منذ عدة أعوام متتالية ومصر يتراجع ترتيبها في تقارير التنافسية العالمية ، وجاء التقرير الأخير، الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي و الخاص بالعام 2011/2012 على المنوال السابق نفسه - وهو العام الذي شهد سقوط نظام مبارك وبداية مرحلة انتقالية- حيث احتلت المركز 94 بين 142 . وقد أثار هذا الترتيب المتدني عدة تساؤلات عن فاعلية المرحلة الانتقالية ودور حكومتها في النهوض بالاقتصاد والتنمية الحقيقية للبلاد ، وعن الأسباب التي أدت إلى استمرار التراجع وكيفية علاج السلبيات وإيجاد الحلول المناسبة لها .
القاهرة: لم يكن الحال بالنسبة إلى ترتيب مصر في تقرير التنافسية العالمية بأفضل من الأعوام السابقة للثورة إذ شهد الترتيب تراجعًا واضحًا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة على التوالي، حيث جاء ترتيبها 70 من بين 131 دولة في عام 2009/2010، و81 من بين 139 دولة في عام 2010/2011وأخيرًا 94/142 في عام 2011/2012 ليعكس أداء مصر القاصر في توفير المتطلبات الأساسية ومحفزات الكفاءة وعوامل الابتكار والتطور وهي المقومات التي يرتكز عليها تصنيف التنافسية العالمية .
وقد أشار الخبراء إلى الأسباب التي أدت إلى محدودية المنافسة المصرية وأوضحوا أنها ناتجة من ممارسات الاحتكار واستشراء الفساد و الازدواجية في التعامل مع الاستثمارات وعدم تطبيق القانون وتدني مستوى البنية التحتية والعوامل اللوجستية ، فضلا عن الأمراض العضال التي عظمت شوكتها في العهد السابق من فقر وبطالة و غياب الرقابة وغيرها من الأسباب التي ساقها لنا خبراء الاقتصاد.
الدكتور خلف مليجي- رئيس قطاع الشؤون القانونية في وزارة المالية- أشار إلى أن هناك قصورا كبيرا في الجانب التطبيقي والتشريعي لمكافحة الفساد في مصر حيث إن الظاهرة الأكثر تأثيرا في ذلك هو معاقبة ما يسمى بالفساد الصغير الناتج من قبل أشخاص ليسوا أصحاب الحظوة والنفوذ أما الكبار وأصحاب الحظوة فكانوا في مصر فوق القانون ولهم الحق في التزوير والتضليل والاحتكار والشراء من دون سند قانوني وهذه الأمور من شأنها تقليص فرصة مصر في توفير مناخ اقتصادي ومعيشي قادر على المنافسة وشدد خلف على ضرورة إجراء تعديلات تشريعية في قوانين مكافحة الفساد منها تعديل يتبناه شخصيًا بمنع سقوط جريمة الفساد بالتقادم حيث ينص القانون على أن جرائم الفساد تسقط بعد 15 عاما فهذا التعديل المنشود من شأنه أن يوفر للموازنة العامة مبالغ كبيرة تم اختلاسها وتهريبها للخارج من قبل رموز النظام السابق ويمنع مثل هذه الممارسات التي يعتمد أصحابها على إسقاط العقوبة.
أما الخبير الاقتصادي الدكتور عبد المنعم درويش ndash; أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية فقال لـquot;إيلافquot; إن الحالة الاقتصادية في الفترة الانتقالية للبلاد لم تختلف عن الظروف والبيئة التي كانت في عهد النظام السابق فمصر تعاني الظروف الاقتصادية نفسها وأخطر هذه الظروف هو تحكم المحسوبية في تسهيل الاستثمارات وهو ما يجعل السوق عرضة لحيتان لا تبقى ولا تزر وعدم توفير قيم الشفافية والنزاهة التي تضمن مناخا استثماريا جيدا يجذب إليه كبار وصغار رجال الأعمال من داخل مصر وخارجها ، وأوضح الخبير الاقتصادي أن مصر لا تستطيع أن تبلي بلاءً حسنًا في ظل الهيكل الإداري القديم فينبغي أولا إعادة الهيكلة بصورة تتناسب مع الحالة الثورية وتتضمن أسس ومبادئ التنمية الاقتصادية التي تحتاج إلى تفعيل وتطبيق أكثر من النظريات والأوراق والأبحاث .
وأضاف درويش أن الفترة الحالية غاية في الأهمية والخطورة وتتطلب من الجميع حكومة وشعبًا ورجال أعمال ومستثمرين تكثيف الجهود للعبور بالبلاد من النفق المظلم الذي تعيش فيه ولن يتأتى ذلك إلا في ظل تطبيق القانون و تذليل العقبات أمام المستثمرين ودعمهم من قبل الدولة كذلك وضع خطط استراتيجية لتطوير البنية التحتية والمواصلات وفتح آفاق جديدة للاستثمار في سيناء والصحراء الغربية وكذلك تقديم يد العون للمشروعات المتوسطة والصغيرة فهذه الإجراءات سوف تؤدي حتما إلى زيادة الإنتاج وتوفير فرص العمل والقضاء على غول البطالة وسوف تظهر مصر وقتها نتائج إيجابية في التنافسية العالمية وتعود كما كانت أرضًا جاذبة للاستثمارات.
أما الدكتور حمدي عبد العظيم الرئيس الأسبق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية فأرجع تخلف مصر في مرتبة تقرير التنافسية العالمية في المقام الأول إلى غياب الدور الرقابي لمؤسسات الدولة وقال إن الجهات الرقابية في مصر لا تنعم بأي دور حيوي في مراقبة أداء الدولة والأعمال وقد كانت تلعب دورًا تمثيليًا في عهد النظام السابق ، ولو أنها قامت بدورها المنوط بها وتعززت قوتها بإجراءات تنفيذية وتخطيها دور إصدار التقارير لما وصل الحال إلى ما هو عليه فكانت ستحدّ من نزيف الخسائر الناتج من الفساد ، وفي الفترة القادمة لابد من تفعيل هذا الدور لكي لا تكون البلاد عرضة للغرق في مستنقع الفساد المقنع فهناك من كان يستخدم البلطجة السياسية في تنفيذ مبتغاه ولكن الآن الحكم سيكون القانون ورغم ذلك فإن هناك من يستطيع التحايل عليه وتطبيق ما يسمى الفساد القانوني الذي لا تعاقب عليه التشريعات الحالية .
ويضيف عبد العظيم أن الأسس التي يصنف عليها تقرير التنافسية العالمية والمرتبط بجودة البنية التحتية والعوامل اللوجستية وكفاءة التعليم والخدمات الخاصةوالكفاية الإنتاجية وتوزيع الدخل كلها عوامل طال الحديث عنها وطرق تصحيحها في الفترة الماضية ولكن الفارق هو سرعة تنفيذ الخطط التنموية فلابد للحكومةالانتقالية والقادمة أن تضع نصب أهدافها تحقيق مشاريع التنمية والبدء في تنفيذها في أقرب وقت ممكن.
التعليقات