لأنّ منتخبهم الوطني يتأهب لخوض ثالث مونديال في تاريخه بعد غياب استمر 24 عاماً، فإنّ الجزائريين لا يترددون عن رصد ميزانيات ضخمة لمواكبة الحدث الكروي العالمي، ما أنتج ثورة تجارية رياضية تتوقف quot;إيلافquot; عند تفاصيلها.

الجزائر: تعيش الجزائر تحولاً تجارياً فارقاً منذ شهر أكتوبر- تشرين الأول الماضي، حين كان المنتخب الجزائري لكرة القدم على مرمى قدم من اقتطاع جواز المرور إلى نهائيات كأس العالم في جنوب إفريقيا، وتزايدت حدة هذه الطفرة منذ الثامن عشر نوفمبر ndash; تشرين الثاني المنقضي، تاريخ التأهل الرسمي لمن يشتهرون بكنية quot;محاربي الصحراءquot;.

وعلى امتداد الأشهر الثمانية المنقضية، شهدت مبيعات التلفزيونات والبطاقات المشفرة، وكذا الأعلام والمفرقعات والأشرطة أرقاماً قياسية. في هذا الصدد يقرّ وليد، رزقي، رياض، وفريد وغيرهم من باعة التلفزيونات والبطاقات المشفرة، أنّ منتجاتهم استفادت ndash; ولا تزال - من رواج واسع بفعل التهافت الكبير لمواطنيهم على اقتناء مختلف أنواع التلفزيونات الحديثة، بما فيها تلك الباهظة الثمن كتلفزيونات الأبعاد الثلاثة.

الأمر نفسه ينطبق على البطاقات المشفرّة الخاصة بالقنوات التي ستبث مباريات المونديال، حيث تفيد مراجع محلية أنّ الفترة السابقة شهدت بيع قرابة ربع مليون بطاقة لقناة الجزيرة الرياضية، رغم طرحها بأثمان ليست في متناول الجميع، ومع ذلك بيعت مثل الخبز للسكان المحليين الذين اشتروها بما يربو عن العشرة آلاف دينار (ما يعادل 120 دولارا)، دون احتساب عدد غير محدود من البطاقات المشفرة لقنوات رياضية أوروبية متخصصة، اقتناها قطاع من المهووسين بالكرة دون تردد.

ويقول سليم الموظف في شركة خاصة quot;رغم أنّ راتبي لا يتجاوز 30 ألف دينار (ما يعادل 360 دولارا) إلاّ أنني رصدت أكثر من نصفه لأجل شراء شاشة تمكنني من مشاهدة مقابلات المونديال في أبهى حلةquot;، وعلى المنوال عينه، يعترف قويدر، عباس وكمال أنّهم أنفقوا كل مدخراتهم لتجهيز منازلهم بما يلزم، ولا تبدي ربات البيوت ممانعة، حيث تلتقي نفيسة، نعيمة وفاطمة أنّهنّ شجعن أزواجهنّ على اقتناء تلفزيونات ومكيفات، حتى تتمكن عائلاتهم من تتبع اللقاءات في أجواء حميمية مميّزة.

وتبعاً لكون الأسعار ليست في متناولهم، جنح قطاع من محدودي الدخل إلى شراء بطاقات غير قانونية يُطلق عليها مسمى quot;أمنيةquot; وهي تشتمل على عدد من القنوات الفرنسية التي ستبث مباريات المونديال، ويُقبل الكثيرون على شرائها، رغم أنّ سعرها ليس منخفضاً كثيراً، حيث تُعرض بثمانية آلاف دينار (نحو مائة دولار)، ومع ذلك يتعامل معها مستهلكوها على أنّها quot;أخف الضررينquot;.
ونظراً إلى تفضيل كثير من الأصدقاء وفريق من العوائل المشاهدة الجماعية للمباريات في الأماكن العامة، قام عدد من مالكي صالونات الشاي والمطاعم على مستوى الجزائر العاصمة وعدد من المدن الكبرى في البلاد، بتجهيز محلاتهم بتلفزيونات عملاقة تحسباً للحدث، وهو ما يبرزه أمين صاحب مطعم quot;الريحانquot; في حي بن عكنون بقوله quot;تعودنا على استقبال عدد كبير من الزبائن في مواسم ماضية، ونتوقع حضورهم بشكل أكبر هذه السنة، ولا سيما أنّ الأمر يتعلق بمشاركة منتخبنا الوطني، لذا جلبنا شاشة ضخمة، فضلاً عن مكيفات لتمكين زبائننا من كل أسباب الراحةquot;، ورداً عن سؤال بشأن دفع الزبائن لمبلغ إضافي نظير الخدمة المُتاحة، يؤكد أمين quot;أكيد، ونحن لسنا نخرج عن القاعدة، فكل المطاعم وصالونات الشاي، تعتمد ذلكquot;.

