تحظى ميونيخ بالنصيب الأكبر من السياحة العربية الوافدة إلى ألمانيا، خصوصاً في شهري تموز- يوليو وآب- أغسطس، لكونهم يهربون إليها من حر الخليج خصوصاً، ولأنها تحترم معتقداتهم، ففي كل الفنادق والمستشفيات، وحتى مطار ميونيخ أماكن للصلاة وإرشادات حول اتجاه القبلة.

صلاح سليمان من ميونيخ: أعداد كبيرة جداً من سياح الخليج وفدوا إلى مدينة quot;ميونيخquot; هرباً من الحرارة الشديدة التي تشهدها دول الخليج في شهور الصيف. ووفق تقارير مكتب السياحة في المدينة، فإن ميونيخ تحظي بالنصيب الأكبر من السياحة العربية الوافدة إلى ألمانيا. فمن بين 700 ألف ليلة إقامة سياحية مسجلة في العام الماضي في بافاريا، إحتل السياح العرب 29.114 ليلة إقامة، وقد انفردت مدينة ميونيخ وحدها بنسبة 25.300 % منهم، وهي نسبة تزيد بـ 38%عن عن العام الذي سبقه.

فمن يسير الآن في ذروة شهور الصيف وسط العاصمة البافارية ميونيخ، يتولد لديه انطباع قوي بأنها ليست تلك المدينة الهادئة، فشوارعها تشهد الآن انفجاراً سياحياً غير مسبوق، فأينما وليت وجهك في شوارع العاصمة البافارية ستجد السياح يتجولون في أزقتها وعلى مقاهيها، وتحتل السياحة العربية نصيباً وافراً هذا العام.

يشار إلى أن شهور الصيف، وتحديداً يوليو/تموز وأغسطس/آب هما أكثر شهور السنة استقبالاً للسياح العرب، فميونيخ هي الواحة التي يفدون إليها هرباً من حرارة الصحراء، كما تقول إحدى السائحات الخليجيات quot;إن الجو حار جداً في الخليج، لهذا السبب نحن هناquot;. وكثير ما يشاهد سياح الخليج وهم يتجولون قرب الأنهار ونافورات المياه الضخمة، وقد يتركون أطفالهم الصغار، يلهون ويلعبون تحت رذاذ المياه المتناثرة من النافورة الكبيرة، التي تتوسط ميدانquot; شتاخوصquot;.

وتوضح ديتماير من مكتب سياحة ميونيخ أن السياحة إلى ميونيخ لا تتوقف، ورغم الأزمة الاقتصادية والرماد البركاني، الذي أعاق حركة الطيران العالمية، إلا أن المدينة سجلت نسبة ارتفاع سياحي غير عادي في شهر أبريل/نيسان الماضي. فقد زارها 434 ألف سائح، وهي نسبة ترتفع 18.9 % عن نسبة السياحة في الشهر نفسه من العام الماضي. وتضيف قائلة quot;لقد زار ميونيخ في الربع الأول من هذا العام 1,5 مليون سائحquot;.

الآن وفي ذروة شهور الصيف الحالي، يوحي المشهد العام بأن السياح العرب يسجلون أرقاماً قياسية، رغم عدم وجود إحصاء يقدر نسبتهم حتى الآن، فعلى سبيل المثال، إذا نظرت إلى أي من المقاهي التي تنتشر وسط ميونيخ، فإن نصف العدد الذي يشغل طاولات المقهى هم السياح العرب، بأزيائهم التقليدية المعروفة. فعادات السياح العرب في المدينة معروفة، فهم مولعون بالشراء من متاجر المدينة الفخمة.

أما أغنياء الخليج فهم يتجهون إلى شارع quot;مكسمليان شتراشةquot; أغلى شوارع المدينة على الإطلاق، على سبيل المثال يبلغ سعر ساعة اليد فيه 65 ألف يورو ـ ناهيك عن أسعار الملابس والأحذية، التي تصيب المواطن العادي بالهلع، ومن ثم الفرار الفوري من أمام المحل. واقع الحال يقول إن السياح العرب ينفقون ببذخ شديد، غير ساعات اليد والموبايلات وحقائب يد السيدات الجلدية الفخمة التي يحرصون على أن تكون من ماركات عالمية، فإنهم ينفقون أيضاً أموالاً طائلة في الملابس. عن ذلك تقول مديرة دائرة السياحة في ميونيخ quot;إنهم يشترون الملابس وأزياء الأفراح والعطورات وملابس الأطفال غالية الثمنquot;.

