاء وخمسة زعماء من دول أخرى وسبعة ممثلين للمنظمات الدولية، إضافة إلى آلاف المرافقين والصحافيين، حيث يبلغ العدد المتوقع للمشاركين في القمة نحو عشرة آلاف شخص.

وسيبدأ رؤساء الدول البرنامج الرسمي بحفل استقبال وعشاء هذا المساء في المتحف الوطني الكوري، فيما تفتتح اجتماعات القمة غدًا في مركز quot;كويكسquot;، حيث يناقش المشاركون التعاون الدولي بشأن أسعار الصرف والنمو المشترك وإصلاح المؤسسات المالية وإنشاء شبكة الأمان المالي الدولية.

بشرى quot;بقفزة كبيرة للأمامquot; بشأن التنمية
إلى ذلك، قال رئيس منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية اليوم الخميس إن استراتيجية عالمية جديدة للتنمية سيجري الكشف عنها خلال قمة مجموعة العشرين هذا الأسبوع تمثل quot;قفزة كبيرة للأمامquot;. وتعتزم مجموعة العشرين للاقتصادات العالمية الكبرى تبني quot;اتفاق سيول للنمو المشتركquot;، الذي يتضمن التأكيد على أهمية الاستثمار في البنية التحتية كوسيلة لتحقيق نمو مستدام في الدول الفقيرة.

وأوضح أنجيل جوريا الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للصحافيين quot;هذا سيغير بحق الطريقة التي نتعامل بها مع التنمية.quot; واعتبر أن تبني خطة عمل تمتد سنوات عدة سيكون quot;إنجازًا كبيرًا للغايةquot; لقمة مجموعة العشرين، التي تستغرق يومين وتبدأ اليوم الخميس.

وتحدد الخطة تسعة مجالات تحتاج إجراءات لتخفيف صعوبات التنمية، بما في ذلك تنمية المهارات وإتاحة التمويل وزيادة الاستثمارات وتحسين التركيبة المادية للدول النامية. وقال جوريا quot;تتمثل القفزة الكبيرة للإمام هنا في أن الأمر لم يعد مسألة مساعدات، بل مسألة تنميةquot;. وأشاد جوريا بكوريا الجنوبية، التي تستضيف القمة، لتقديم أجندة الأعمال الجديدة، التي تقول إنه لا توجد وصفة واحدة فقط للنجاح في التنمية.

أوباما يدعو القادة إلى التعاون لضمان النمو

في المقابل، حثّ الرئيس الأميركي باراك أوباما قادة دول مجموعة العشرين على تنحية خلافاتهم جانبًا، والعمل معًا والتعاون من أجل تحقيق تعافي الاقتصاد العالمي. ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية quot;بي بي سيquot; اليوم عن أوباما قوله قبيل انعقاد قمة مجموعة العشرين في سيوول إن بلاده ستلعب دورًا مهمًا في هذا المجال، وذلك من خلال خلق فرص عمل جديدة ومعالجة حالات الاختلال في التوازنات الاقتصادية العالمية.

وأوضح أن الولايات المتحدة ليس بوسعها وحدها استعادة النمو الاقتصادي، مؤكدًا quot;عندما تلعب كل الدول دورها فسنستفيد جميعًا من النمو الأكثر ارتفاعًاquot;. ودافع أوباما عن العمل الحاسم الذي أقدمت عليه الولايات المتحدة لمنع انهيار النشاط الذي نجم من أعمق أزمة واجهت بلاده منذ أجيال، داعيًا الدول إلى عدم الاعتماد على الصادرات لكي تنتشلها من المشكلات الاقتصادية التي تغرق بها.

وقال quot;كلنا ندرك أن الأساس لتحقيق انتعاش قابل للديمومة والحياة لن يتبلور إن توقفت الأسر الأميركية عن التوفير، وعادت إلى الإنفاق الذي يعتمد على الاقتراضquot;. وأضاف أنه quot;لا يوجد بلد بمفرده يمكن أن يحقق هدفنا المشترك بالوصول إلى انتعاش اقتصادي قوي ومتوازن وقابل للحياةquot;.

يذكر أن قادة وزعماء دول مجموعة العشرين يجتمعون في كوريا الجنوبية اليوم للمشاركة في القمة التي تستمر يومين لبحث النمو الاقتصادي التي يخشى أن يطغى على جدول أعمالها الخلاف بين الولايات المتحدة والصين بشأن ما بات يعرف بـquot;حرب العملاتquot; والاختلال في الموازين التجارية. وتواجه كل من الولايات المتحدة والصين انتقادات بشأن اتخاذهما إجراءات أدت إلى خفض قيمة عملتيهما، ما يؤثرفي القدرة التنافسية للدول الأخرى.