بدورها، تحظى quot;بورصةquot; الأعلام والألعاب النارية وسائر المتعلقات ذات البعد الوطني، بانتعاش هي الأخرى، حيث يقرّ سيد أحمد، عبد الغني، ونبيل وغيرهم من باعة الألبسة الرياضية، أنّ مبيعاتهم قياسية وجنوا أرباحاً طائلة، كما لا يخفي كثيرون ممن امتهنوا تجارة الألبسة الرياضية الجزائرية ولواحقها، أنّ الأخيرة رائجة بشكل لافت، علماً أنّ الأعلام والأغراض التي توضع على الرؤوس والمعاصم والأعناق، تتراوح أسعارها بين 400 إلى 2000 دينار (ما يعادل 6 إلى 30 دولاراً)، إلاّ أنّ الجزائريين من رجال ونساء وأطفال وشيوخ اشتروا كل شيء ولسان حالهم يقول quot;ليس هناك شيء غال حينما يتعلق الأمر بحب الوطن وتشجيع أبنائهquot;.

الملحوظة نفسها تنسحب على عالم السمعي البصري، فآلاف النسخ من الأقراص المدمجة والمضغوطة وأشرطة الكاسيت (32 ألبوماً) جرى إنتاجها من طرف عشرات الفرق، تباع بشكل هستيري، وهو ما شكّل مفاجآت سارة للباعة.

ويلفت الخبير الاقتصادي quot;أحمد عبد الرزاقquot; أنّ المحرّك لكل هذا الحراك هو تألق المنتخب الجزائري ووصوله إلى نهائيات المونديال، ما حرك مشاعر مواطنيه، ودفعهم للإنفاق بغزارة على قلة مداخيلهم الشهرية، من أجل افتكاك بطاقات اشتراك والظفر بتلفزيونات، وتنقل الآلاف إلى بلد نيلسون مانديلا.

ويتوقع الكاتب الاقتصادي quot;هيثم ربانيquot; في تصريح خاص بـquot;إيلافquot;، أنّ مبيعات كل ما يتعلق بالمنتخب الجزائري ستستمر بالتكاثر، سواء الأعلام والأقمصة خصوصاً إذا ما وصل الخضر إلى أدوار متقدمة، ويلاحظ رباني أنّ جمهور المستوردين أغرقوا السوق المحلية بحجم ضخم من الصين وكذا الدول رخيصة المنشأ.

ويتفق هيثم رباني مع quot;أنيس بن مختارquot; وquot;أحمد عبد الرزاقquot; في كون التجارة الرياضية ستأخذ شكلاً أكثر اتساعاً، ويشير رباني وبن مختار وعبد الرزاق إلى ما يصفه عامة الاقتصاديين بـquot;العامل النفسي الخفيquot;، حيث يُنتظر بحسبه أن تعرف معدلات الاستهلاك والإنفاق لدى الجزائريين ارتفاعاً تشجعه الراحة النفسية التي باتت تطبع المجتمع المحلي (قوامه يربو عن 36 مليون نسمة)، وهو أمر سيتواصل، إذا ما أبهرت الجزائر العالم في جنوب إفريقيا، وهو ما سيؤشر كذلك في تحول عميق في بنية المنظومة التجارية المحلية المنهكة، ويربط خبراء استمرار هذه الحركية الاقتصادية وتعزيزها على ديناميكية ما بعد نهائيات كأس العالم.