انهار سعر صرف الريال اليمني أمام الدول حيث تراجع سعر الصرف من 200 ريال مقابل الدولار إلى 250 بنسبة تصل إلى 25 %. وفي غضون شهرين خلال هذا الأسبوع ارتفع سعر الصرف من 225 إلى 250 في تدهور سريع ومفاجئ، في حين لاتزال عجلة تدهوره في الدوران سلباً.

صنعاء: يتوقع اقتصاديون أن يستمر تراجع سعر صرف الريال اليمني إذا لم يتم عمل حل جذري للمشكلة، حيث تعتمد الحكومة اليمنية على ضخ الدولارات من البنك المركزي إلى السوق، في حين ازداد الطلب على عرض البنك وتسبب بأزمة جديدة للبلاد.يأتي ذلك في حين ينتظر اليمنيون شهر رمضان، وقد بدأت أسعار السلع بالإرتفاع، ويتوقع أن تشهد ارتفاعاً أكبر مع ارتفاع أسعار الصرف.

واجتمع محافظ البنك المركزي اليمني محمد عوض بن همام الاثنين مع رؤساء ومدراء عموم البنوك التجارية والإسلامية العاملة في اليمن لمناقشة التطورات الأخيرة في سوق الصرف الأجنبي. ودعا بن همام البنوك إلى القيام بدورها في الوساطة المالية وعدم إتاحة الفرصة للمضاربين في سوق الصرف الأجنبي، معربًا عن استعداد البنك الفوري لتمويل احتياجات البنوك لتمويل اعتمادات السلع الأساسية وفقًا لنشرة البنك اليومية، التي بلغت اليوم 239.5 ريال للدولار شراء، و240 ريالاً للدولار بيعًا.

وحث المحافظ كل البنوك على العمل في إطار هذه النشرة بدلاً من الارتهان لأسعار المضاربين في سوق الصرف الأجنبي، محذراً من أي مخالفات، وأنها ستعرض مرتكبيها لإجراءات حاسمة وعلى وجه الخصوص المدراء التنفيذيين لتلك البنوك. وقال بن همام إن التطورات الأخيرة في سوق الصرف الأجنبي نتجت من قيام بعض شركات ومحلات الصرافة بالمضاربة في السوق من خلال القيام بشراء العملات الأجنبية بأسعار فيها كثير من المغالاة، ولا تعكس الأسعار الحقيقية لتلك العملات، وفي الوقت نفسه الامتناع عن بيع العملات الأجنبية.

ورفد البنك المركزي السوق المحلية بمبلغ 57 مليون دولار، لتغطية احتياجات البنوك وشركات الصرافة من النقد الأجنبي، في ثاني عملية تدخل للبنك خلال يوليو/تموز الجاري، والتاسعة منذ مطلع 2010. وارتفع إجمالي ما ضخه البنك منذ بداية العام الجاري لتغذية سوق الصرف من العملات الأجنبية إلى مليار و157 مليون دولار، منها 173 مليون دولار مدفوعات واردات اليمن من القمح.

تهاوي سريع
نائب وزير المالية من جانبه قال أمام البرلمان إن السياسة المالية المتبعة في البلد ستدفع نحو مزيد من تهاوي الريال. وتوقع نائب وزير المالية أن يصل العجز في الموازنة إلى أكثر من ملياري دولار، خلال الفترة المقبلة، مشيراً إلى قيام الحكومة في السابق بتغطية العجز من مصادر غير مضمونة. وأورد أن المبالغ المرصودة لاكتتاب البنوك في أذون الخزينة لم تعد كافية لسد عجز الموازنة، وهو ما سيدفع بالحكومة إلى اللجوء للبنك المركزي لسد عجزها، وسيفتح العنان لتهاوي الريال أمام العملات الأجنبية.
واعتبر الفضلي السياسة الخاطئة للدولة في دعم المشتقات النفطية بأنها كلفت الدولة نحو (291) مليار ريال (قرابة والمليار و200 مليون دولار) خلال الـ6 أشهر الماضية.

كان متوقعاً
وحول القضية تحدث الدكتور مشعل الريفي لـ quot;إيلافquot;، مشيرًا إلى أن تراجع سعر صرف الريال أمام العملات الأجنبية مسألة منطقية، وكانت متوقعة بالنظر إلى الظروف السياسية والاقتصادية لليمن، مشيرًا إلى أن التوقعات حول هذا الأمر كانت مبكرة جداً، منها دراسة لصندوق النقد بداية الألفية أشارت إلى أن سعر صرف العملة المحلية سيشهد تراجعًا أمام العملات الأجنبية. وأضاف الدكتور مشعل إن التقرير الدولي حث الحكومة على محاولة التخفيف من التداعيات، مبدياً تخوفه من حالة ردود الفعل في السوق، وهي التي ستتسبب بتراجع كبير للعملة المحلية، مورداً أن على الحكومة التعامل مع حالة رد الفعل هذاquot;.

