تداعيات الربيع العربي

يبدو أن تداعيات الربيع العربي الذي هبّت ريحه على أنظمة عدد من الدول العربية، ما زالت تكشف بعض الحقائق لصفقات غير قانونية تمت بتسهيلات من الأنظمة السابقة، أبرزها قيام السلطات التونسية بمصادرة حصة تبلغ 51% في شركة quot;أورانج تونسquot; والتي يمتلكها زوج إبنة الرئيس التونسي المخلوع.


القاهرة: حين أعلنت quot;فرانس تيليكومquot; العام الماضي عن تدشين شركة quot;أورانج تونسquot;، قالت إنها فخورة بالتعاون مع مروان مبروك، لتطوير أول مزود إتصالات شمولي في تونس، حيث يتم توفير الخدمات المختلفة في شبكة واحدة.

وبعد مرور 16 شهراً، قامت السلطات التونسية بمصادرة حصة الـ51 % التي كان يمتلكها مبروك، زوج إبنة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، وهي إذ تحقق الآن كذلك في الملابسات التي تحصل من خلالها مبروك على تلك الحصة في شركة quot;أورانج تونسquot;.

وهو الموقف نفسه الذي وجدت كثير من الشركات الدولية نفسها فيه، بينما تقوم الحكومات الانتقالية في كل من تونس ومصر وليبيا بمراجعة عدد كبير من الاستثمارات الأجنبية التي كانت ترتبط بأعضاء سابقين في النظم الاستبدادية الفاسدة المخلوعة.

وإلى أن يتم اتخاذ قرار بشأن حصة مبروك في الشركة، تسير الأعمال كما هي العادة بالنسبة إلى فرانس تيليكوم، التي خرجت عن مسارها لتؤكد التزامها تجاه البلاد، بما في ذلك تخطيطها لتوفير 150 فرصة عمل في المستقبل القريب. وقالت الشركة في هذا الصدد: quot;أكدت فرانس تيليكوم التزامها القوي تجاه تونس وتجاه الاستثمارات الكبرى التي أدرجت في أورانج تونسquot;.

ومن الناحية الظاهرية للقضية، أوضحت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية أن فرانس تيليكوم ليس لديها ما تشعر بالقلق إزائه. فبموجب القانون الدولي، تظل أي عقود أو امتيازات أبرمتها الدولة في ظل نظام ما سارية المفعول خلال المرحلة التي تتولى فيها حكومات لاحقة الحكم.

ونقلت الصحيفة عن شاي ويد، شريك في شركة ريد سميث للقانون الدولي، قوله quot;لا يؤثر استبدال رئيس تنفيذي لإحدى الشركات على الهوية القانونية والالتزامات التعاقدية لشركة ما، وهذا هو المبدأ الذي ينطبق على البلدان التي تمر بمرحلة تغييرات من نموذج حكومي إلى نموذج آخرquot;. ومع هذا، تضم مركبة مبروك الاستثمارية أربعة مدراء في مجلس إدارة quot;أورانج تونسquot;، وبموجب اتفاق المساهمين، يحتاج أي تغيير يطرأ على ذلك لأن يتم التصويت عليه في اجتماع عام للمساهمين.

ويرى بعض المستثمرين الأجانب أن مصادرة السلطات التونسية لبعض الأصول قد تكون خطوة إيجابية. فقطر تيليكوم، على سبيل المثال، التي تمتلك 75 % من شركة تونيزيانا للهاتف الجوال، أكدت أنها تفكر في شراء نسبة الـ 25 % المتبقية، التي كانت تخصّ اثنين من المساهمين، أحدهما زوج آخر لإحدى بنات بن علي، والتي آلت ملكيتها مؤخراً إلى السلطات التونسية. وأوضحت قطر تيليكوم أن إقدامها على ذلك سيسمح لها بزيادة تواجدها في السوق العربية التي تشهد منافسة شديدة.

لكن مستثمرين آخرين في منطقة الخليج لم يتعاملوا بهذا المنطق مع التغييرات التي شهدتها المنطقة العربية. ففي مصر، على سبيل المثال، ألغت الحكومة الموقتة في أيار/ مايو الماضي اتفاقاً كان يقضي ببيع شركة عمر أفندي لشركة أنوال السعودية، بعد أن اتهم منتقدون الرئيس المخلوع حسني مبارك ببيعها بثمن بخس قبل 5 أعوام.

كما دخلت السلطات في تحدٍ مع قانونية صفقة بيع أراضي للأمير السعودي، الوليد بن طلال، كان قد قام بشرائها في العام 1998. وأخيراً، توصل بن طلال، الذي كان يعتزم اللجوء إلى التحكيم الدولي ضد الحكومة المصرية، إلى اتفاق مبدئي، يعني بحل المشكلة ودياً.

ومع هذا، وحين كانت تتعثر المفاوضات الودية بين بعض الشركات الأجنبية وبين تلك الحكومات الانتقالية، فإنها كانت تلجأ إلى المركز الدولي لتسوية النزاعات الاستثمارية، ومقره واشنطن، من أجل حماية ممتلكاتها. وهي الخطوة التي قامت بها شركة داماك العقارية ضد الحكومة المصرية بسبب خلاف حول قطعة أرض وإدانة رئيس الشركة من جانب السلطات المصرية.

كما اُتُهِمت مجموعة الفطيم الإماراتية، التي تقوم حالياً بتطوير مشروع كايرو فستيفال سيتي في القاهرة الجديدة، بشراء أراضٍ بأسعار تقل عن أسعار السوق. ونقلت فاينانشيال تايمز في تلك الجزئية عن محامين واستشاريين قولهم إن المستثمرين الأجانب إن كانوا يعتقدون أنهم يُعَامَلون بطريقة غير عادلة، أو يطلب منهم التنازل عن حقوق تعاقدية دون الحصول على تعويضات مناسبة، فيمكنهم حينها اللجوء إلى معاهدات الاستثمار الثنائية، التي يمكنها أن تمنحهم شكلاً من أشكال الحماية.

وفي الوقت الذي ستحرص فيه تلك الحكومات الجديدة على إظهار موقفها الحازم تجاه الفساد، أكد خبراء في الصناعة أنها ستعمل على الأرجح أيضاً على تسوية كثير من الادعاءات خلف الأبواب المغلقة. ومن المحتمل أيضاً أن يكون للاعتبارات التجارية دور. فالمستثمرون الأجانب، المحرومون من العائدات في الأسواق المحلية المشبعة، بحاجة لأن يتمكنوا من التوسع في أسواق جديدة مثل مصر وتونس وليبيا لتوليد النمو، وهم بحاجة كذلك لاستمرار وقوف السلطات إلى جوارهم.