أهمية الطبقة الوسطى في الأردن تكمن باعتبارها قوة إصلاحية تحقق الإستقرار في المجتمع, وتعتبر مصدراً للعمالة الماهرة والقوة الشرائية التي تحفز وتدفع الإقتصاد، كذلك فإن هذه الفئة هي التي تفرز المبدعين والمغامرين وتقدم الأفكار الجديدة, وتضم الطبقة الوسطى الأفراد القادرين على إنشاء المشاريع الجديدة والمساهمة في الأنشطة الإجتماعية والثقافية والسياسية اللازمة للتنمية الإقتصادية والسياسية.


عمّان: يجادل صناع القرار والأكاديميون على حد سواء أن الطبقة الوسطى تقلصت أو تعرضت لضغوط كبيرة على مدى العقدين الماضيين، إلا أنه ليس هناك إتفاق عام حول كيفية تعريف الطبقة الوسطى وما هي مواصفات تلك الطبقة التي نتحدث عنها.

وتعتبر هذه الطبقة المحرك والمحفز الرئيس لنمو الإقتصاد الوطني كونها تعتبر مصدرا رئيسا للعمالة الماهرة و قوة العمل المنتجة، والبيئة الطبيعية للمبدعين والمبادرين القادرين على إنشاء المشاريع الجديدة وتحقيق الريادة التي تقود في كثير من الأحيان إلى التحسين المستمر في المجالات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية على حد سواء.

في إطار التوجيهات الملكية بضرورة الحفاظ على الطبقة الوسطى وتوسعاتها بكافة الوسائل المتاحة أطلق الأردن رسمياً اليوم دراسة تقييم الطبقة الوسطى في الأردن للعام 2008 التي أعدها المجلس الإقتصادي والإجتماعي بالتعاون مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي ودائرة الإحصاءات العامة.

وكشف الدكتور إبراهيم سيف أمين عام المجلس الإقتصادي والإجتماعي اليوم عن أهم نتائج هذه الدراسة والتوصيات التي خرجت بها.

وقال سيف إنه لغايات تحديد الطبقة الوسطى تم استخدام منهجية عالمية استخدمت في العديد من دول العالم ومن قبل منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية، وهي منهجية تناسب وضع الأردن حيث أنها تعتمد على خط الفقر الذي أعلنته دائرة الإحصاءات العامة إستناداً لبيانات مسح ونفقات الأسرة للعام 2008، وتعرف الطبقة الوسطى إستناداً للمنهجية المتبعة على أنها مجموعة الأفراد الذين يشكل نصيبهم من الإنفاق السنوي ضعفي خط الفقر، على الأقل، ولا يتجاوز أربعة أضعاف خط الفقر.

وأشار إلى أنه وإستناداً إلى بيانات مسح نفقات ودخل الأسرة لعام 2008 وباستخدام عام 2006 كسنة أساسية فقد شكلت الطبقة الوسطى ، ما نسبته 41.1 % من السكان فيما شكلت الطبقة الغنية8.2 %, واستحوذت الطبقة الوسطى على ما نسبته 37.5 % من إجمالي الدخل، وعلى ما نسبته 42.8 % من إجمالي النفقات.

وشكلت الأسر من الطبقة الوسطى 39% من جميع الأسر التي تعيلها نساء عام 2008، وترتبط الأسر التي تعيلها نساء إرتباطاً وثيقاً بتزايد ثروة الأسر بسبب هجرة الذكور سعياً وراء وظائف أعلى أجراً في الخارج وتحديداً دول الخليج العربي والتحويلات النقدية التي تتبع ذلك.

ويتركز العاملون من الطبقة الوسطى في قطاع التمويل (التأمين والوساطة المالية مثل البنوك والشراء بالقروض وسمسرة الأسهم)، وقطاع العقارات والأعمال التجارية (مثل الدعاية، والمحاسبة، والإستشارات، والقانون، وتكنولوجيا المعلومات وأنشطة بحوث الشركات)، والصحة (الطب وطب الأسنان والمستشفيات والعيادات بالإضافة إلى الطب البيطري) و العمل الإجتماعي (الأنشطة المرتبطة بالجمعيات الخيرية ودور الرعاية الإجتماعية من القطاعين العام والخاص)، وقطاع النقل والإتصالات والتخزين (الأنشطة المرتبطة بالنقل الجوي والبري والبحري ومناولة البضائع والتخزين والمستودعات).

وحول ما تمتاز به هذه الطبقة، أوضح سيف أن العاملين في القطاعات التعليمية والصحية والخدمات المالية يشكلون النسبة الأكبر من هذه الفئة, ويشكل الجامعيون من أرباب أسر الطبقة الوسطى ما نسبته 47.6 %, ويقدر حجم الأسرة في الطبقة الوسطى 4.5 أفراد مقارنة بالمعيار الوطني لحجم الأسرة والبالغ 5.7 أفراد, ويمتلك ما نسبته 76% من أسر الطبقة الوسطى منازلهم,وبلغت نسبة الطبقة الوسطى في الحضر 32.2% بينما بلغت ما نسبته 22.2% في الريف.

