في ظل انطلاق أسواق الأوراق المالية العالمية باتجاه أفضل أداء شهري لها منذ يوليو الماضي، كان من الصعب بشكل متزايد على الذهب أن يحافظ على الأرباح التي حققها مؤخرًا.
لندن: قد ارتفع مؤشر MSCI العالمي الذي يراقب الأسهم من شتى أرجاء العالم بنسبة أكثر من 8% خلال شهر يوليو، إذ ساعدت البيانات الاقتصادية والمؤسسية على دعم ذلك التوجه. وجدير بالذكر أن قراءات ثقة المستهلكين ما زالت متدنية، مما يُعَد دليلاً على انتعاشة متعثرة في المستقبل القريب. ويرى روبرت شيلر الأستاذ المرموق بجامعة ييل أن نسبة حدوث كساد أميركي مضاعف تتجاوز 50%.
لقد ساعد الشعور الإيجابي نحو الأسهم، حيث أعلنت أكثر من 77% من الشركات في مؤشر ستاندرد آند بورز عن تحقيق أرباح تجاوزت كل التوقعات، على تعزيز عائدات سندات الشركات بعد الانخفاض الذي شهدته على مدار ست سنوات. ولقد ساعد ذلك، وفقاً لما أوردته شبكة بلومبرج للأخبار المالية، على إصدار سندات دين قياسية بلغت قيمتها 85.7 مليار دولار أميركي في يوليو، بينما تهاتف المستثمرون على حصد العائدات العالية نسبيًا مقارنة بعائدات السندات الحكومية.
هذا وقد ارتفع مؤشر Reuters Jefferies CRB بنسبة 1% الأسبوع الحالي ثم تراجع بنسبة 4% في يوليو، مما يعد أفضل أداء شهري لذلك المؤشر منذ مايو 2009. وقد تم تسجيل أرباح عبر مختلف القطاعات. وكانت أفضل الأسواق أداءً هي سوق السكر والقهوة والقمح والغاز الطبيعي وعنصر البلاديوم، في حين شهدت قطاعات الطاقة الأخرى خسائر وسار الذهب في الاتجاه المعاكس.
وانخفض الذهب إلى ما دون المستوى الذي وصل إليه في شهر مايو حتى دنا من دعم المتوسط الحسابي الذي امتد لفترة 200 يوم عند 1.150 دولار. وهذا هو المستوى الذي يرى العديد من المستثمرين على المدى البعيد أنه الذي يجب أن يصمد. وانخفض الشراء بعيد الاستحقاق المجتذب للمضاربين على بورصة نيويورك للسلع بنسبة 27% على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية ومن المتوقع أن تشهد تلك البورصة انخفاضًا آخر الأسبوع الحالي. وفي هذه الأثناء، شهد الذهب في صناديق البورصة المتداولة أيضًا تراجعًا، ولو أنه لم يتجاوز مليون أوقية؛ أي ما يمثل 1.5% من إجمالي الأسهم المعروفة.
ومن المقرر أن يكون الأسبوعان القادمان على درجة عالية من الأهمية بالنسبة لاتجاه الذهب على المدى القريب. إن القلق يساور الجميع من أن يؤدي انخفاض الذهب عن مستوى 1150 دولار أمريكي إلى تصحيح أكبر من المائة دولار الذي شهدناه حتى الآن. ولقد وردت أنباء الأسبوع الحالي تدعم حدوث انتعاشة في الطلب الفعلي، حيث يستغل الصائغون الانخفاض الأخير في أسعار الذهب وقيمة الدولار. وما زالت قوة انتعاش الاقتصاد العالمي محل نقاش حيث تقوى شوكة اليِّن الياباني الذي عادة ما ينظر إليه الخبراء باعتباره ملاذًا آمنًا في مقابل الدولار واليورو.
ومن الناحية الفنية، من المفترض أن يمثل مستوى 1.150 دولار للذهب الفوري دعمًا قويًا متبوعًا بمستوى 1.124 بينما تستقر مستويات المقاومة عند 1.176 دولار و1.185.
وما زالت علاقة العشق بين المستثمرين والبلاديوم مستمرة حيث نشط الأخير وارتفع بنسبة 10% خلال شهر يوليو. وعلى الرغم من فترة البيع المكثف في شهر مايو، إلا أن البلاديوم حقق عائداً بنسبة 19% منذ بداية العام. لقد استعادت عقود البلاديوم الفورية الآن أكثر من 50% من الانخفاض أثناء معاملات البيع المكثف التي تمت في شهر مايو بسعر 490 دولار للأوقية، وبذلك من المفترض أن يشهد مقاومة نحو 505 حيث يمكن النظر إما لحصد الأرباح أو التحول إلى البلاتينيوم باعتباره اقتراحًا معقولاً.
