ستراقب الأسواق شيئاً واحداً فقط في حال وجهت إسرائيل ضربة عسكرية لإيران بسبب أنشطتها النووية، وهو رد الجمهورية الإسلامية، وقد يتراوح نطاق هذا الرد بين زيادة وجيزة في أسعار النفط ودفع العالم للعودة إلى الأزمة الاقتصادية.

لندن: قد يصنع رد إيران على أي هجوم تشنّه إسرائيل على منشأتها النووية الفارق بين ومضة عابرة في الأسواق المالية وبين زلزال قوي يزج بالعالم في براثن أزمة اقتصادية جديدة.

ويتوقّع مايكل ويتنر رئيس أبحاث الطاقة في سوسيتيه جنرال أن quot;تقفز الأسعار عشرة دولارات أو عشرين دولاراً مع الضربة الأولىquot; المحتملة من إسرائيل نحو إيران. فمن شأن مثل هذه الضربة بالتأكيد أن تدفع أسعار النفط للصعود بشكل حاد وترسل موجات صدمة عبر الأسواق.

أما متسا رحيمي محللة الاستخبارات في مؤسسة جانويان للاستشارات، ومقرها لندن، فرأت أن quot;المشكلة هي أن رد الفعل لا يمكن التنبؤ به على وجه التحديد، ولا يمكن ببساطة القول على وجه اليقين ماذا سيحدث بعد ذلكquot;. ووافقها ويتنر في ذلك موضحاً أن quot;الأسواق ستكون نافذة الصبر، لكنها ستنتظر لمعرفة المزيد. وستريد معرفة إذا ما كان ذلك هجوماً لن يتكرر، أم أنه بداية لحملة طويلة ومستمرة من التفجيراتquot;.

ويتوقع السيناريو الأسوأ أن يسود الذعر. وكانت آخر عمليات البيع بسبب الذعر عبر الأسواق في سبتمبر/ أيلول 2008، عندما تسبب الانهيار المفاجئ لبنك ليمان براذرز بانتشار إعادة تقويم المخاطر، ما أدى إلى انهيار الأسواق، وأضر بالتجارة الدولية وتسبب بركود عالمي.

وذكر جيف تشودري رئيس قسم أسواق الأسهم الصاعدة في مؤسسة فورين وكولونيال لإدارة الصناديق ومقرها لندن quot;يمكنك بالتأكيد أن تتوقع ارتفاعاً كبيراً في أسعار النفط - ربما تتجاوز 100 دولار - إلى جانب انتشار العزوف عن المخاطرة بدرجة كبيرة. سيبيع الناس أي شيء يرونه ينطوي على مخاطرة دون تفرقةquot;.

ولا يتوقع تشودري أن يكون أي انهيار مرتبطا بهجوم في إسرائيل بهذا العنف أو الأثر الممتد. لكنه توقع أن يكون له التأثير نفسه على المستثمرين بشكل جماعي على الأقل في مراحله المبكرة. وستتضرر أسواق الأسهم الناشئة المتقلبة، مثل روسيا والبرازيل والفلبين، أكثر من إسرائيل، التي اعتادت منذ نشأتها على الصراعات والمعروفة بتذبذبات أقل كثيراً في الأسعار.

وبحسب تشودري، فإن الدول المنتجة للنفط مثل روسيا ونيجيريا قد تستفيد على المدى البعيد من ارتفاع أسعار النفط، لكن أسواق الأسهم بتلك الدول ستتأثر بالاتجاه العام على المدى القريب. كما أنه من المرجح أن تتضرر أسواق العملة الصاعدة. ومن المرجح أيضاً أن تكون أسهم شركات الطيران بالتحديد عرضة للتأثر بعاملي ارتفاع أسعار الوقود وزيادة المخاوف الأمنية اللذين قد يتسببا في تراجع الإقبال على السفر. وستعتمد جدية واستمرار تلك الضربة على تطور الأحداث في حينها. وقد تقرر إيران الانتقام من خلال هجمات تشنّها نيابة عنها جماعات، مثل حركة المقاومة الإسلامية quot;حماسquot; في الأراضي الفلسطينية وحزب الله في لبنان.

لكنها قد ترد أيضاً بمهاجمة إسرائيل بصواريخ تقليدية ذاتية الدفع أو بالتحرك لإغلاق مضيق هرمز، الذي تمر منه 40 % من حركة الشحن البحري للنفط في العالم يومياً. ويتوقع تشودري أنه quot;إذا حدثت سلسلة من الضربات المنفردة، فربما يأتي الرد عن طريق حماس وحزب الله بصورة ما. وأعتقد أننا سنرتد سريعاً. لكن إذا دخلت الدولتان في صراع شامل ممتد فسيكون الوضع أكثر سوءاًquot;.

