إلياس توما من براغ: يختلف عيد الفصح في تشيكيا عن عيد الميلاد بأنه لا يعتبر العيد الرئيس على خلاف الوضع بالنسبة إلى مسيحيي الشرق، ولذلك فإن حجم الإنفاق الأسري فيه لا يمكن مقارنته بالإنفاق الهائل الذي يسجل خلال عيد الميلاد.

ويرتبط الإنفاق الكبير في عيد الميلاد بتبادل الهدايا بين الناس وبمظاهر الزينة الكبيرة التي تسجل في المنازل والشوارع والساحات المختلفة في كل مدينة وقرية، في حين يتراجع الإنفاق في عيد الفصح، لسببين، الأول أنه يحل في الربيع، وبالتالي تعمد الكثير من الأسر إلى الإبقاء على مدخراتها، حتى تتمكن من التمتع بإجازة مناسبة عند البحر خلال الصيف، والثاني اقتصار الإنفاق على تغطية النشاطات التي تصاحب الاحتفالات بالعيد، والتي يخلو منها تبادل الهدايا.

وبالنظر إلى كون هذه الاحتفالات تتركز بشكل رئيس على زيارة الأقارب والأصدقاء والعمد هناك، ولاسيما في الريف إلى ضرب مؤخرات النساء من مختلف الأعمار بعصي غضة من الصفصاف تسمى quot;بوملازكاquot;، لكن بشكل رمزي، وحصول الشباب مقابل ذلك على الحلويات والبيض الملون وعلى قدح من الشراب، فإن معظم الإنفاق يتم عادة على شراء البيض والسكاكر والشوكولاته وأيضاً على الكحول.

ويؤكد مدير قسم الاتصالات والإعلام في شركة quot;أهولدquot;، التي تتبع لها محال quot;ألبيرتquot; ليبور كيتير لـquot;إيلافquot; أن مبيعات محال شركته قبل العيد يرتفع بشكل دراماتيكي في مجال بيع البيض، حيث يتم بيع نحو 15 مليون بيضة. أما خلال الأيام العادية في الأسبوع فيتم عادة بيع نحو 2.5 مليون بيضة فقط.

وبالتوازي مع تنامي الإقبال على اقتناء البيض، يتنامى أيضاً بيع الشوكولاته واللحم والكحول حسب قوله بنسبة 30 %، ولذلك اعتبر أن عيدي الميلاد والفصح هما من أكثر الأعياد التي تنشط فيها المبيعات في شركته. من جهتها، تؤكد الناطقة الصحافية باسم شركة تيسكو أيفا كاراسوفا لـquot;إيلافquot; أن مبيعات البيض في محال شركاتها ترتفع إلى نحو 17 مليون بيضة قبل العيد، الأمر الذي يمثل زيادة بمقدار 80 %. أما العصي التي يتم استخدامها للضرب، والتي يكون طولها عادة نحو 90 سنتم، فيتم بيع نحو 35000 ألف قطعة منها قبل العيد.

وتضيف أن الإنفاق الأكبر يتم صرفه في تشيكيا قبل العيد على المواد الغذائية والمشروبات الروحية وغير الروحية، مشيرة إلى أن بيع المشروبات الكحولية يرتفع إلى نحو 50 % قبل العيد مقارنة بغيرها من الفترات، باستثناء فترة ما قبل عيد الميلاد.
ويعترف المسؤولون في تيسكو والبيرت وغيرها من سلسلة المحال الكبيرة بأن الأزمة الاقتصادية العالمية تترك بصماتها بشكل واضح على الإنفاق المالي للتشيك في هذا العيد، خاصة وأن عدد العاطلين عن العمل في بلد صغير نسبياً مثل التشيك قد تجاوز النصف المليون، فيما لا تزال المخاوف قائمة بقوة لدى الكثيرين من فقدان أعمالهم مستقبلاً.

وقد سألت quot;إيلافquot; العديد من الأسر التشيكية في براغ فيما إذا كانت تخطط لإنفاق أموال في هذا العيد، فكان جواب غالبيتها بأنها لن تنفق سوى ما بين 70ـ 150 دولاراً فقط على القضايا المرتبطة مباشرة باحتفالات العيد، بينما لن تقدم على شراء الألبسة الجديدة، كما يفعل البعض في مثل هذه الفترة من العام. وبالنظر إلى كون العيد يعتبر حدثاً ساراً، فإن الحديث عن طقوسه في تشيكيا قد تكون مفيدة لتعريف قراء إيلاف به، بعيداً من لغة الأرقام والحسابات.