وحول الأسباب المباشرة لتراجع سعر الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، فإنه أرجع ذلك إلى ضعف البنية الاقتصادية ومقومات النمو الاقتصادي quot;كلها أسباب أدت إلى ذلك إضافة إلى تنمية الصادرات التي هي منعدمة في البلاد، والاعتماد على مورد وحيد هو النفط والمعونات الأجنبية، إضافة إلى أننا نستورد كل شيء تقريبًاquot;. وأشار الدكتور الريفي إلى أن الإصلاحات الاقتصادية quot;ركزت على تحرير السوق وتحرير الأسعار، لم يتبعها برامج للإصلاح الإداري والقضائي وبرامج لتطوير البنية التحتية والبنية التشريعية للبلاد، وبعد الإصلاح كان يفترض أن تتم هناك برامج إنمائية وتنمية العنصر البشري وإعادة هيكلة النظام التعليمي، بحيث يصبح قادر على إخراج كوادر تتمكن من الحصول على فرص عمل في السوقquot;.

وأضاف أن quot;معوقات تدفق الاستثمار في اليمن كثيرة رغم إن المميزات الاقتصادية في اليمن تجعلها منطقة جذب للاستثمار الإقليمي والعالمي، لكن المعوقات حالت دون استثمار هذا الميزات من موقع استراتيجي وسوق كبيرة مجاورة لدول ذات قوة شرائية مثل دول الخليج، هذه المميزات لم تستثمر لوجود جملة من المعوقات أهمها ضعف البنية التحتية وعدم سياسة القانون والمؤسسات وعدم الاستقرار السياسيquot;.

واعتبر أن تلك المؤشرات كفيلة بأن تحدث تراجعًا ليس في صرف العملة فقط، وإنما في كل المؤشرات الاقتصادية، سواءً معدل النمو أو الميزان التجاري أو الموازنة العامة وميزان المدفوعات وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وربما تؤدي إلى انهيار.

أداء المانحين سلبيًّا
ورأى الدكتور الريفي إن دور الدول المانحة سلبي رغم تقديم المنح، quot;الأسلوب والطريقة التي يتم بها دعم اليمن تؤدي إلى تكريس الوضع القائم، تكريس دولة مركزية تعتمد على مورد وحيد هو الدعم الأجنبي والنفط دون وجود أي فائدة تذكر على صعيد التنمية الاقتصادية، فالدعم يسلم إلى الحكومة بطريقة مباشرة إلى الحكومة، إضافة إلى عدم تحديد آلية لإدارة المنح، مشيراً إلى أن الحكومة كانت قد دعت المانحين إلى إنشاء صندوق لإدارة المنح، إلا أن المانحين لم يأخذوا بهذه النقطة لأسباب غير معروفة.

وتابع أن quot;البنك كان يحاول الضخ، كلما جاءت يوم تظهر بوادر ضعف المؤسسات النقدية على تزويد السوق بالعملة المحلية، وحين تبدأ العجوزات يبدأ الضغط بشكل مفاجئ، إضافة إلى الانسداد السياسي وعدم وجود أي أفق للمصالحة أيضًا القيام بدور وكذلك دخول شهر رمضان والحاجة للعملة الصعبةquot;. وتوقع الدكتور مشعل الريفي أن يستمر التراجع برغم محاولة الدولة لتلافيه، لافتاً إلى أن التراجع كان يفترض أن يتم قبل شهرين لولا تدخل الدولة وضخ الدولارات في السوق حينها.

وقال إن التراجع سيستمر كثيراً إذا لم يتم عمل تغيير جذري للسياسات الاقتصادية والبرامج بالتزامن مع مصالحة سياسية ودعم إقليمي، موردًا أن هناك تجاذب إقليميًا quot;وقد يكون فيه سوق الصرف ميدان للمعركة، ولا يستبعد أن يكون هناك عوامل سياسية قد تدخل في الخطquot;.

يشار إلى أن الاحتياطيات الخارجية للبنك المركزي اليمني, تراجعت من 8.3 مليار دولار نهاية العام 2009 إلى 6.1 مليار دولار نهاية النصف الأول من العام الحالي. يأتي ذلك بعد تراجع إنتاج وصادرات البلاد من النفط، الذي يشكل 92 % من إجمالي الصادرات اليمنية، و70 % من الموازنة العامة للدولة، وتذبذب أسعاره في السوق العالمية. وكان البنك المركزي قد أصدر قبل أشهر قليلة عملة نقدية من فئة جديدة (250 ريالاً) لتلغي بذلك فئة الـ 200 ريال. وكان الريال اليمني قد صمد أمام الدولار لمدة تزيد على 4 سنوات بسعر 200 ريال.