في ظل حالة الترقب والانتظار التي تفرض نفسها أمراً واقعاً على مستجدات وتطورات الأوضاع على الساحة الأوروبية، بالتزامن مع انعقاد قمة العشرين في مدينة كان الفرنسية، وتصاعد وتيرة الأحداث في ما يتعلق بالأزمة اليونانية، بدأ البعض يتحدث الآن عن أن الطابع الأساسي للحكم الأوروبي بات على وشك التغيير.


بات من المنتظر إما أن يتحرك جزء كبير من القارة الأوروبية بشكل أكبر صوب تشكيل حكومة اتحادية، بسياسات مالية عامة، وفقدان كبير للسيادة بالنسبة إلى معظم الدول، أو أن يتحرك بمفرده، وأن يتعرّض ربما لتداعيات اقتصادية ومالية شديدة. وهو ما كان واضحاً منذ أشهر عدة، وظلت الأسواق في صعود وهبوط بصورة متناوبة، في الوقت الذي بدا فيه أن أوروبا أبعد من التوصل إلى البديل الأول.

واتضح، وفقاً لما ذكرته في هذا الصدد صحيفة النيويورك تايمز الأميركية اليوم، أن الاحتمال الذي تسبب في إثارة ذعر القادة الأوروبيين هو شبح الديمقراطية.

وأعقبت الصحيفة بقولها إنه حين اقترح رئيس الوزراء اليوناني، جورج بابانداريو، إجراء استفتاء حول مضي بلاده قدماً في تطبيق الاتفاق الذي تم التوصل إليه في اجتماع القمة الأوروبية في الأسبوع الماضي، هيمنت صدمة وفزع على جزء كبير من أوروبا.

ثم أوضحت الصحيفة أنه فشل في النهاية في إقناع حكومته، وبالتالي لن يكون هناك تصويت على استفتاء كهذا. وينبغي أن يكون ذلك مدعاةً للحزن في بقية أوروبا، وليس للفرح. وليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن المواطنين اليونانيين سيكونون أكثر تعاوناً الآن، خاصة وأنهم أوضحوا أن آراءهم تتعارض مع آراء القادة الأوروبيين.

تابعت الصحيفة بتأكيدها على أن الشعب اليوناني لا ينبغي أن يكون الشعب الوحيد الذي يجب الأخذ بمشورته في ما يتعلق بالتغييرات الكبرى، التي تتم الآن بخصوص الطريقة التي يُحكَم من خلالها.

فقد قامت الدول، التي انضمت إلى منطقة اليورو، بذلك، وهي تفهم أن بمقدورها أن تحقق أفضل أجواء حياتية ممكنة ndash; عبر الاستعانة بعملة موحدة من دون تكامل اقتصادي وسياسي، ستكون هناك حاجة إليه لا محالة، إذا لم تنتهج البلدان سياسات اقتصادية مماثلة. لكن الصحيفة رأت أن هذا الفهم يعتبر فهماً خاطئاً.

وأوضحت الصحيفة أنه لا توجد بدائل تبدو جيدة بالنسبة إلى اليونان. وقد جاءت أحدث خطة إنقاذ أوروبية لتحمل في طياتها بعض الإيماءات المتعلقة بالترويج للنمو الاقتصادي، مثل إنشاء برنامج قروض بالنسبة إلى الشركات الأصغر، ويسمح لليونان بالإفلات من دفع بعض ديونها. لكن ذلك سيتطلب التضحية والتقشف على مدار سنوات وسنوات.

أما البديل، في ظل فقدان الدعم الأوروبي، فقد يكون أسوأ. وسيتعين على اليونان أن تمضي من خلال ارتكازها على مواردها. ومن الممكن أن يتعذر عليها سداد ديونها، وأن تقوم كذلك بخفض قيمة عملتها، التي تم إحياؤها فجأةً. وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى نمو اقتصادي، لكن في غضون ذلك سيكون هناك تقشف. ومن دون الوصول إلى رأس المال الخارجي، قد يتعين على اليونانيين أن يدفعوا لحكومتهم، عن طريق الضرائب.

إلى هنا، واصلت الصحيفة بتأكيدها على أن الاستفتاءات نادراً ما تكون وسيلة جيدة للتعامل مع القضايا المعقدة، لكن ذلك قد يكون استثناءً. فاستطلاعات الرأي نفسها، التي تقول إن معظم اليونانيين يرغبون في رفض أحدث الطلبات من جانب أوروبا، تقول أيضاً إن غالبية كبيرة تريد البقاء في منطقة اليورو.

وبات تراجع بابانداريو أمراً لا مفر منه، حين انضم وزير ماليته، ايفانغيلوس فينيزيلوس، إلى فريق معارضي الاستفتاء. لكن الصحيفة رأت أن مناورة الاستفتاء لا تنجز سوى شيء واحد فقط. وبدلاً من مواجهة حقيقة أن عجز اليونان عن تحصيل الضرائب كان من أهم أسباب حدوث الأزمة، كان بابانداريو يرغب في خفض الضرائب، وهي الخطوة التي كان يصعب أن تموّلهابقية أوروبا.

وفي وقت يواجه فيه بابانداريو ضغوطاً، داخلياً وخارجياً، بات واضحاً أن كثيرين في اليونان غير مقتنعين بأنهم بحاجة إلى اتخاذ إجراءات جذرية. وأكدت النيويورك تايمز في هذا الشأن أنه من الصعب معرفة الطريقة التي ستعمل من خلالها الخطة الأوروبية إذا كان معظم اليونانيين يحاولونتدميرها.

أما بقية بلدانأوروبا فلديها من الأسباب مايجعلها ترغب في أن تتعافى اليونان من عثرتها، بعيداً عن أي رغبات إنسانية جيدة. وختمت الصحيفة بقولها إن السماح للشعب اليوناني بأن يكون له رأي في ما يحدث له، ربما أجبر القارة العجوز على تقديم تنازلات للفوز بالاستفتاء اليوناني، أو على الأقل تسببه في التأكيد أو حتى تعزيز أجزاء الخطة التي تهدف إلى تقديم يد العون لليونانيين.