وبلغت نسبة أرباب الأسرمن الطبقة الوسطى والحاصلين على درجة البكالوريوس 46.2% عام 2008، في حين بلغت هذه النسبة 22.7 % في الطبقة الغنية, وشكل الحاصلون على درجة الماجستير من الطبقة الوسطى ما نسبته 51.4 %، في حين بلغت نسبة الحاصلين على درجة الماجستير من الطبقة الغنية 26.4 %, وبلغت نسبة حملة شهادة الدكتوراه من الطبقة الوسطى 45.3 %، في حين كان 49.5 % من حملة الدكتوراه من الطبقة الغنية.

وشكلت الأسر من الطبقة الوسطى 39% من جميع الأسر التي تعيلها نساء في الأردن عام 2008, وترتبط الأسر التي تعيلها نساء إرتباطاً وثيقاً بتزايد ثروة الأسر بسبب هجرة الذكور سعياً وراء وظائف أعلى أجراً في الخارج والتحويلات النقدية التي تتبع ذلك,وبلغت نسبة المهنيين المتخصصين في سوق العمل الأردني ضمن الطبقة الوسطى46.9% و حوالي 19.8% منهم تعود للطبقة الأغنى بعدها مباشرة.

وفي عام 2008، شكل إنفاق الأسر من الطبقة الوسطى على الطعام 37.8 % من إجمالي النفقات، في حين شكلت المصاريف المنزلية ما نسبته 17.6 % وبلغت نسبة الإنفاق على النقل والإتصالات 18.9%.

ومن أبرز التوصيات التي خرجت بها الدراسة أنه ومن أجل تحقيق الحراك الإجتماعي الإيجابي نحو الأفضل، هناك حاجة إلى عدد من تدابير السياسة المطلوبة, ومن المعروف أن توسيع نطاق العمالة وزيادة الأنشطة التي تولد الدخل هو المحرك الرئيس والأكثر إستدامة لتوسيع وحماية الطبقة الوسطى,ولتحقيق ذلك، يجب أخذ خطوات جادة لزيادة السكان الناشطين إقتصادياً، وخاصة بين الإناث (حيث تبلغ النسبة للناشطات 14.9% فقط) كذلك يعتبر تأمين الوصول إلى الائتمان أحد العناصر المهمة لتوسيع هذه الشرائح.

وتظهر النتائج الرئيسة لهذا التقرير أن القطاع الخاص يلعب دوراً متزايداً في إيجاد فرص عمل تتطلب مهارات وبأجور تسهم في تحقيق أسلوب حياة الطبقة الوسطى, ويعكس هذا تحولاً بعيداً عن الطبقة الوسطى التقليدية التي كانت مكونة من موظفي الخدمة المدنية، وبعيداً عن الدعوة لزيادة وظائف وأجور ومنافع القطاع العام, فإن التحدي يتمثل بتعزيز نمو القطاع الخاص من حيث العمالة وتشجيع إيجاد ظروف عمل مماثلة (من حيث الأجور والمنافع والأمن الوظيفي) لتلك الموجودة في القطاع العام.

وبعد أن تبين أن الطبقة الوسطى الدنيا والفئة تحت الطبقة الوسطى هما الأكثر إعتمادا على الأجور، لا بد من التشديد على أن زيادة مشاركة القوى العاملة في أوساط هذه الفئةأمر ضروري لتحقيق الإستقرار المالي.

وتجدر الإشارة إلى أن القروض والبرامج التي تشجع المشاريع الصغيرة والمتوسطة يجب أن تستهدف الأفراد على أعتاب الطبقة الوسطى, وبالنظر إلى مصادر الدخل، نجد أن الطبقة الوسطى إزداد اعتمادها على العاملين لحسابهم الخاص بين الأعوام 2002 و 2008, ومن المعروف أن هذه الفئة مؤهلة لإدارة مشاريع ناجحة من حيث التعليم والمهارات.

ومن حيث النمو القطاعي لإيجاد فرص عمل للطبقة الوسطى، لوحظ أن قطاعات التمويل والعقارات والأعمال التجارية، والصحة والعمل الإجتماعي الذي يشمل العاملون في قطاعات الإرشاد ومنظمات المجتمع المدني وموظفي الخدمات الإجتماعية، توظف عدداً كبيراً من أرباب الأسر من الطبقة الوسطى, وأظهرت هذه القطاعات أيضاً معدل نمو مرتفع من حيث العمالة ولكن حجمها ما زال صغيراً من إجمالي العمالة, وستسمح السياسات التي تمّكن هذه القطاعات من النمو من حيث إجمالي العمالة بإيجاد المزيد من الوظائف للطبقات الوسطى والمساهمة في توسيع دائرة هذه الطبقة.

وفي ضوء التباينات التي وجدت في الإنفاق على التعليم عبر المجموعات العشرية، حيث تعتمد الغالبية العظمى على التعليم الحكومي، نجد أن تعزيز نوعية التعليم الحكومي مهم للغاية, وسيكون التعليم ذو النوعية الجيدة والتدريب على كافة مستوياته الذي يوفر مهارات قابلة للنقل ذات صلة بسوق العمل ضروريا للخريجين لتولي وظائفومهنتحققمداخيل تؤهلهم للحفاظ على وضعهم في الطبقة الوسطى أو تتيح الدخول إلىالطبقة الوسطى.