ومن شأن أي حادث في مضيق هرمز أن يؤدي إلى طفرة ثانية في أسعار النفط لما يصل إلى 150 دولاراً للبرميل، إضافة إلى رد فوري من جانب القوات الأميركية، التي تهدف إلى تطهير الممر المائي وتحييد السفن وطائرات الهليكوبتر والغواصات الإيرانية التي تزرع الألغام فيه.

وتنبأ ويتنر المحلل لدى سوسيتيه جنرال أنه quot;إذا أمكنهم إغلاق مضيق هرمز، عندها سترتفع الأسعار بشكل كبيرquot;، محذّراً من أن حتى إفلات ناقلة نفطية من قذيفة قريبة، من شأنها تعطيل الشحن لأسابيع. وأي شيء يعطّل صادرات النفط الإيرانية من شأنه أيضاً أن يدفع الأسعار العالمية للصعود. وتنتج إيران نحو 3.75 ملايين برميل يومياً، أي ما يعادل 4.4 % من الطلب العالمي. وقد تضطر الصين، وهي مستهلك رئيس، للحصول على إمدادات من دول أخرى.

ومن شأن أي صراع غير متوقع في منطقة الشرق الأوسط أن يكفي لصنع الفارق بين تجدد الانتعاش - على ضعفه - وبين الانهيار من جديد. واعتبر أنتوني سكينر محلل المخاطر السياسية لدى مؤسسة مابلكروفت للاستشارات أنه quot;قد يكون حدثاً من نوعية (انهيار بنك) ليمان، وأن التعافي الاقتصادي العالمي هش للغاية، والحكومات بدأت لتوها تسحب حزم التحفيز، وما زلنا معرضين بدرجة كبيرة لتكرر الركود. وقد تكون تلك نقطة التحولquot;.

وأشار سكينر إلى أن فرص أن تشنّ إسرائيل هجوماً هذا العام من وجهة نظره 50 % أو أكثر - رغم أن ذلك وحده لن يكون كافياً لإحداث انهيار عالمي على مستوى ما أحدثه انهيار بنك ليمان براذرز دون رد إيراني صارم. وستتزايد احتمالات ذلك الهجوم خلال العام ونصف العام المقبلين، إذا أصرت إيران على المضي قدماً في برنامجها العسكري.

مواجهة إيران-إسرائيل تؤرق مستثمرين
إلى ذلك، وصف في واشنطن هذا الأسبوع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برنامج إيران النووي بأنه quot;تهديد لم يسبق له مثيل للبشريةquot;. وشبه طهران بألمانيا عام 1938 حين دبرت محارق النازي. واستهدفت كلماته مسعى الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى كسب الوقت لفرض عقوبات على إيران، وذكر الرئيس الأميركي باستعداد إسرائيل للتوقف عن الحديث والتصرف من أجل مصلحتها. لكن الأسواق المالية لم تتحرك قيد أنملة بسبب هذه التصريحات.

ويضع المتعاملون خاصة في مجال النفط في اعتبارهم دوماً بعض التهديد للإمدادات بعد سنوات من تبادل العبارات الغاضبة بين طهران وإسرائيل. لكن بخلاف ذلك يواجه المستثمرون لغزاً عميقاً. ويصعب الحكم على احتمال أو توقيت أي صراع، فضلاً عن نطاقه الجغرافي ومدته ونتيجته. والأسئلة المهمة بالنسبة إلى المستثمرين هي هل ستشنّ إسرائيل هجوماً، وهل ستفعل هذا بمفردها. متى.. وماذا سيحدث بعد ذلكquot;.

والإجابات الأرجح ربما تكون من المحتمل جداً. محتمل إلى حد بعيد. ربما خلال عام. غير أن حتى نتنياهو نفسه لا يستطيع أن يعرف كل الإجابات. غير أن الإسرائيليين يشيرون إلى أن الزعماء الإيرانيين كانوا قد صرحوا بأنهم سيضربون المصالح الأميركية إذا شنّت إسرائيل هجوماً. وفي هذه الحالة ربما يقل الخطر الذي تتعرض له إسرائيل بمواجهة إيران بمفردها.

التأثير الاقتصادي إذا وجهت إسرائيل ضربة لإيران
وفي السياق نفسه، إذا وجهت إسرائيل ضربة عسكرية لإيران بسبب أنشطتها النووية، فستراقب الأسواق شيئاً واحداً فقط هو الرد الإيراني. وقد يتراوح نطاق هذا الرد بين زيادة وجيزة في أسعار النفط ودفع العالم للعودة إلى الأزمة الاقتصادية.

