يجزم خبراء في الجزائر أنّ دفع صناعة الأجبان يعدّ أحد السبل الفعّالة لإيقاف تبعية الصناعات الغذائية هناك لآلة الاستيراد، بيد أنّ لعنة الإمكانات المغيّبة جعلت نجاح الصناعة المذكورة مُرتهناً حتى الآن. quot;إيلافquot; تطرقت إلى راهن هذه الصناعة مع مسؤولين ومتعاملين.

كامل الشيرازي من الجزائر: يشير الخبراء زبير عيساوي، وحسين عطية، ومحمد زيدون، الذينعملوا على ملف إنتاج الأجبان في الجزائر، إلى أنّ هذه الصناعة حققت نتائج جيّدة في فترات سابقة، لكنّ وتيرتها لم تستمرّ بالشكل المأمول نظراً إلى تعاقب عدّة إدارات، وما ترتّب عن ذلك من عدم استقرار أضرّ بالتوازنات العامّة، حتى وإن يبقى مردود صناعة الأجبان موسوماً بالإيجابي تبعاً لتحقيقه نسبة نمو محترمة.

ويبدي جمال مديني، وهو أحد المنتجين، استغراباً للإهمال الذي يطال قطاعاً، يعدّ بمثابة مصدر لثروة مهمّة وفضاء لامتصاص البطالة المتفاقمة في البلاد، علماً بأنّ بيانات حديثة تشير إلى استيراد مفرط للأجبان الفرنسية والإيطالية والهولندية والألمانية، هذه الأخيرةتمّ جلب 784.6 طنًّا من أجبانها، بقيمة 38 مليون يورو مع نهاية العام الأخير، في وقت تمتلك البلاد رصيداً هائلاً من الأجبان التقليديّة، التي لا تزال تنتظر الاستغلال الأمثل على غرار الجبنة المسماة quot;بوحزةquot;.

من جانبه، يذهب المتعامل أمين حسيني، الذي يمتلك خبرة ربع قرن في مجال تصنيع الأجبان، إلى أنّ مشكلة الأخيرة تتّصل رأساً بما يلف إنتاج الحليب ومشتقاته وانحسار أعداد البقر الحلوب في 850 ألف رأس فحسب، ما حال دون تمكّن الجزائر من تحقيق اكتفائها الذاتي من الحليب ومشتقّاته، وكذا الألبان، وهو وضع دفع السلطات إلى إنفاق مئات الملايين من الدولارات لتوفير ما يحتاجه مواطنوها. ويرى عيتر أنّ هذا الوضع أثّر سلباً على نحو 80 ملبنة تنشط في البلاد، وانعكس على إنتاج الأجبان لافتقاد المادة الأولية،الأمر الّذيفتح المجال أمام انحرافات وتلاعبات.

في هذا الشأن، وعلى خلفيّة ما يُقال إنّها quot;ممارسات غير مشروعةquot;، يكشف وزير التجارة الجزائري مصطفى بن بادة عن فتح مصالحه تحقيقاً شاملاً لإزالة نقاط الظلّ العالقة، وتدعيم صناعة الأجبان بنصوص قانونيّة تسدّ ثغرات استغلّها بعض المنتجين في ارتكاب تحايلات، حيث يؤكّد خبراء أنّ هذا الفريق من منتجي الأجبان يغالطون المستهلكين من خلال اقتراحهم أجبان مزوّرة لا تحوز المقاييس المعمول بها، إذ لا تحتوي على القدر المطلوب من الزبدة ومسحوق الحليب، في محاولة من هؤلاء لتفادي الإنفاق الكثير.

في المقابل، يشدد محمد بن مرادي الوزير الجزائري للصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وترقية الاستثمار، على تطلع بلاده لترقية ميدان تصنيع الأجبان على درب خفض فاتورة الواردات الغذائية، ويشرح بن مرادي أنّه حثّ متعاملي القطاع على بذل مزيد من الجهود لتعزيز إنتاج الأجبان، لا سيّما مع نسبة الطلب المرتفعة محليًّا.

ويلفت بن مرادي إلى مطالبته الشركات المملوكة للحكومة وكذا الخواص بتنفيذ الاستثمارات كافة، والعمل على عصرنة وحدات الإنتاج، مع الحفاظ علىفرص العملفي الصناعات ذات المصدر الحيواني، مثل صناعة الأجبان، التي يمكنها حصد نجاحات باهرة، بحكم البيئة المساعدة على تربية الثروة الحيوانية المدرة للحليب والألبان.

وفي مقام نموذجي، تتألق مجبنة ''البربر'' في ضاحية الجزائر الغربية، التي افتتحت أبوابها في العام 2001، ووصلت طاقتها الإنتاجية إلى ثمانية آلاف طن سنويًّا. ويفيد مدير المجبنة بوعلام حواس بأنّ شركته تعمل على توسيع منتجاتها، واقتحام الأسواق الخارجيّة مجدّداً، بعدما سبق لها ذلك قبل ثلاث سنوات،قبل أن تتوقّف بفعل ما أفرزه تراجع قيمة الدولار وغلاء المادة الأوليّة.

ويسجّل حوّاس أنّ منظومة الأجبان في الجزائر بحاجة إلى التطوير والرسكلة الدائمة بالاتكاء على مستجدات التكنولوجيا، مبدياً قناعته بكون الجزائر لها مقومات الريادة في إنتاج الأجبان، شريطة توافر الإمكانات اللازمة لقطاع يمكنه تحقيق إحرازات مهمة في السنوات المقبلة.