يضطلع المفوض الأوروبي السابق ماريو مونتي بمهمة تشكيل حكومة جديدة لمواجهة أزمة مالية آخذة في الاتساع، أدت إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض في إيطاليا لمستويات لا يمكن السيطرة عليها. وقدم برلوسكوني، استقالته، بعد إقرار البرلمان حزمة إجراءات، طالب بها شركاء أوروبيون، لاستعادة ثقة الأسواق في المالية العامة في إيطاليا.


الاحتفالات تعمّ إيطاليا بخروج سيلفيو برلوسكوني من الحياة السياسية واستقالته

روما: تنبأ الاقتصادي نورييل روبيني أن تفشل حزمة إصلاحات مالية طارئة لإيطاليا في إبقاء تكلفة اقتراضها في الأسواق المالية عند مستويات في المتناول. وقال إن البلد يواجه خطر التخلف عن سداد ديون، والخروج من منطقة اليورو، في حال عدم اتخاذ مزيد من الإجراءات الصارمة.

وأضاف روبيني، صاحب التوقعات الشهيرة بالأزمة المصرفية العالمية لعامي 2008 و2009 وما صاحبها من ركود اقتصادي في أنحاء العالم، أن اليونان والبرتغال وإسبانيا تواجه أيضًا خطر الخروج من الوحدة النقدية.

وأبلغ تلفزيون رويترز خلال مقابلة في موسكو quot;أعتقد أنه في الأشهر الاثني عشر المقبلة سيكون هناك احتمال كبير لفشل quot;الخطة الأصليةquot; بالنسبة إلى إيطاليا. quot;قد تضطر إيطاليا إلى إعادة هيكلة ديون، ثم قد تضطر إلى الخروج من منطقة اليوروquot;. وحلّت إيطاليا، التي تبلغ ديونها 1.9 تريليون يورو (2.5 تريليون دولار)، محل اليونان في بؤرة الأزمة المالية للمنطقة، في وقت تدفعها فيه أسواق السندات إلى حافة هاوية لا تستطيع موارد منطقة اليورو إنقاذها منها.

وقال روبيني، الذي كان يتحدث على هامش مؤتمر مالي ينظمه سبير بنك أضخم بنك في روسيا، quot;من المحتمل بدرجة كبيرة أن تغلق الأسواق في وجه إيطالياquot;. وكان البنك المركزي الأوروبي تدخل بشراء السندات الإيطالية بمبالغ كبيرة، لكنه لم يعمل كمقرض الملاذ الأخير، وهو ما أيدته ألمانيا.

وأوضح روبيني أن آلية الاستقرار المالي الأوروبي، وهي صندوق إنقاذ بقيمة 440 مليار يورو أقامته منطقة اليورو لدعم مقترضيها السياديين، هو quot;نكتةquot;. وقال إن الشيء نفسه ينطبق على ذراع متخصصة سترفع طاقة إقراض الصندوق إلى تريليون يورو، وإن صندوق النقد الدولي قد لا يستطيع تقديم دعم مالي كاف.

وأضاف quot;إذا كان المركزي الأوروبي لن يصبح مقرض الملاذ الأخير ... فعند تلك النقطة، وبعد أن تكون قد زاوجت بين أكبر قدر من أموال صندوق النقد والأموال الأوروبية، وهذا لا يكفي .. فقد تضطر إيطاليا إلى إعادة هيكلة ديون، ثم قد تضطر إلى الخروج من منطقة اليوروquot;.

وقال إن هناك quot;احتمالاً كبيرًاquot; لأن تخرج اليونان من منطقة اليورو في غضون 12 إلى 18 شهرًا، وإن البرتغال quot;هي حالة بتر رباعي مثلها مثل اليونانquot;. ورأى quot;أنهما من الصغر، بحيث إذا جرى تحصين إيطاليا وإسبانيا وسمح لهما بالخروج، فإنه يمكن القيام بالأمر بطريقة شبه منظمة.. لكن إذا خرجت إيطاليا أو إسبانيا فإن هذا يعني عمليًا تفكك منطقة اليوروquot;.

وأعلنت الرئاسة الإيطالية أن الرئيس جورجيو نابوليتانو كلف المفوّض الأوروبي السابق ماريو مونتي مساء الأحد تشكيل حكومة جديدة لخلافة حكومة سيلفيو برلوسكوني. وغادر برلوسكوني (75 عامًا) السلطة السبت، وسط شتائم وهتافات مناهضة له، ليطوي بذلك صفحة عشرين عامًا من الحكم، تخللتها فضائح جنسية وقضايا فساد في إيطاليا التي تواجه وضعًا ماليًا خانقًا.

وكان قدعيّن ماريو مونتي (68 عامًا) الأربعاء سناتورًا مدى الحياة، واستقبله برلوسكوني لساعتين على الغداء السبت. وهو شبه واثق من الحصول على دعم نابوليتانو. وحصل مونتي على دعم المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، وأجرى محادثات السبت مع المدير الجديد للبنك المركزي الأوروبي مواطنه ماريو دراغي.

وباستثناء شعبويي رابطة الشمال وبعض المتشددين في حزب برلوسكوني، الذين يرفضون المشاركة في حكومة منفتحة على اليسار، عبّرت كل الأحزاب عن تأييدها لحكومة تكلف باتخاذ الإجراءات اللازمة لتجنيب إيطاليا أزمة مالية خطرة. وكان برلوسكوني، الذي يملك امبراطورية إعلامية كبيرة، واتهم بالإضرار بمصداقية البلاد، سلم استقالته بعد تبني البرلمان إجراءات اقتصادية تهدف إلى طمأنة الأسواق والشركاء التجاريين لإيطاليا.

