عادت قضية بيع شركة عمر أفندي لتفتح ملف بيع أصول الدولة في مصر، وما شاب صفقاته من عيوب ومآخذ أضرت بالاقتصاد بدلاً من التطوير والإنتفاع. شركة عمر أفندي وأرض مشروع توشكى مثالان صارخان على فشل منظومة الخصخصة في مصر فحملنا هذين الملفين لمديرة المركز المصري للدراسات الاقتصادية الدكتورة ماجدة قنديل، وكان لـquot;إيلافquot; معها الحوار الآتي.


القاهرة: الخبيرة الإقتصادية الدكتورة ماجدة قنديل قالت لـquot;إيلافquot; إن صفقات بيع أصول الدولة المصرية (كأرض توشكى وعمر أفندي وغيرها) صفقات شابتها كثير من الأخطاء والعيوب على صعيد الممارسة والتطبيق. فقد كشف الستار منذ البداية عن عقود غير صحيحة لا تحقق النتائج الإيجابية المطلوبة منها، والتي تعود بالنفع على الاقتصاد المصري والسوق المصرية.

وأوضحت قنديل أن أهم وأخطر الأخطاء التي ترتبت على هذه الصفقات، وبالخصوص صفقة عمر أفندي، هو ضياع حقوق العمالة، التي لم يضمن لها عقد البيع أية حقوق، مما عرضها لتحمل جزء كبير من مسؤولية خسارة المستثمر السعودي، إضافة إلى ذلك تجاهلت عقود صفقات بيع أصول الدولة حق انتفاعها من هذه الإستثمارات، وضمان استمرارية آلية الإنتاج، وحقوق تسييل بعض الأصول في أعقاب عملية الخصخصة.

قنديل أكدت أن كل هذه الثغرات جعلت من الصفقات التي نتحدث عنها عبأ على كاهل اقتصاد الدولة الضعيف، بسبب تجاهل هذه الضمانات، وتحولت من خطة تطويرية إلى صفقات تجارية، الغرض منها البيع لتوفير السيولة وكل جهة تحاول أن تحقق مكاسب دون النظر إلى المصلحة العامة.

وأشارت مديرة مركز الدراسات الاقتصادية إلى أن المنشأة الإنتاجية فقدت دورها في المساهمة للإنتاج نتيجة للمارسات الخاطئة لعملية الخصخصة، وهو ما يحقق خسائر كبيرة، فمن المفترض أنه يكون الغرض من بيع الأصول هو تمليكها لمن يقوم بضخ استثمارات وتطوير المنشأة أو الأراضي لتتحول إلى أصول استثمارية ذات طاقة إنتاجية أكبر، وهذا هو الهدف الحقيقي من الخصخصة.

وأضافت أنه من المؤسف أن العملية تحولت إلى صفقات تجارية تحقق مكاسب مالية عن طريق الإنتفاع من القيمة السعرية للأصول، دون الإهتمام بالربحية الناتجة من الإستثمار فيها والتخلص من هذه الأصول ببيعها لمستثمر يبحث عن الربح السريع دون تحويلها إلى مصادر إنتاج وداعم لتوفير فرص العمل وتحقيق تنافسية في الأسواق وتوفير بدائل للإستيراد ودعم الصادرات وغيرها من الأمور التي كان يجب وضعها في حسبان سياسة الخصخصة وعقود بيع أصول الدولة.

وأوضحت د. ماجدة أن المنشآت المستهدف بيعها للقطاع الخاص من المفترض أن تشمل نوعين، الأول المنشآت أو الأصول ذات الأداء الإنتاجي الجيد، ولكن الحكومة لا تستطيع أن تستمر في هذا الأداء على نحو لا يشكل عبأ على خزانتها، بحيث توفر السيولة الخاصة لقطاعات أخرى ترى أنها الأولى بالإهتمام أو القطاعات ذات الوضع المالي والإنتاجي المتدهور وهي الأولى بالبيع في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور للبلاد، بحيث تضمن إسنادها لمستثمر يساعد في تطويرها، وتستفيد في الوقت نفسه منها كمورد لدعم القطاعات الأخرى.

المديرة المركز المصري للدراسات الاقتصادية الدكتورة ماجدة قنديل

وختمت قنديل حديثها بأن هناك العديد من صفقات بيع أصول الدولة شابها الغموض والتعتيم، وأثبتت الأيام عن وجود فساد مستشري في عمليات بيعها، وحققت مكاسب طائلة للمستثمرين على حساب الإقتصاد المصري وحقوق العمالة المصرية والمواطن الكادح البسيط وأحدثت نزيفًا في ثروات الشعب.

كما أشارت إلى أن فشل منظومة الخصخصة وبيع أصول الدولة يرجع أيضاً إلى سوء اختيار المستثمر، فهذا الأخير هو الطرف المفسد للنماذج التي بين أيدينا فحطم ودمر بنيتها الأساسية ورؤوس أموالها الثابتة واستغلها في التربح المجحف لحقوق الغير، والمتضرر الأكبر هو العامل البسيط والمستهلك المطحون الذي يأن من ويلات سياسة مص الدماء التي تتعامل بها السوق الحرة والمفتوحة.

ولفتت الخبيرة الإقتصادية إلى أن صفقة عمر أفندي كمثال عندما باعتها الدولة لشركة أنوال السعودية حاولت أن تطورها بطريقة خاطئة، ورسمت لها خطة محكمة للإستفادة منها بأكبر عائد ربحي، قام انطلاقًا من هذا المبدأ بأعمال تخريبية للمشروع فتخلصت من العمالة، ولم تواكب التنافسية الموجودة في السوق المفتوحة، و أوضحت أن هناك عوامل معرقلة أيضًا لم يستطيع التغلب عليها، وهي ضخّ الإستثمارات في منتجات بديلة للمعروض، والتي تم فيها إغراق السوق بها من الصين والهند بأسعار رخيصة، وهي الصفة التي يبحث عنها المواطن في السلع المتاحة، نظرًا إلى ظروف الدخل وغلاء المعيشة، فبذلك يمكننا القول إن المستثمر السعودي لم يستطع الوقوف أمام السلع المثيلة، ولم يتميز بسلع خاصة، فخسر السوق والعمالة، وكبد الدولة خسائر متراكمة تقدر بالمليارات.

وفي حديثها عن أرض مشروع توشكى قالت الدكتورة ماجدة إن في البداية الأراضي بيعت بسعر رخيص لجذب الإستثمار في محاولة للقيام بمشروع كبير يوفر المنتجات الغذائية ويحقق الإكتفاء الذاتي من سلع استراتيجية ودعم الصادرات وعودة الفوائد بالنفع وتحقيق القيمة المضافة، ولكن هذا لم يحدث، وتحملت الحكومة نتيجة بيع توشكى بثمن زهيد.

وختمت مديرة مركز الدراسات الاقتصادية حديثها مع إيلاف ناصحةً بضرورة تصحيح ومراقبة العقود المبرمة في صفقات بيع أصول الدولة لخلق ضمانات تجنب الخسائر في حالة عدم وصول المستثمر لهامش ربح كبير، تجعله يفكر ألف مرة قبل أن يبيع المنشأة لمستثمر جديد، وهذا الجديد يمارس فيها ما يشاء ثم يبيعها لغيره وهكذا دواليك.