quot;ينعاد عليكنquot; أمانٍ لم تعد تكفي إن لم تقترن بالهدايا. هناك من يصنع العيد في لبنان وآخرون يستهلكونه فحسب. وكما يجمع الكريسماس الناس من ناحية فإنه يكشف عن تفاوت طبقي اقتصادي من جهة أخرى، حتىبدأ يقال إن بابا نويل اللبناني قد أشهر إفلاسه.


بيروت: تتزين الشوارع والطرقات في لبنان لتذكّر أهله بموعد الأعياد المقبلة. الميلاد ورأس السنة مناسبتان يراهن عليهما التجار والأسواق لتعويض ما أمكن من خسائر ومضاعفة الأرباح. أهلاً بالعيد. ما المانع؟. فوضى جميلة وزحمة محببة يحلان على أهل لبنان المتخمين من تداعيات السياسة وكواليسها الغامضة والسرية. أهلاً بالعيديَن..ولكن؟. هناك دائمًا quot;لكنquot; تعكّر مشاريع، وتعطّل أحلامًا، وتدق جرس إنذار بأن الجيوب باتت شبه خاوية.

quot;لوجه الدولارquot;
المناطق والمحال تتبارى في ما بينها في لبنان في تسجيل أجواء ميلادية قياسية وتحطيم أخرى. لا شيء لوجه الله، كما يؤكّد شربل، وإنما quot;لوجه الدولارquot;. فالإنفاق الواضح والكثيف على الزينة يأتي ضمن مخطط اقتصادي وتسويقي معدّ سلفًا ومدروس لاستقطاب ما تيسّر من فئات مجتمعية وعمرية. شربل quot;اكتشف اللعبة منذ زمن. لم تعد تغريه أقنعة لبابا نويل، وبات على يقين أنها تخفي وراءها quot;حيلاًquot; لها تأثير المخدّر والسحر على من استعصى عليه حتى الآن فكّ طلاسمها. تنزيلات العيد لدى شربل مثلها كباقي عروض العام quot;من فئة 70 % فما فوقquot;، التي يشدد على أنها ما عادت تنطلي على أحد.

عزلة اجتماعية ووجع اقتصادي
تلفت سلتها الممتلئة في أحد quot;مولاتquot; ضواحي العاصمة اللبنانية، تطمئننا نادية فرح أن quot;لا شيء. إنها الجولة الشهرية للمونة والتخزين المنزليquot;. تؤكد أنها البديهيات والحاجيات الأساسية والضرورية التي يحتاجها كل منزل.

أما عن إنفاقها وأسرتها في عيدي quot;الهداياquot; فتوضح أن الأعياد تغيّرت عن زمان من النواحي كافة، وخصوصًا الاقتصادية والاجتماعية. في ما يخص الشق الأول ترى أن السواد الأعظم من اللبنانيين هم من الموظّفين، وليسوا من أصحاب الأعمال الخاصة والحرّة والمشاريع والاستثمارات. على الصعيد الاجتماعي يبدو لها أن العصر الالكتروني باعد ما بين الناس، فاستبدلت الاتصالات في الأعياد (سابقًا) بالرسائل الخلوية القصيرة، التي سرعان ما تخلّت عن عرشها لمصلحة الرسائل الالكترونية، وأخيرًا لعوالم quot;فايسبوكquot; العازلة.

صناعة.. تجارة واستهلاك
فادي أحد الذين لا عيد لهم، لكونه يعمل معظم أيام السنة بسبب طبيعة عمله في المجال الأمني الخاص. يصنّف المحتفلين بالعيد إلى ثلاثة أصناف: صانعو العيد، والمتاجرون به، وطبقة المستهلكين. موضحًا quot;أنا مثلاً وزملائي من الفئة الأولى لأننا نسهر على أمن الناس، وبالتالي نساهم في صناعة عيد آمن وهانئ. ويقصد بالمتاجرين أصحاب المحال والملاهي والمقاهي والمتاجر، كما يقول. أمّا المستهلكون فمعروفون ألا وهم الزبائن.

quot;8 و14 آذارquot; من نوع آخر
لم تعد الاصطفافات القديمة السائدة هي المتحكمة بالمتسوقين. العيد هدنة. الفقر والغنى جامعان أكثر من شعارات سياسية quot;لا تُغني ولا تسمن من جوعquot;. هذا اكتشاف أم ربيع التي أتت لتتسوّق مع جارتها ليلي (المنتمية إلى فريق سياسي مختلف عنها). تشير إلى أنهما تتشاجران كثيرًا في مواسم الخطابات. إلا أن الأسواق والتبضع يوحدّانهما لأنهما من طبقة اقتصادية متقاربة جدًا. وترى أن على كل أسرة اختيار ما يناسب قدراتها في العيد.