وحسب المصادر التاريخية من القرنين التاسع عشر والعشرين، فإن استخدام quot;البوملازكاquot; هو تقليد قديم، تطور في الأقاليم والمحافظات الغنية، غير أنه أخذ أشكالاً مختلفة في كل منطقة من المناطق. وخلافاً للمدن الكبيرة التي تراجع فيها التقليد بشكل كبير، واقتصر الأمر على وسط العائلة الضيق وربما على جيران تربطهم علاقات قوية، فإن التقليد يتم التمسك به بقوة في الريف، فإضافة إلى أفراد العائلة والأقارب تتم زيارة الجيران.

وبغض النظر عن المكان والزمان، فقد ظل تقليد quot;بوملازكاquot; حدثاً اجتماعياً وشكلاً من أشكال التواصل بين الرجال والنساء، ولا سيما بين الشباب والفتيات، ولا يلعب دوراً في هذا التقليد الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي للرجال أو النساء، وإنما الأمر الحاسم فيه هو أنه مداعبة تتم من قبل الرجال للنساء، ولم ينظر إلى هذا التقليد أبداً على أنه نوع من التسول، مع أنه يترافق دائماً بتقديم هدايا تتراوح بين الفواكه والحلوى والأموال والبيض.

وينظر للآداب الشعبية التشيكية إلى البيض على أنه رمز الحياة وأنه يمتلك سلطات سحرية، ولذلك يفضل البيض الملون بألوان مختلفة وعليه رسومات مرحة. ووفقاً لهذا التقليد، يحق للشباب وللرجال التوجه نظرياً بعد منتصف الأحد إلى منازل الفتيات والنساء المحببات لديهم أو زميلات لهم في المدرسة أو في الحي وطرق أبوابهن لضربهن على مؤخراتهن بهذا النوع الغض من العصي الذي لا يؤلم فيما لو استخدم بلطف، لكن العادات المتبعة الآن بشكل رئيس هي أن هذه الزيارات تتم صباح الاثنين، وليس ليلاً.

ويرحّب عادة آباء الفتيات بالوافدين إليهم، ويقدمون لهم بعد quot;إنجازهمquot; مهمتهم كأساً من النبيذ أو غيره من الكحول، وأحياناً الأكل الخفيف، فيما تقدم الفتيات والنساء quot;لجلاديهنquot; الحلوى والبيض الملون المعد مسبقاً، كما يقمن بربط قطعة نسيجية ملونة على العصي اللواتي ضربن بهن، ثم يتم تبادل التهنئة بالعيد، والانتقال إلى منزل آخر لتكرار الأمر.

وكانت من العادات المتبعة في هذا المجال في السابق طوفان المهنئين بالعيد من الشباب، ولاسيما من العاشقين بعد منتصف الليل تحت نوافذ بيوت فتياتهم والغناء لهن بصوت مرتفع كنوع من الجهر بحبهم، غير أن هذه العادة تراجعت كثيراً، باستثناء منطقة ناسلوفاتسكو. وتؤكد الفتيات اللواتي سألتهن إيلاف في براغ عن رأيهن بهذا التقليد بأنهن لا يتذمرن منه، رغم الخشية أحياناً من أن يزيد البعض العيار، ويضربهن بشكل مؤلم.

ويثير التقليد التشيكي هذا استغراب بعض الأجانب الذين يحضرون بالصدفة إلى تشيكيا للاحتفال بعيد الفصح، حيث يقولون إن هذا الأمر يبدو كأنه نوع من العنف المنزلي، غير أن معظم التجمعات التشيكيات الناشطة في مجال محاربة العنف المنزلي لا توافق على هذا التقويم، وتؤكد مع الرجال الحريصين على الاحتفاظ بهذا الحق لهم على الأقل يوماً واحداً في العام، لأن الأمر فيه مرح وصداقة ومحبة، وليس له صلة بأي شكل من الأشكال علاقة بالعنف المنزلي. أما التبريرات التي تقدم للاحتفال بالفصح بهذا الشكل فتقول إن الضرب بأغصان الأشجار الطرية يرتبط بنقل قوة الطبيعة التي تستيقظ في فصل الربيع إلى الرجال ونقل العافية والخصوبة والرشاقة والجمال إلى النساء.