تعدّ تجارة الأفراح في الجزائر مربحة بكل المقاييس لممتهنيها، في بلد يشهد عقد 2.3 مليون حالة قران سنوياً، ورغم التكاليف العالية لسائر مستلزمات حفلات الزفاف، إلا أنّ السكان المحليين ينفقون بسخاء في بورصة استثنائية تتداول المليارات كل عام، تستكشف quot;إيلافquot; حيثياتها في هذا التقرير.

الجزائر: بعدما ظلّت منظومة الزفاف في جزائر الزمن الماضي عنواناً للبساطة، من خلال إقامة الحفلات على أسطح العمارات ووسط باحات الأحياء الشعبية، واقتصارها على بضعة صحون من الكسكسي والشوربة وتشكيلات من الحلوى، حصل التحوّل رأساً على عقب، على نحو صارت معه حفلات الزفاف وتوابعها، تجارة قائمة بذاتها، يقبل عليها quot;الزبائنquot; بدافع الضرورة، ويتخذها التجار مهنة مفضّلة بحكم ما تدره من ربح طائل.

ولم يعد غريباً أن يبرز ذاك التهافت الكبير مع حلول فصل الصيف من كل عام على شراء مختلف تجهيزات الأفراح، واستئجار قاعات وسيارات الليموزين والدراجات النارية، فضلاً عن الاستنجاد بخدمات منظمات حفلات الزفاف أو من يُعرفن محلياً بـquot;النقافاتquot;، حيث لا يتردد السكان المحليون عن الإنفاق بسخاء كبير نظير إخراج زفاف أبنائهم وبناتهم، وأقربائهم في أفضل الحلل.
وفي جولة قادت مندوب quot;إيلافquot; عبر أسواق quot;زنقة العرايسquot;، quot;كلوزالquot;، وquot;علي ملاّحquot;، وquot;بوزريعةquot;، وquot;الدويرةquot; وغيرها في الجزائر العاصمة وضواحيها، لاحظنا على منوال السنوات المنقضية، غزواً جماهيرياً مكثفاً لمحال بيع جهاز العرائس وإيجار فساتين الزفاف، ورغم الغلاء الملحوظ لأسعار الأغراض المعروضة، إلاّ أنّ أعداد الزبائن في تضاعف، بحسب quot;نسيمquot; وquot;وليدquot; صاحبي محلّ في سوق علي ملاّح quot;غالبية من يقصدون محلنا، كان عددهنّ يقدّر بالعشرات في مواسم سابقة، فإنهنّ أصبحن بالمئات اللواتي لا يترددن عن اقتناء الفساتين والأحذية وباقي متعلقات جهازهنّquot;.

وتقرّ سماح أنّ quot;الأسعار مرتفعة، لكن ما بيد العروس حيلةquot;، وتنضمّ إليها جميلة ووردة وسهام اللواتي يرددنّ غير آبهات بصوت واحد quot;لا بدّ من توفير متطلبات الاحتفال بالرباط المقدّس، ثمّ إنها أحلى ليلة في العمرquot;، ويوضح سعيد صاحب محل في منطقة بوزريعة أنّ أسعار الفساتين تتباين بحسب نوعية الأقمشة المُستعملة في خياطتها، وطبيعة تصميمها، فضلاً عما إذا كانت منتجة محلياً أو مستوردة، وهو معيار ينسحب بنظره على باقي أغراض ومتعلقات الأفراح.

فيما يبدي quot;صالحquot; وquot;ناصرquot; البائعان في محلين لمستلزمات العرائس في زنقة العرايس، ابتهاجاً، لكون غالبية سلعهما على وشك النفاذ، رغم أنّ الأسعار ملتهبة وتصل إلى حدود الـ40 ألف دينار للفستان الواحد (بحدود 520 دولاراً)، علماً أنّ تكلفة جهاز متكامل لأي عروس في جزائر 2010، مرشّح لأن يتجاوز عتبة الألفي دولار.

وبعملية حسابية بسيطة، فإنّ إجمالي حجم الإنفاق في بورصة الأفراح في الجزائر تقدّر قيمته بمليارات الدنانير، حيث إنّ العريس أو العروس الواحدة مدعوان لإنفاق ما يربو عن الخمسمائة ألف دينار (ما يعادل 6500 دولار) وهي حالة quot;حليمquot; الذي تزوّج أخيراً، إذ صرف القيمة المذكورة على تفاصيل الزفاف من قاعة ومغنين وولائم وحلي وأثاث بيت الزوجية، وما إلى ذلك، بيد أنّ القيمة الآنف ذكرها، قد تتضاعف إلى مليون دينار (بحدود 13 ألف دولار) وهو حال عوائل ثرية، مثلما قد تتراجع إلى مستويات أقلّ بكثير، إذا التزم العريسان وعائلاتهما بشيء من التقشف في الإنفاق، وجرى التخلي عن بعض (الكماليات)، وتلك ممارسة باتت محتشمة إلى حد ما في الظرف الراهن.

سيارات الليموزين والدراجات النارية: تقليعة جديدة للأفراح
لعلّ ما يزيد من بريق quot;تجارة الأفراحquot; في الجزائر، استحداث سيارات الليموزين والدراجات النارية كديكور جديد في مواكب الزفاف، وبعدما كانت العملية مندرجة ضمن (الترف) المقصور على الأثرياء فحسب، أصبحت الظاهرة مُشاعة و(يتعاطاها) الكلّ، وهو ما يؤكده عادل صاحب وكالة لإيجار السيارات الفاخرة في حي بن عكنون، فرغم أنّ سعر استئجار سيارة الليموزين يتعدى سقف الـ40 ألف دينار (في حدود 520 دولاراً)، إلا أنّ الموضة والرغبة في التباهي، جعلت التهافت على استئجار هذه السيارة الفخمة، يتسع نطاقه كثيراً.