إهداء الذات .. أولاً
في أحد المحال المخصصة لبيع الأجهزة الهاتفية الخلوية، توجهنا لصاحب المحل بالسؤال quot;لمن يزّين متجره، وهل الموبايلات تندرج تحت خانة الهدايا المتبادلة في الأعيادquot;، فأشار إلى أن quot;الأمر ما بيخلى في بعض الأحيانquot;، مستدركًا بابتسامة quot;ولكن معظم الذين يشترون الأجهزة الخلوية هذه الأيام يهدون أنفسهم بها، لكون أسعارها قد تخرج لدى معظم الناس عن متناول الموازنات المخصصة والمعدة سلفاً للقوائم العائلية السنوية التي لا بدّ منها، برأيه.

يقاطع أحد الشبان الموجودين في المحل معلّقًا quot;أعرف شبانًا كثرًا يهدون بناتًا يوددن التقرب منهن في عيد الميلاد هدايا ثمينة تفوق مرتب شهر كامل أحيانًا. quot;وإذا ما ظبطتquot; يسأل زميل له، فيأتي الردّ quot;بيكون أخد رقمها عالقليلي وإلا ما تظبط شي مرةquot;.

سمير يدخّر منذ 3 أشهر لسهرة رأس السنة فقط، فليلة عيد الميلاد quot;نتشاركها مع العائلةquot;. أما في quot;النيو ييرquot; بحسب تعبيره، فـ quot;بدنا نولعهاquot;. مؤكدًا أنه يضطر للسهر في أماكن أعلى من مستواه الاجتماعي لمجاراة رفاقه والتطلع إلىالأمام كطموح مشروع.

زحمة المجمعات التجارية لا تعني بالضرورة انتعاشًا في المبيعات، تؤكد إحدى البائعات شارحة أن الناس يأتون للتنزه وملاقاة بعضهم بعضًا في أحد المقاهي أو المطاعم. أما عن المبيعات فهي ليست كالسنوات السابقة في مثل هذه الأيام.

بين quot;النوفو ريشquot; والـquot;second Handquot;
وائل، فراس، وطارق ثلاثة شبان يجولون في متجر معروف، فارغي الأيدي. إنها جولتهم الأسبوعية المعتادةكما يؤكدون. هم لا يدّخرون للعيد شيئًا من مداخيلهم، لأنهم quot;مفلسين خلقةquot;، ولأن الأسعار quot;نار بتكوي وما بترحمquot;. في منزل وائل مصروف العيد ليس بالكبير أصلاً كما يشرح quot;لأننا عائلة صغيرة، ولا أطفال بينناquot;.

في حين تقتصر مصاريف العيد لدى عائلة فراس على quot;البوش دو نويلquot; أو كعكة عيد الميلاد، ولوازم تحضير غداء العيد، إضافة إلى الهدايا المتبادلة، التي يؤكد أنها باتت تأخذ منحى رمزيًا أكثر فأكثر مع السنين مع quot;هرولةquot; الأسعار المزمن إلى الأمام.

أما طارق فيأسف لكون quot;الأعياد لم تعد لناquot;، فباعتقاده أن quot;النوفو ريشquot; (أي الأغنياء الجدد) احتكروها، وفصّلوها على قياسهم، وبات لزامًا على كلّ من يودّ إحياء عيد الميلاد ورأس السنة خاصة كما ينبغي التشبّه بهم. متمنيًا لو كانت هناك حفلات أو هدايا quot;second handquot; على غرار الأجهزة الخلوية والسيارات المستعملة quot;لتشبهنا وتتأقلم مع معاشاتنا التعبانةquot;.