وقبل نابوليتانو استقالة برلوسكوني، الذي اضطر لمغادرة القصر الرئاسي من باب خلفي، لأن المتظاهرين الذين تجمعوا أمام المدخل الرئيس للقصر كانوا يصفقون فرحًا، ويرددون هتاف quot;مهرج مهرجquot;. وقبل ساعة من ذلك استقبله الحشد بهتافات quot;مافيا!quot; وquot;عار!quot; وquot;السجن!quot; وquot;الربيع الربيع (بريمافيرا بريمافيرا)quot; في إشارة إلى الحركات الاحتجاجية العربية. وقالت وكالة الأنباء الإيطالية quot;انساquot; إنه عبّر لمقربين منه عن شعوره quot;بمرارة عميقةquot;. واستمرت الاحتفالات في العاصمة حتى منتصف ليل السبت الأحد.

وكانت حشود اجتاحت بعد ظهر أمس المواقع الرئيسة في العاصمة، وهي تردد quot;استقالة استقالةquot;. وحمل بعض المشاركين علم إيطاليا، بينما رفع آخرون لافتات كتب عليها quot;باي باي سيلفيوquot; وquot;وأخيرًا!quot;. وفي ساحة القصر، قامت فرقة موسيقية مرتجلة تضم موسيقيين تجمعوا عبر الانترنت بتقديم مقطوعات موسيقية وأغان.

وقالت متظاهرة وسط صفير حاد quot;اليوم نحن هنا لأننا سعداء جدًا لأن برلوسكوني سيعود إلى بيته!quot;. وهتفت أخرى quot;تشاو إذهب بلا عودةquot;. مع ذلك رحّب بعض المتظاهرين ببرلوسكوني، وصفقوا له. وقال ماسيمو ديلا سيتا، وهو عامل في الخامسة والعشرين من العمر، quot;إنه فريد، ولا يمكن أن يُنسى، ولا أحد بمستواهquot;. وعبّرت ماريا تيريزا بورغيلي (54 عامًا) quot;نشعر بأننا أصبحنا أيتامًاquot;.

وقال داريو فرانشسكيني من الحزب الديموقراطي، أكبر أحزاب المعارضة، إن quot;الستار ينزل اليوم على واحدة من أطول الصفحات وأكثرها إيلامًا في تاريخ إيطالياquot;. ووصفت الصحف الإيطالية استقالة برلوسكوني أمس بأنه quot;يوم تاريخيquot; يشكّل quot;نهاية عصرquot;. وكتبت صحيفتا كوريري ديلا سيرا ولاستامبا quot;وداعًا برلوسكوني والطريق مفتوحة أمام مونتيquot;. أما صحيفة لاريبوبليكا فنشرت صورة لبرلوسكوني وهو يجري اتصالاً هاتفيًا من سيارته وقد بدا عليه التعب، وعنونت quot;برلوسكوني يرحل، والحشد يحتفلquot;. وكتبت الصحيفة في افتتاحيتها quot;سقط قناع رجل الإغراء (...) وانتهى الكرنفالquot;.

صحيفة ايل ميساجيرو، بدورها كتبت quot;يوم تاريخيquot; تخللته quot;لحظات ستبقى في ذاكرة الإيطاليينquot;. وقالت quot;بذلك انتهت عشرين عامًا مثل خلالها برلوسكوني بالخير والشر المحور الذي تدور حوله السياسة الوطنيةquot;. وإلى جانب رحيل برلوسكوني، ركز عدد من الصحف على المهمة الصعبة التي تنتظر رئيس الوزراء المقبل. وكتبت صحيفة ايل كوريري ان quot;الطريق صعبة، ولعبورها يجب عدم الوقوع في أخطاءquot;.

وكان النواب الإيطاليون تبنوا السبت مجموعة إجراءات لتقليص الديون ودفع النمو طالب بها الاتحاد الاوروبي، ما يفتح الباب أمام الاستقالة المعلنة لرئيس الحكومة سيلفيو برلوكسوني. وأقرّ النواب هذه الإجراءات بـ380 صوتا مقابل 26 وامتناع نائبين عن التصويت. ولم يشارك الحزب الديموقراطي أبرز أحزاب المعارضة في التصويت لتجنب عرقلة اتخاذ هذه القرارات المصيرية.

وقال النائب عن الحزب الديموقراطي داريو فرانشسكيني quot;اليوم أسدل الستار على صفحة طويلة ومؤلمة من تاريخناquot;. وأضاف quot;إن إيطاليا بلد يرغب في طيّ الصفحة، والانطلاق مجددًا من نقطة الصفر. غدًا ندخل مرحلة جديدة، وعلينا العمل على إعادة بناء الاقتصاد والقضاء والقانون الانتخابي... من الصفرquot;.

من جهته قال النائب فابريزيو تشيتشيتو من حزب شعب الحرية، حزب برلوسكوني، إن الأخير وافق على الاستقالة quot;مع أنه لم يكن مجبرًا على ذلكquot;. وتابع هذا النائب quot;لقد كشف عن تحليه بضمير وطني، ونحن نشكره على ذلك، ونبدي تضامننا معه في وجه الهجمات التي يتعرّض لهاquot;.