وما زالت معاملات النفط الخام متأرجحة حيث فشل في اكتساب قوة جاذبة في الفترة الأخيرة. وقد أدت المخاوف التي أثيرت حول عدم تمتع الانتعاش الاقتصادي بالقوة الكافية لدفع عجلة الطلب إلى إضعاف الدولار بقدر أكبر وتقوية شوكة سوق الأسهم. هذا وقد أظهرت بيانات مخزونات النفط الأمريكي الخام الأسبوعية زيادة مفاجئة أخرى بمقدار 7.3 مليون برميل في مقابل تراجع متوقع بمقدار 1.7 مليون برميل.
ومن بين الأسباب وراء تلك القفزة في المخزون الأميركي للنفط الخام الواردات القياسية من منطقة خليج المكسيك، حيث وصل النفط الخام إلى الشاطئ من وحدات التخزين العائمة. وكادت الأرباح الناجمة عن تخزين النفط الخام لأغراض التسليم المستقبلي أن تختفي حيث تراجعت الأسعار الآجلة. لقد تم تخزين قرابة 100 مليون برميل في وحدات التخزين العائمة العام المنصرم، بيد أن هذا الرقم انخفض في الوقت الراهن إلى قرابة 10 ملايين برميل. ومنذ شهر أبريل، انخفض الهامش أو رسوم التأجيل بين أقرب عقدين آجلين من 4.58 دولار إلى 45 سنت اليوم مما أطاح بربحية هذه الاستراتيجية. من الناحية العملية، فإن نفط غرب تكساس الخام (WTI) تسليم سبتمبر محصور في نطاق واسع يتراوح بين 72.60 و81.00 حيث يمثل الرقم الأخير 50% من تتبع أثار فترة البيع المكثف في مايو. وداخل هذا النطاق نفسه يمكننا العثور على المزيد من المقاومة عند 79.70 والدعم عند 75.90.
ومن ناحية أخرى، بدأ النقاش حول أزمة غذاء عالمية جديدة يظهر إثر موجة الحر التي ضربت روسيا وكازاخستان وأوكرانيا الشهر الماضي. فقد وصلت درجات الحرارة إلى مستويات عالية لم نشهدها منذ بداية تسجيل درجات الحرارة منذ 130 عام. هذا وقد بلغت مساحة المحاصيل المتضررة من جراء تلك الارتفاعات في درجات الحرارة قرابة 103.000 كيلو متر مربع أو ما يعادل 25.5 مليون فدان. وفي ولاية شيكاغو، شهدت عقود القمح الآجلة أعلى مكاسب شهرية حققتها منذ عام 1973، بينما انطلق قمح المطاحن الأوروبي بنسبة 40% الشهر الجاري حيث بلغ سعر الطن المتري 194.50 يورو.
ويخشى المحللون من أن ترتفع الأسعار بقدر أكبر خلال الأسابيع المقبلة حيث تواصل المنطقة خفض إنتاجها المتوقع من محصول القمح. وانطلاقًا من كون الولايات المتحدة الأمريكية ثالث أكبر مصدر للقمح في العالم، فإن أية أنباء تتسرب عن انخفاض كميات المحصول ستؤدي لا محالة إلى زيادة الأسعار في مناطق أخرى، حيث سيقل عدد الدول المنافسة على مناقصات التصدير. لقد قام المجلس الدولي للحبوب بتعديل المخزونات الاحتياطية العالمية هبوطًا بنسبة 2.5% إلى 192 مليون طن متري بحلول يونيو عام 2011 مناقضًا بذلك توقعات سابقة بمخزونات أعلى صدرت الشهر الماضي.
وبينما تظل حالة الشك والريبة هذه سائدة، نجد أن المستويات الفنية ليس لها فائدة تذكر في ظل تحكم الزخم والخوف مما يحمله المستقبل أكثر من أي شيء آخر في الأسعار. وتقترب معاملات القمح في شهر سبتمبر في مجلس شيكاغو للتجارة (CBOT) من المستوى المرتفع الذي حققته في شهر نوفمبر وبلغ 639.75، بيد أن معرفة ما إذا كانت تلك الظاهرة ستمثل أي مقاومة تذكر أم لا ما زال في علم الغيب. ومن المقرر أن يراقب الخبراء عن كثب النشرات الجوية في أوروبا وروسيا وحتى في كندا، حيث ترزح تلك المناطق تحت وطأة الأمطار الغزيرة، إذ من المفترض أن تطيح أية مؤشرات للتغير بأي دعم حديث.
هذا وقد ارتفع سعر العقود الآجلة للقهوة العربية ذات الجودة العالية أكثر من 6% الأسبوع الحالي حيث بلغت مستوى زيادة لم تشهده منذ 12 سنة عند 178.75 دولار للرطل؛ نظرًا لقصور الإمدادات النابع من تراجع الإنتاج الكولومبي. ومن الممكن أن تستمر حالة الارتفاع في أسعار العقود الفورية حتى يخترق محصول برازيلي متوقع السوق في غضون أشهر قلائل.
التعليقات