حذّر خبراء من أن تستحوذ البنوك الخاصة العاملة في مصر على معظم الودائع داخل النظام المصرفي المصري خلال السنوات الخمس المقبلة، وعلى جزء كبير من حصص الحكومة داخل البنوك العامة. بعدما تمكنت في 7 سنوات من جمع ودائع بلغت 500 مليون دولار، محاولة التوسع وزيادة الرأسمال وإنشاء فروع جديدة.

القاهرة: يرى خبراء اقتصاد أن دخول البنوك الأجنبية إلى مصر كان له أثر بالغ في النظام المصرفي المصري، فهذه البنوك حققت ما كانت ترجو من مكاسب وأرباح على حساب الدخل القومي، خاصة وأنها توجه المدّخرات والودائع لاستثمارها خارج مصر.

في البداية، أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور حمدي عبد العظيم أنه quot;ما من شك في أن البنوك الأجنبية دخلت في إطار عملية إعادة الهيكلة في النظام المصرفي المصري، وفقاً لسياسة الخصخصة، وما تبعها من عمليات بيع لبنك الأسكندرية، الذي تم الاستحواذ عليه من جانب بنك إيطالي وبعض البنوك الأخرى، مثل بنك بلوم وبنك عودة اللبنانيين، وكان من الصعب على هذه البنوك الدخول إلى السوق المصرية بشكل مباشر، لذلك لجأت إلى الدخول كمساهمة في بنوك مصرية موجودة بالفعل، وبالتالي تمكنت من العمل داخل الجهاز المصرفي المصري.

وأشار عبدالعظيم إلى أن هذه البنوك تحصل على تعليماتها وتستمد سياساتها من المراكز الرئيسة في الخارج، وخاصة في التصرف في كل ما يتعلق بالودائع والمدخرات، سواء بالعملة المحلية أو العملة الأجنبية، وفي الغالب يتم توجيه هذه المدخرات والودائع لاستثمارها خارج مصر. ورأى أن هذا الإجراء لا يخدم الدخل القومي بالشكل المطلوب، المستهدف من هذه البنوك.

ولفت عبد العظيم إلى أن quot;هذه البنوك تمكنت منذ عام 2003 وحتى الآن من جمع ودائع من العملة الصعبة بلغت 500 مليون دولار، وتحاول التوسع وزيادة الرأسمال وإنشاء فروع جديدة، وتدريجياً من الممكن أن تستحوذ هذه البنوك على معظم الودائع داخل النظام المصرفي المصري خلال السنوات الخمس المقبلة، وعلى جزء كبير من حصص الحكومة داخل البنوك العامة.

تركز هذه البنوك في آليات عملها، بحسب عبدالعظيم، على تمويل الأنشطة ذات الطابع الاستهلاكي والمضاربة والتمويل العقاري والسياحي والأوراق المالية، أي الاستثمارات عالية الربحية وعالية المخاطر في الوقت نفسه، وبالتالي لا تلعب هذه البنوك دوراً له قيمة في الاستثمار الزراعي والاستثمار في الصناعات التحويلية، موضحاً أنّ quot;خروج أرباح هذه البنوك إلى الخارج بالعملة الأجنبية يحرم الاقتصاد الوطني من إعادة تدوير هذه الأموال داخله، ويؤثر سلبياًفي ميزان المدفوعات وعلى قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية الأخرىquot;.

من جانبه، أكد الدكتور مختار الشريف، أستاذ الاقتصاد، أن البنوك الخاصة شأنها شأن أي شركة خاصة تتلقى الودائع وتعيد ضخّها في صورة استثمارات لمن يريد الاستثمار، ومن خلال الفرد تتحقق الأرباح الخاصة بها، واشترط قانون البنوك الجديد وفقاً لقواعد بازل ألا يقل رأسمال البنك المركزي عن 500 مليون جنيه مصري، وعليه فالبنك المركزي اشترط ضرورة أن يكون البنك الخاص بنكاً قوياً، سواء من حيث الرأسمال أو الكوادر الموجودة فيه.

وذكر أنّ البنوك الأجنبية تلعب دوراً مهماً في تسهيل عمليات التعامل التجاري والمالي بين بلدها الأصلي والبلد الذي يعمل فيه الفرع، وعليه يساهم إلى حد كبير في تسهيل عمليات التبادل التجاري، عبر فتح الاعتمادات المالية.

وشدد الشريف على أن البنوك الخاصة ليس الغرض منها القيام بعمليات استثمار، ولكن تسهيل عمليات التبادل التجاري بين الدول، واصفاً البنك الذي يجمع استثمارات ويعيد ضخها في المجتمع من خلال استثمارات قصيرة المدى في البنك الاستثماري المتخصص. وأشار إلى أنه لا يستطيع أي مستثمر الاقتراض من البنوك الأجنبية، فلابد أن يكون مركزه المالي قوياً، وله نشاطات تجارية ضخمة.

ورأى الشريف أنه من الخطأ أن نطلب من البنوك الأجنبية تقديم خدمات ذات منظور استثماري، لأنها قائمة على تقديم خدمات تجارية مصرفية، لكون البنوك التجارية تعمل وفقاً لمبدأ التخصص. وأصبح العملاء لا يهتمون بنوع البنك الذي يتعامل معه بقدر اهتمامه بنوع وجودة وتكلفة الخدمة المقدمة وبفوائد أقل، لأن التعامل في مجال المال خال من العواطف، حاصراً الهدف في تحقيق الربح، ولافتاً إلى أن هذه البنوك تمكنت إلى حد كبير من تسهيل التعاملات، من خلال الاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة.

بدوره، أكد الدكتور عبد الرحمن بركة، رئيس بنك مصر رومانيا، أن البنوك في مصر لعبت دوراً قوياً في دفع عجلة النمو الاقتصادي والتنمية في داخل السوق المصرية، وأن البنوك في مصر كانت تقوم بهذا الدور، مع عملية الانفتاح الاقتصادي في مصر وتطور عملها، كما قامت بدور كبير عقب حقبة الانفتاح الاقتصادي، وهذا الدور شاركت فيه البنوك الخاصة والبنوك العامة على السواء، حيث تطورت الخدمات المالية، لكنه أسف لأن quot;هذه البنوك لم تؤد الدور المطلوب منها في التنمية الاقتصادية، فأصبحت البنوك لا تبحث عن مشروعات جديدة، ولا تقوم بتمويل مشروعات كبيرةquot;.

وطالب بركة بضرورة لعب البنوك الخاصة دوراً أكبر في مجال المساهمة في عمليات التنمية الاقتصادية في مصر، مشيراً إلى أن القوانين والتشريعات المنظمة للعمل المصرفي من أفضل ما يمكن أن تكون عليه الآن، حيث يقوم البنك المركزي بدور كبير جداً لمساعدة البنوك العامة والخاصة على السواء، وهنا لا يكمن العيب في التشريعات أو القوانين، ولكن لعدم رغبة البنوك في لعب الدور المنوط بها، لأن الإدارات الموجودة في هذه البنوك لا تمتلك القدرة الكافية على اتخاذ القرارات، وليس لديها نظرة إلى البعد الاقتصادي القومي، والقدرة على تسيير العمل المصرفي بشكل أفضل مما هي عليه.