يكثر الحديث في هذه الأيام عن إشاعة متداولة في الأوساط الإقتصادية والإجتماعية في السعودية حول إمكانية إقرار نظام التمويل الشخصي لمدة 10 سنوات ما يعادل 30 راتبًا مما يتقاضاه الفرد، وعودته للحياة مرة أخرى، بعد أن تم إيقافه في أواخر العام 2005.

الرياض: في تلك الايام التي تزامنت مع فورة الأسهم وإنفجار مؤشر السوق وصعوده الى مستويات كبيرة وصلت الى 23000 الف نقطة (حاليًا يصارع من اجل اجتياز حاجز الـ 6500 نقطة بصعوبة!!) وإرتفاعه بنسب مذهلة ، عطفًا على إنتشار العديد من المساهمات العقارية ، وخلق اجواء استثمارية للفرد اختلطت فيها المخاطر بالربح السريع والغير مضمون ، كانت البنوك السعودية قد شمرت عن سواعدها بكل قوة - وربما بكل سهولة اذا نظرنا لاحجام الطلب على القروض - للإقدام على إقراض الشعب ممن لديهم راتب شهري ووظيفة في قطاع حكومي أو شبه حكومي مضمون معدوم المخاطر، وصلت في تلك الأيام إلى مليارات الريالات، لمدة 10 سنوات مع إمكانية خصم نسبة 50% من الراتب الشهري خلال تلك المدة.

وبالنظر الى المخاطر التي ينظر اليها الاقتصاديون عادة ، نجد ان نسبة التضخم ترتفع نظرًا لارتفاع السيولة بشكل كبير ، يصاحبه ارتفاع كبير في الاسعار ، بالتالي يتضرر ذوو الدخل المنخفض او من ليس لهم علاقة بالاستثمار او غيره ، الذين لا يملكون ما يدخرونه من دخلهم شهريًا.

من ناحية اخرى ، ينظر للموضوع من ناحية اجتماعية في ارتباط الشخص بقرض بنكي لمدة 120 شهر تبدو كثيرة ورقم صعب ، اذا لم تكن الظروف تسمح لهذا الشخص في اكمال وظيفته لسبب او لاخر ، مما يعرضه لمخاطر الافلاس والملاحقات القانونية.

ولا يتواكب وجود قرض شخصي بهذا الحجم مع القروض العقارية التي اقرتها مؤسسة النقد بعد الغاء تخفيض السقف الاعلى للتمويل الى 15 راتبًا في تلك الايام ، حيث من الصعب التوجه الى تسويق هذا المنتج المهم في الاقتصاد القومي في ظل وجود خيار اكثر من جيد متمثلاً في القروض الشخصية الاقل مدة وتكلفة من القروض العقارية.

يقول احد الاشخاص ممن حصلوا على قرض شخصي لمدة 10 سنوات ، انه يتمنى عودة عقارب الساعة للوراء لكي لا ادخل في هذه المغامرة التي كلفتني الكثير ، حيث استثمرت كامل المبلغ الذي حصلت عليه في سوق الاسهم، وبعد انخفاض المؤشر خسرت ما يقارب الـ 60% من راس المال ، وبعد الازمة العالمية للعام الماضي خسرت ما يقارب الـ 85 %، وانا الان ادفع نصف راتبي تقريبًا للبنك دون اي فائدة لي!

ويقول اخر، ان التخطيط السليم لاستخدام القروض هو الكفيل لتجنب الوقوع في المشاكل، حيث ان اغلب هذه القروض استهلاكية ويتم صرفها بشكل عشوائي وغير سليم مما يكبد اصحابها خسائر فادحة.

الا ان شخصًا اخر ممن لم يحصلوا على مصل هذه القروض يجد ان قرار عودتها ضروري لان الاسعار في ارتفاع ولا توجد امكانية لحلها الا بمثل هذه القروض الكبيرة ، قس على ذلك ايضًا ، اسعار العقارات التي لا تهدأ عن الصعود عطفًا على ايجارات المنازل!

ويرى احد المصرفيين وهو عضو في الجمعية السعودية للادارة ان قرار تخفيض السقف الاعلى للقروض يعتبر قرارًا صائبًا ويصب في المصلحة العامة ، وهو يعالج معدلات التضخم ولو بنسبة بسيطة ، ويخفف من الحمل على دخل المواطن الذي ربما لا يستطيع ان يقيس حجم المخاطرة في الدخول في مثل هذه العقود ، ويضيف قائلا: ان القرض الشخصي الاستهلاكي يجب الا يتجاوز 10 الى 15 مضاعفًا للدخل الشهري للفرد ، وإلا لا يمكننا تسميته بقرض شخصي استهلاكي.

وحول تضرر البنوك من هذا القرار ، يعلق الخبير الاقتصادي قائلاً، ان البنوك لديها قنوات استثمارية كبيرة وليست مقتصرة على التمويل الشخصي بهذه الطريقة ، وخير دليل على عدم تضررها ارتفاع معدلات الربح لهذه البنوك خلال الفترة من 2005 الى 2007 حوالى 60% تقريبًا ، اذا استثنينا من ذلك تضررها بالازمة الاقتصادية العالمية وانهيار البنوك في 2008.

ويشدد الخبير الاقتصادي على دور مؤسسة النقد المهم في المحافظة على التوازن بين السياسة المالية والسياسة النقدية حتى يتحقق التوازن في الاقتصاد الكلي ، ويتمثل ذلك في قرارات المؤسسة في الحفاظ على مستويات التضخم بشكل طبيعي داخل المنظومة الاقتصادية.

ولم يظهر تأكيد او نفي حول هذا الموضوع من قبل الجهات المعنية ، الا ان اغلب الاراء الاقتصادية وتقارير المحللين تفضل عدم العودة لهذا النظام مجددًا كون اضراره اكبر من منافعه.