يبدو للعين غير المدربة وكأن بنك إنكلترا يحاول التخلص من ديون بريطانيا بإطلاق العنان للتضخم رغم أن الواقع غير ذلك، ولكن الإيحاء بأنه منهمك في محاولة كهذه يهدد بالنيل من مصداقية البنك كسلطة نقدية مستقلة أكثر مما يهددها الجدل المحتدم حول موقف حاكم البنك ميرفن كنغ وتحمسه لخطط الحكومة الإئتلافية من أجل خفض العجز المالي.


ترجمة عبد الإله النعيمي: يبدو أن موقف محافظ بنك إنكلترا المتحمس موضع نقاش بين النواب الأعضاء في لجنة الخزانة في مجلس العموم بعدما كشف عضو لجنة السياسة النقدية في البنك آدم بوزن ، الذي انضم إلى اللجنة بقرار من رئيس الوزراء السابق جورج براون، بأنه وآخرين معه عارضوا تدخل حاكم البنك المركزي لكونه خاطئاً من الناحية الإقتصادية وصارخاً في طابعه السياسي.

هذا الكشف أحرج كنغ بشدة ولكن محللين لم يروا فيه إلا سحابة صيف بالمقارنة مع التهمة الأخطر المتمثلة في أن بنك انكلترا تخلى خلسة عن هدف إبقاء التضخم في حدود مقبولة لصالح النمو. فإن مهمة البنك أن يُبقي معدل التضخم بين 1 و3 في المئة وفي الواقع أن التضخم في مؤشر الأسعار الإستهلاكية بلغ 3 في المئة أو أكثر خلال السنة التقويمية حتى الآن. والشيء نفسه يصح على عام 2008 عندما بلغ معدل التضخم في شهر واحد 5.2 في المئة.

نتيجة لذلك تعين على حاكم البنك أن يكتب مراراً إلى وزير الخزانة جورج اوزبورن لتبرير هذه السياسة وقَبَل الوزير مرارا أعذاره وسامحه. ويلاحظ المحلل الإقتصادي جريمي ورنر في صحيفة الديلي تلغراف أن وزير الخزانة بدا مستسلما في رده الأخير وكأنه يقول لحاكم بنك انكلترا quot;إذا كان الأمر كذلك فليكن ولا تقلقquot;.

إذ يبدو أن الحكومة لا تكترث بإخفاقات كنغ وسبب تفاؤلها هو إدراكها بأن رفع أسعار الفائدة أو إنهاء التيسير النقدي البالغ حاليا 200 مليار جنيه استرليني بطريقة تلجم التضخم ، سيؤدي إلى ركود آخر.

المؤكد أن ينحسر التضخم سريعاً بإجراء كهذا ولكن مشكلة في الإتجاه المعاكس ستظهر هي معدل تضخم أقل من الهدف المرسوم له أو ربما حتى انكماش سعري مباشر.

ويبدو أن الحفاظ على النمو اكتسب أهمية أكبر من إبقاء التضخم في الحدود المرسومة له.

ولكن الإعتقاد بأن حاكم بنك انكلترا عقد حلفا غير مقدس مع وزراء في الحكومة الإئتلافية متنازلا عن سلطته التي منحها له البرلمان يعني الإنزلاق إلى عالم نظرية المؤامرة. فإن البنك الذي ناضل أكثر من 50 عاما من أجل استقلاله لن يهدد هذا الإستقلال الآن بالتفريطو بالتفويض الذي ناله ديمقراطيا. يضاف إلى ذلك ان الإقدام على خطوة كهذه سيتطلب أن يجتمع أعضاء لجنة السياسة المالية التسعة جميعهم ويتفقوا عليها في السر. وهذا أمر مستبعد حتى من دون وجود آدم بوزن رجل براون في عضوية اللجنة.

الأرجح ان بنك إنكلترا لا يحاول افتعال تضخم بصورة متعمدة ولكنه متهم بالفشل في توقعه. ولا مناص من وضع اليد على تقصيراته في هذا الشأن.

إن كل الضغوط التضخمية في الإقتصاد البريطاني هي عمليا ضغوط خارجية اليوم ، من ارتفاع أسعار السلع والمحروقات والمواد الغذائية والطاقة إلى هبوط قيمة الجنيه الإسترليني متسببا في ارتفاع كلفة الإستيراد. وهي ضغوط لا تمت بصلة إلى حالة الطلب في الإقتصاد البريطاني ، الذي يبقى راكدا ويدفع في الإتجاه الآخر.

ومن سوء حظ بنك إنكلترا أن الإحتمال يبدو ضئيلا في تخفيف هذه الضغوط الخارجية عما قريب. فإن ارتفاع الأسعار مشكلة حقيقية الآن في الصين وغيرها من الأسواق الناشئة وقد يؤثر قريبا على ألمانيا شديدة التحسس إزاء التضخم ، حيث يرتفع الطلب الداخلي فيها أيضا.

وليس هناك ما يستطيع بنك إنكلترا أن يفعله في مواجهة هذا النوع من التضخم سوى فرض انكماش داخلي على السكان، كما في إيرلندا ، بالإستمرار في كبح الطلب الداخلي. ومثل هذا العلاج ليس من شأنه إلا التقاعس عن أداء المهمة الأخرى المحددة للبنك وهي أن يراعي هدف النمو وتشغيل الأيدي العاملة.