ويوضح فؤاد، الذي يدير هو الآخر محلاً لإيجار السيارات والدرجات النارية، أنّ تحديد الأسعار مرتبط بعوامل عديدة، بينها المسافة بين منزل عائلة العروس وبيت الزوجية أو قاعة الحفلات، إضافة إلى الوقت الذي تتطلبه العملية، وكذا بداية الموسم أو في ذروته ونهاياته، فضلاً عن مدى إقحام إكسسوارات داخلية مثل الورود وغيرها، إضافة إلى السائق.

وهناك من العوائل من تذهب إلى حد استئجار عشرات السيارات والدراجات النارية لمواكب الزفاف، وهو إجراء يتطلب رصد ميزانية ضخمة، طالما أنّ سعر إيجار سيارة واحدة لمدة 24 ساعة يتراوح ما بين 2500 و4 آلاف دينار، باختلاف الوكالة، وكذا نوعية السيارات وماركاتها.

ورداً على انتقادات فريق من مواطنيها لهذه السلوكيات وتصنيفهم لها في خانة quot;البذخ الزائد عن حدهquot;، تعزو شهيناز المسألة برمتها إلى كون أجمل ذكرى في العمر يتطلب إحياؤها، كل هذا القدر من الأموال، حتى وإن تعترف بأنّ ذلك محض تبذير.

وبشأن تنامي ظاهرة quot;تجارة الأفراحquot;، يعلّق سليم لعجايلية المتابع للشأن الاقتصادي في الجزائر، أنّ ما يحدث هو بمثابة quot;انفجار إيجابيquot;، ويصف لعجايلية زيادة الطلب والتهافت على استهلاك لوازم الأفراح بـquot;المتغيّر الديناميكيquot; الذي سينعكس إيجاباً على اقتصاد البلد ككل.

الاستئجار مخرج لمحدودي الدخل
وكـquot;حيلةquot; يلجأ إليها فريق من الزبائن من ذوي الدخل المحدود، يقوم هؤلاء باستئجار فساتين الأعراس بدلاً من شرائها، وهي طريقة باتت منتشرة للتكيف مع الأسعار الباهظة، وعسر الظروف المادية لكثير من العوائل.

وتشرح quot;كريمةquot;، التي التقيناها في محلّ متخصص في إيجار الفساتين في منطقة الأبيار، أنّها على غرار صويحباتها، لجأت إلى استئجار الفستان الأبيض، فضلاً عن طقم من الحلي ومجموعة أكسسوارات مرافقة، وتشرح محدثتنا quot;من خلال إقدامي على الاستئجار بدلاً من الشراء، وفرّت مبلغاً لاقتناء مشتريات أخرىquot;، وهو اتجاه تؤيده quot;صبيحةquot; وquot;منالquot; المقبلتان على الزواج مباشرة بعد رمضان، وتبرر كلتاهما الموقف بكون أسعار الفساتين والحلي quot;تحرقquot; جيوب من يمني النفس بشرائها.

وترى quot;أنّ أسعار أزياء الأفراح تبقى مرتفعة مقارنة بقدرة العروس وأهلها الذين يضطرون إلى اقتناء العديد من الملابس والأكسسوارات، وكذا استئجار قاعة الحفلات وجلب كميات ضخمة من الحلويات والمشروبات وتنظيم المآدب أيضاً، لذا تجزم محدثتنا أنّ الإيجار بات quot;شراً لا بدّ منهquot;، وتسجّل أنّ تكلفة الاستئجار لا تقلّ غلاء، إذ تطلب منها ذلك دفع 60 ألف دينار (في حدود تسعمائة دولار) من أجل اقتناء خمسة فساتين سهرة تقليدية وعصرية لابنتها البكر المقبلة على الزواج مطلع الشهر المقبل.

وبشأن إيجار فساتين الأفراح، تذكر quot;زهيةquot; صاحبة محل لفساتين السهرات في شارع حسيبة بن بوعلي وسط الجزائر العاصمة، أنّ الإجراء يحظى برواج كبير بين زبوناتها، احتكاماً لأسعار تأجير هذه الفساتين المتراوحة بين خمسة آلاف وخمسة عشر ألف دينار، وهي أثمان في متناول الجميع، على حد ٍرأيها.

وتضيف quot;زهيةquot; أنّ أي زبونة تكون مجبرة على دفع قسط من المال مسبقاً لدى اختيارها فستان الفرح الذي يناسبها، وذلك حتى يتم حفظه لها في التاريخ المحدد الذي تختاره، على أن تلتزم الزبونة المعنية باستكمال دفع المبلغ في اليوم الذي تتقدم فيه إلى المحل لأخذ الفستان، مع تعهدها إرجاع الفستان في موعد متفق عليه غالباً ما يكون 48 ساعة بعد حفل الزفاف، وفي حال تأخرت الزبونة في إرجاع الزي أو الأزياء التي استأجرتها، فإنّها تغدو مطالبة بدفع مبلغ إضافي.

لكنّ ثمة خط ثالث تمثله كل من سعاد، عفاف وهند، اللواتي يرفضن استئجار الفساتين، مثلما يمتنعن عن شرائها، ويحبذن اقتناء الأقمشة اللازمة وتقديمها إلى خيّاطات محترفات، وهي صيغة بحسبهنّ أكثر جودة وأقلّ كلفة، ناهيك عن تأثير ذلكفي رمزية فستان الفرح الذي ترغب الكثيرات في الاحتفاظ به ضمن خزانة الذكريات.