كندا تشكك في قدرة القمة على التصدي للاختلالات
من جهته، ذكر رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر الخميس أنه ليس واثقًا من أن قمة مجموعة العشرين في سيول يمكنها التصدي بنجاح لمسألة الاختلالات العالمية. وقال هاربر للصحافيين quot;استمرار هذه الاختلالات مشكلة على المدى البعيد، ويجب التصدي لهذه الأمور.. هل سيجري التصدي لها في هذا المؤتمر.. لست متأكدًا، لكنني أعتقد أننا سنحظى بمناقشة أكثر صراحة بشأن بعض تلك الأمور التي يجب تسويتهاquot;.

وأضاف أيضًا أنه يشعر بأن قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) طبع مزيدا من النقود كان الخيار الوحيد المتاح على الأقل في المدى القصير، وذلك في ضوء الضعف الشديد لمعدل نمو الاقتصاد الأميركي. وقال quot;أولئك الذين ينتقدون سياسة (مجلس) الاحتياطي الاتحادي لا أعرف ما البديل الذي يقترحونهquot;.

أميركا والصين تستقطبان الأنظار
وبدأت القمة الخامسة للمجموعة بعشاء عمل حضره الرئيسان الأميركي باراك أوباما والصيني هو جينتاو، اللذان يستقطب بلداهما الأنظار في القمة. وتبدو القمة حساسة لأوباما الذي أضعفته الخسارة في الانتخابات التشريعية الأخيرة. إذ سيتعين عليه الرد على انتقادات من غالبية شركائه الذين يتهمون الولايات المتحدة بالأنانية بعد قيام الاحتياطي الفدرالي بضخ 600 مليار دولار إضافي في الاقتصاد.

وحذر أوباما الخميس إثر لقاء مع نظيره الكوري الجنوبي لي ميونغ باك من أنه quot;سيكون من الصعب تحقيق ذلك إذا بدأنا نرى الاختلالات الاقتصادية الكبرى التي ساهمت فيجعل الأزمة تظهر من جديدquot;. وتريد الولايات المتحدة في موازاة ذلك الحد من فائض الدول المصدرة الكبرى، وفي مقدمها الصين وألمانيا.
وعدلت واشنطن عن المطالبة بقصر فائض الحسابات الجارية على نسبة 4% من اجمالي الناتج الداخلي بعد اعتراض برلين وبكين بشدة عليه.

من جانبها، أعلنت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أن quot;وضع حدود سياسية للفائض أو العجز التجاري ليس مبررًا اقتصاديًا، ولا مناسبًا سياسيًاquot;. وفي أحسن الأحوال يمكن أن تكتفي القمة بتكليف صندوق النقد الدولي بوضع إرشادات عامة للحد من اختلال التوازن بين الدول الدائنة والمستدينة.

وقال المتحدث باسم قمة العشرين كيم يون-كيونغ للصحافيين في أعقاب المباحثات الأخيرة الأربعاء بين مسؤولين ومساعدي وزراء مالية المجموعة quot;لا تزال هناك اختلافات كبيرة حول قضايا العملات والاختلال الحالي في التوازنquot;. وأعرب أوباما عن أمله في أن يبدأ البيان الختامي للقمة، الذي كان لا يزال الخميس موضوع مناقشات حادة على مستوى وزاري، quot;في تطبيق الآليات التي ستساعدنا على تحديد وتشجيع نمو متوازن ومستديمquot;.

من جهته تعهد الرئيس الصيني هو جينتاو خلال لقاء ثنائي مع أوباما تعزيز الحوار والتعاون مع واشنطن. إلا أنه كان أكثر انتقادًا الأربعاء عندما دعا الولايات المتحدة إلى quot;تحمل مسؤولياتها ومواجهة مشاكلها الخاصةquot;. وتخشى الدول الناشئة أن تؤدي سياسة إنعاش الاقتصاد الأميركي إلى تدفق أموال المضاربات عليها. واتخذ بعضها مثل البرازيل إجراءات للحد من حركة رؤوس الأموال، التي تخضع في الصين لمراقبة صارمة.

ودعت المستشارة الألمانية إلى أن تتخذ دول مجموعة العشرين موقفًا حازمًا من التدخل الحمائي الذي تخشاه دول عدة. في حين حذر رئيس الوزراء الياباني ناوتو كان من quot;وجود مخاوف من أننا دخلنا فعلاً في خفض تنافسي لقيمة العملات يذكر بالركود الكبيرquot; في ثلاثينات القرن الماضي.

