لم يستطع السوق العراقي أن ينهض بنفسه استقبالاً لأعياد الميلاد المجيد ورأس السنة منذ وقت مبكر لتزامنه مع ذكرى عاشوراء والأحزان التي خلّفتها في النفوس حادثة كنيسة quot;سيدة النجاةquot; في الكرادة، ما أبقى السوق في حالة شبه ركود، إلا أنه في الأيام الأخيرة، ومع اقتراب الأعياد تحرك قليلاً، أو كما قال أحد الباعة (تململ) لتسري حرارة النشاط في عروق السوق المستعد للاحتفال.


بغداد: ليس هنالك أية مظاهر أولية للاحتفال في الشوارع الرئيسة لمدينة بغداد بالأعياد المقبلة، حيث ما زالت طقوس الشعائر الحسينية واضحة في الأمكنة، إلا في حالات اعتيادية للمتاجر التي اختصاصها بيع الهدايا وما شابه ذلك. أما الذين أخرجوا بضاعتهم على الرصيف كانوا في حالة كسر للرتابة، وللتعبير عما في أنفسهم من توق للاحتفال، كما اعتادوا في كل عام في مثل هذا الوقت.

لكنهم مع ذلك شاطروا الناس عواطفهم فيما تعرّض له الأخوة المسيحيون من قسوة لا يستحقونها، مع بعض التخوفات من أن تبور سلعهم، لذلك، كما أخبرونا، لم يجلبوا ما كانوا يجلبونه في السنوات السابقة، لكنهم في ترقب وانتظار لما ستؤول إليه الحال مع اقتراب الأعياد، حيث هناك توقعات بأن تلغى الاحتفالات الرسمية والكبيرة، وتقتصر على البيوت فقط.

أم إبراهيم تكشف أن الأحداث الأخيرة، واستهداف المسيحيين بهذا الشكل البشع، الذي أدى إلى تهجير أعداد منهم quot;يجعلنا في عدم استعداد كامل مثل كل سنة، فهناك حزن ما زال في نفوسنا جراء ما حدث في كنيسة النجاة، حيث ذهب الناس الأبرياء ضحايا الحقد الأعمى، وهذا الحزن يجعلنا نتعاطف كثيرًا مع هؤلاء الضحايا، ولكننا اعتدنا أن نحتفل، وسنحتفل ولو بشكل بسيط، لدينا شجرة الميلاد، وما علينا إلا أن نجلب بعض الهدايا أو قطعة من الزينة أو قطعتين نعلقها على الشجرة الصناعية التي لدينا لأن الأشجار الحقيقية غالية جدًا، وربما يتجاوز ثمنها المئتي دولار، وهذا كثير عليناquot;.

في المقابل لن تكون احتفالات هذه السنة بالنسبة إلى سعد إيشو مثل السنوات الماضية quot;لأن الكثير من أصدقائنا وأقاربنا المسيحيين هاجروا أو غادروا بغداد، وهذا يؤسفنا فعلاً، ومع ذلك نحاول أن نجد في الاحتفال بالعيد في مساكننا ومع بعض الأهل والأصدقاء بعض العزاء لنا، لأننا لايمكن أن ننسى ما حدث في الكنيسة بصراحة، ونتمنى أن نشهد نهاية شرور العصابات الإرهابية التي لا دين لها ولا تحترم الإنسانquot;.

وأضاف quot;أنا اشتريت بعض الدمى لـ quot;بابا نويلquot;، وهي بأسعار جيدة نوعًا ما، بحدود 20 دولار للواحدة، وسوف أقدمها هدايا للأطفال، كما اشتريت بعض الزينة، والمهم أن نتشارك في الاحتفال.

بشار صاحب محل للزينة.. لم يكن في محله إلا أشياء قليلة من مستلزمات الاحتفال. وهو يعتقد أن هذه السنة مختلفة، ويشعر أن البيع سيكون أكثر ركودًا. يقول quot;أنا مسيحي، وأعرف مشاعر المسيحيين، لاسيما أن العديد منهم هاجر قسرًا، ولكن ربما مع اقتراب الأعياد تكون هناك حركة مفاجئة لأن الغالبية سيحتفلون في بيوتهم على الأقل من أجل الأطفال، وما زال أمامنا عدد من الأيامquot;، متوقعًا أن تشهد الساعات الأخيرة قبل ليلة عيد الميلاد حركة جيدة، quot;ربما أبيع هذا العدد القليل من الهدايا الخاصة بالعيد أو هذه الأشجارquot;.

فيما قال أحمد شاكر، صاحب محل للزينة والهدايا، إنه quot;بعد انتهاء مراسم العاشر من محرّم، بدأت الحركة في السوق، وتململ بعد سكون أصابه، وأصبح أكثر نشاطًا، quot;حتى إنني استطعت أن أعرض بضاعتي خارج المحل، وأعتقد أن الحزن الذي يخيّم على الناس لا يمنعهم من الاحتفال في بيوتهم لأنهم يعدون الاحتفال شيئًا مهمًا، خاصة أنه عيد السيد المسيح.

لكن الكثير من أصحاب المحال بسبب عدم وجود إقبال كبير أو لتخوفهم بسبب الأحداث لم يجلبوا الأشجار الطبيعية التي أسعارها تختلف حسب القياسات، ويمكن القول إن العديد من العوائل المسيحية تحتفظ بأشجار أعياد الميلاد الخاصة بها منذ سنوات، لكن بعضهم سيشتري هدية واحدة ليعلقها في الشجرة، والأشجار الصناعية الآن أكثر مبيعًا لأنها أرخص من الطبيعية. فالأسعار تتراوح ما بين 18 دولارًا و50 دولارًا حسب القياسات.

وأكد أن المسلمين يشترون أكثر من المسيحيين في استعداداتهم للاحتفال برأس السنة الميلادية، فهم يبتاعون أشياء كثيرة، وحتى نماذج متعددة من بابا نويل، وكذلك شجرة عيد الميلاد، يحتفلون مع أصدقائهم المسيحيين أو بدونهم لأنهم يعتقدون أن الاحتفال بقدوم سنة جديدة شيء لا بد منه، وهذا راجع للقدرة الشرائية للمواطن العراقي.

من جهته، عرض إبراهيم خليل بضاعته الخاصة بزينة الاحتفال بعيد الميلاد على الرصيف، موضحًا أن quot;نسبة البيع حتى قبل أسبوع كانت نحو 10%، وشعرنا باليأس من أنه في هذه السنة ستبور بضاعتنا، لكن أخيرًا أصبح الإقبال أفضل استعداداً للأعياد، وهو يعتقد أن الاحتفال مناسبة لا تعوّض، خاصة استقبال سنة جديدة يتمناها الجميع مفعمة بالأمل ونسيان الأحزان.

ولفت إلى أنه quot;في المساء يكون البيع أفضل نسبة لوجود حركة كبيرة على عكس الصباح، لذلك أنا استغل الصباح لشرار حاجيات جديدة، والرزق quot;خير من اللهquot;، والناس quot;تتهادىquot; في ما بينها، والبعض يرى أن طقوس الاحتفال ضرورية، وإن كانت الأحزان تنغصّ عليهم الاستمتاع الكامل بالعيد.