يقيم السياح العرب عادة في أفخم فنادق المدينة ذات الخمس نجوم، وبعضهم يشتري الشقق والمنازل ليقيمون فيها في أشهر الصيف.
في فندق الشيرتون الواقع في أربلا بارك، على سبيل المثال، وصلت إشغالات العرب فيه إلى 80 %، حتى إنه تحول إلى فندق عربي بامتياز. الموسيقي العربية تصدح في جنباته، وخدمات العرب تتسع فيه. ومن الأمور المألوفة أن يتجمع الشبان في الخيمة المعدة لتدخين النارجيلة في المساء في جو عربي بحت.

بشكل عام، زادت أعداد العرب الوافدين إلى ميونيخ، تحديداً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وما تبعها من تفجيرات في لندن عام 2005، لكن هناك عوامل أخرى جذبتهم إلى المدينة، فأهل ميونيخ ليس لديهم إعوجاجاً في استغلال السائح العربي، كما كان يحدث لهم في شارع أكسفورد في لندن، والألمان بشكل عام يحترمون ويحافظون على خصوصية السائح. لذلك فهم يتجولون في شوارع المدينة بكل حرية مطلقة، وبأزيائهم التقليدية دون الشعور بضيق من نظرة هنا أو نظرة هناك. ويقول سائح من قطر عن ذلك quot;أشعر باسترخاء تام هنا، ولا مجال للتوتر، عندما أسير في شوارع ميونيخquot;.

تحترم المدينة أيضاً معتقدات السائح العربي، ففي كل الفنادق والمستشفيات، وحتى مطار ميونيخ أماكن للصلاة وإرشادات إلى اتجاه القبلة. حتي في المستشفيات يحافظ الألمان على التقاليد العربية، فلا يدخل الطبيب إلا بعد دقيقتين من وقوفه على الباب، حتى تستطيع النساء أن تضع غطاء الرأس. وفي أحيان أخرى، تسأل مراكز الإعلام في المستشفيات أيضاً المرضى العرب إذا كان مسموحاً أن يضعوا ملصقات فيها صور وإرشادات طبية عن ثدي النساء عارياً، كما إن قوائم الطعام في المستشفيات والفنادق تحتوي أصناف الأطعمة العربية، وهذا الاهتمام لا ينبع من فراغ، فالعرب ينفقون مبالغ كبيرة في العلاج، فدولة الإمارات العربية المتحدة تنفق وحدها مئة مليون يورو على علاج مواطنيها في ميونيخ.

يأخذ علي السياحة العربية أنها لا تهتم كثيراً باكتشاف مناحي الحياة الأخرى في ميونيخ، فقلما تجد سائحاً عربياً في متحف من المتاحف أو في أحد أدوار الكتب، التي تتعدد طبقاتها في المدينة، أو حتى في أحد قلاع الملك لودفيج الثاني، ربما لأن الشراء يستحوذ على الهم الأكبر لديهم، إضافة إلى الاستمتاع بالجلوس على المقاهي الفخمة في وسط المدينة.

قد تنقلب الصورة في بعض الأحيان في شوارع ميونيخ إلى صورة معكوسة، ويستبد الفضول بالألمان وهم يبحلقون في المشتريات المكدسة في يد السائح العربي، ويعلق رجل ألماني علي هذ المشهد قائلاً quot;ولما لا.. إنهم أغنياء، وعندهم وفرة من نقود النفطquot;.
لكن العرب الآخرين المقيمين في المدينة يشعرون بالسعادة، وهم يراقبون أبناء جلدتهم من عرب الخليج، وهم ينفقون ببذخ، غير أن هذا الشعور سرعان ما يتبدد، وهم يمدون أيديهم في جيوبهم فيجدونها خاوية.