العالم يسير نحو الإفلاس
أما الرئيس البرازيلي المنتهية ولايته لويس أيناسيو لولا دا سيلفا فقد اعتبر أن العالم يسير نحو quot;الافلاسquot; ما لم تنعش الدول الثرية استهلاكها الداخلي بشكل أكبر بدلاً من تعزيز صادراتها. وفي شوارع العاصمة الكورية الجنوبية، تظاهر قرابة الثلاثة آلاف شخص احتجاجًا على انعقاد القمة quot;التي لا تعكس وجهة نظر العمال والفقراءquot; بحسب يونغ اي-هون نائب رئيس الاتحاد النقابي quot;كي سي تي يوquot;.

الصين: إصلاح اليوان بحاجة لبيئة خارجية مواتية

الرئيس الصيني هو جينتاو أكد من جهته الخميس خلال لقاء مع نظيره الأميركي باراك أوباما، أن إصلاح اليوان سيتم quot;حتمًاquot;، لكنه في حاجة إلى quot;بيئة خارجية مواتية تمامًاquot; على ما أفاد متحدث صيني. وصرح الناطق ما شياوكسو للصحافيين أن quot;الرئيس هو شدد أيضًا على تصميم الصين الثابت على المضي قدمًا في إصلاح اليوانquot;.

وأضاف هو أن هذا الإصلاح quot;في حاجة إلى بيئة خارجية مواتية جدًا، ولا يمكن تطبيقه إلا في إطار عملية تدريجيةquot;. وقبل ذلك بقليل، أعلن هونغ لي المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية في بكين quot;إننا سنحسن آلية سعر الصرف الخاضع للمراقبة، وسندع السوق تلعب دورًا أكبر، وسنزيد مرونة سعر صرف اليوان بهدف إبقائه في توازنquot;.

ويمارس شركاء الصين التجاريون ضغوطًا عليها منذ أشهر لرفع سعر صرف عملتها بالنسبة إلى الدولار، ويعتبرون أن تدني سعر صرف اليوان يعزز قدرة الصادرات الصينية على المنافسة في الأسواق العالمية. لكن بكين رفضت قطعًا حتى الآن أي زيادة قوية في سعر صرف عملتها، مؤكدة أن ذلك سيهدد صناعاتها المصدرة وملايين الوظائف. ومع ذلك ارتفع اليوان بضع نقاط مئوية مقابل الدولار منذ حزيران/يونيو.

البابا يدعو G20 لحلول تحترم الكرامة البشرية
وكان البابا بنديكتوس السادس عشر الأربعاء طلب من المشاركين في قمة مجموعة العشرين العمل من أجل التوصل إلى حلول quot;دائمة ومتجددة وعادلةquot; وتحترم quot;الكرامة البشريةquot;، منبهًا إياهم إلى أن quot;العالم ينظر إليهمquot;.

وقد حثّ البابا رؤساء الدول والحكومات على quot;مواجهة المشاكل الخطرة والمتعددةquot; التي تنتظرهم، على ألا يغيب عن بالهم أن التدابير التي تتخذ quot;لن تعطي نتيجة إلا إذا كانت تهدفquot; إلى تأمين quot;تقدم حقيقي وتام للإنسانquot;، وذلك في رسالة إلى الرئيس الكوري الجنوبي لي ميونغ-باك نشرت على الصفحة الأولى لصحيفة أوسرفاتوري رومانو الناطقة باسم الفاتيكان.

ودعاهم البابا إلى quot;البحث عن حلول دائمة ومتجددة وعادلةquot;، وأضاف أن quot;العالم ينظر إليكم، وينتظر تبني قرارات ملائمة للخروج من الأزمة، مع اتفاقات لا تميز بلدًا على حساب بلدان أخرىquot;.

وجاء في الرسالة quot;من أجل مستقبل البشرية نفسه، من الملح أن نثبت للعالم والتاريخ أن الإنسان اليوم وبفضل هذه الأزمة قد نضج بحيث بات قادرًا على الاعتراف بأن الحضارات والثقافات وكذلك النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تستطيع ومن الضروري أن تصب في رؤية موحدة للكرامة البشريةquot;. وقال البابا إن مجموعة العشرين quot;ستستجيب للتوقعاتquot; وquot;ستتكلل بالنجاحquot; إذا ما quot;عرفت أن ترسم ملامح الخير الكوني المشترك وتؤكد إرادة التعاون لبلوغ ذلكquot;.