بعض السيناريوهات المحتملة
وقالت جالا رياني محللة شؤون الشرق الأوسط لدى اي.اتش.اس جلوبل انسايت quot;ربما يكون من الأنسب بالنسبة إلى الإيرانيين أن يلعبوا دور الضحية. وربما يستغلون ذلك أيضاً لتعزيز شرعية النظام داخلياًquot;. وقد تدفع أنباء الضربة أسعار النفط للارتفاع 10-20 دولاراً، وتسبب هروباً واسعاً للمستثمرين إلى أصول أكثر أمناً، مثل أذون الخزانة الأميركية، في حين ستتضرر الأسهم والعملات المحفوفة بمخاطر. لكن ستتعافى الثقة إذا لم يحدث تحرك آخر.

وقد تكون الأسواق الإسرائيلية المعتادة نسبياً على الصراع أكثر صموداً في مواجهة الأنباء الاولية. ويلمح بعض المحللين إلى أن توجيه ضربة ناجحة من شأنها أن تؤخر البرنامج النووي الإيراني بدرجة كبيرة، قد يكون إيجابياً للأسواق الإسرائيلية.

انتقام بالوكالة
وترى رياني أن quot;الرد الأرجح سيكون زيادة أنشطتهم التخريبية في أنحاء الشرق الأوسط. ستتركز على الأرجح في فلسطين ولبنان وبدرجة أقل في الخليجquot;. وقد يكون لذلك بعض التأثير قصير الأجل على أسعار النفط، لاسيما إذا شملت الهجمات العراق، لكن الأسواق العالمية بوجه عام لن تتأثر بدرجة تذكر. كما لن تتأثر الأسواق الإسرائيلية على الأرجح بالهجمات المبدئية، لكن استمرار الهجمات لفترة طويلة سيبطئ الاقتصاد، وسيعزز الإنفاق الدفاعي، ويضر بالأسواق، مثلما حدث خلال الانتفاضة الفلسطينية.

ارتفاع أسعار النفط
ومن السيناريوهات المطروحة كذلك أن تتصاعد أعمال العنف بالوكالة، لتشمل هجمات من النشطاء على أهداف غربية ونفطية.
ومن المؤكد أن أسعار النفط سترتفع، رغم أن مهاجمة مدن إسرائيلية لن يكون له أي تأثير مباشر على إنتاج النفط. وستشهد الأسواق العالمية الأوسع عمليات بيع واسعة، وتترقب بقلق أي تصعيد آخر. وقد تكون الأسواق الإسرائيلية أكثر صموداً مجدداً. وكانت الأسواق ارتفعت بالفعل في يناير/ كانون الثاني 1991 خلال الهجمات الصاروخية، رغم أنه اتضح أن الضربات ليست كيماوية، ولا تسبب أضراراً كبيرة. وسيتوقف الكثير على حجم الأضرار ومدة الضربات الصاروخية.

إغلاق مضيق هرمز
في المقابل، إذا نفّذت إيران تهديدها بإغلاق مضيق هرمز أمام الحركة لتمنع تدفق نحو 17 مليون برميل يومياً من النفط تمثل حوالى 40 % من إجمالي تجارة النفط المحمولة بحراً، فقد يستدعي ذلك رداً سريعاً من القوات الأميركية. وأوضح مايكل ويتنر رئيس أبحاث الطاقة في سوسيتيه جنرال أنه quot;مجرد صدور تهديد له مصداقية أو حدوث شبه خطأ سيرفع أسعار الشحن. عندئذ لن ينقل أحد نفطاً من هناك لمدة أسبوعين، إلى أن تعيد بحرية أي طرف السيطرةquot;.

ويقدر محللون أن ذلك يمكن أن يرفع أسعار النفط باتجاه 150 دولاراً للبرميل. وقد يستفيد منتجون آخرون للنفط مثل روسيا ونيجيريا وأنغولا، لكن ارتفاع تكاليف الوقود سيخفض النمو على الأرجح في كل مكان. وسيتعين على الصين الوجهة الرئيسة للصادرات الإيرانية السعي إلى الحصول على إمدادات من مناطق أخرى. وستعاني الأسواق المالية الأخرى، وتتراجع بشكل حاد، إذا اعتقدت أن التعطيل سيكون طويل الأجل.

كذلك يتوقع أن تتأثر الأسواق الإسرائيلية بالاضطرابات الأوسع، رغم أن التأثير ربما يكون على الأرجح أقل منه في الأسواق الصاعدة المتقلبة الأخرى.

ومن شأن تصاعد العنف في الشرق الأوسط أن يضع علاوة أكبر على سعر النفط، بسبب المخاطر، ما سيرفع الأسعار، ويمكن أن يقوّض التعافي العالمي من الأزمة المالية. وقد يحول أيضاً المستهلكين باتجاه الموردين غير الشرق أوسطيين وتقنيات بديلة.
وسينظر المستثمرون إلى إسرائيل أيضاً على أنها محفوفة بمخاطر أكبر، في الوقت الذي سيؤثر فيه ارتفاع الإنفاق الدفاعي على الاقتصاد.