يجزم خبراء تحدثوا لـquot;إيلافquot; أنّ اضطرابات تونس ومصر تخدم الجزائر اقتصاديًا بشكل كبير، من حيث ما يشهده الظرف الراهن من ارتفاعات في بورصة النفط إلى مستويات فاقت المائة دولار للبرميل، في وقت تقود حالة المصرية إلى دعم الهامش التفاوضي للجزائر الراغبة في شراء quot;جازيquot; العلامة التجارية لمجموعة أوراسكوم المصرية بأقل كلفة والظفر بها دون كبير عناء.


الجزائر: في وقت أحجم مسؤولون عن الخوض في الانعكاسات الاقتصادية لاضطرابات تونس ومصر على الراهن الجزائري ومستقبلياته، ينأى متخصصو الشأن الاقتصادي الجزائري، بالأخير عن تأثيرات ذات بال خصوصًا مع انحسار رقعة مبادلات الجزائر مع الدولتين المذكورتين في بضعة ملايين من الدولارات، حتى وإن كان هناك تأثر نسبي لحركة السلع والأشخاص.

ويبرز الهادي كلكالي بلهجة الواثق، أنّ الجزائر مستفيدة اقتصادياً مما جرى ولا يزال في تونس ومصر، ويرى كلكالي أنّ الجزائر تستطيع الاستفادة أكثر من الاضطرابات التونسية لتدعيم مكانتها كبلد سياحي واستدراج السياح بما فيهم الآلاف من مواطنيها الذين ظلوا يتخذون تونس كوجهة سياحية أولى ووجودهم في الصدارة من حيث الإنفاق السياحي (بين 100 إلى 150 دولار يوميا أي أكثر من الفرنسيين بعشر مرات).

لكنّ أنيس نواري يبدي تشاؤما، بتأكيده على أنّ الجزائر لا يمكنها الاستفادة سياحيًا من الوضع التونسي، بحكم محدودية إمكاناتها الهيكلية، وعدم استطاعتها استيعاب مليون سائح سنويا، إضافة إلى عامل غلاء أسعار الخدمات، ما سيرغم الكثيرين ndash; بما فيهم أبناء البلد ndash; على التوجه نحو المغرب وتركيا بالدرجة الأولى.

في المقابل، يلفت نواري إلى أنّ الانعكاس الايجابي الأكبر للاضطرابات التونسية ndash; المصرية، يتمثل في اطراد سعر النفط، ووصول سعر البرميل إلى عتبة المائة دولار، مع احتمال صعوده إلى أكثر من ذلك في غضون المرحلة القمقبلة، وهو ما يعني أنّ الجزائر ستجني عائدات معتبرة في بلد يقوم 98 % من اقتصاده على الصادرات النفطية.

في مقاربته لما يُثار بشأن تأثر الاستثمارات الجزائرية في تونس ومصر، يرفض كلكالي الأمر رأسا، تبعا لكون هذه الاستثمارات شكلية، في المقابل يوعز أنّ الاستثمارات المصرية في الجزائر ستتأثر بشكل كبير، وفي مقدمتها تلك الخاصة بمجموعة الاتصالات المصرية quot;أوراسكومquot; وعلامتها التجارية quot;جازيquot;.

وبحسب نواري، يُنتظر أن تغدو عملية شراء السلطات الجزائرية لـquot;جازيquot; أكثر سهولة، خصوصا وسط المتاعب التي يعانيها آل ساوريس، حيث ستكون إدارة المجموعة مضطرة لبيع جازي بأي ثمن، سيما وأنّه من الأفضل اقتصاديا لها بمنظور كلكالي، أن يسرّع ساوريس العملية ويغادر خشية تفاعلات تجميد أمواله، علما أنّ المتعامل المصري العملاق استثمر منذ دخوله السوق الجزائرية (العام 2002) ما لا يقل عن 4 مليارات دولار، وظلت جازي إحدى العلامات التجارية الأكثر دخلاً لمجموعة أوراسكوم، وهو ما يظهره نجاحها في استقطاب أكثر من63.7 % من مشتركي المحمول في الجزائر.

بدوره، يؤيد نواري نظرة كلكالي، ويتصور أنّ ما سيزيد من ضعف الموقف المصري، هو تلكؤ مجموعة آل ساوريس في دفع ما يقارب 665 مليون دولار كمستحقات ضريبية للدولة الجزائرية، بجانب ما تقول الأخيرة من أنّ أوراسكوم أخلّت بقانون التحويلات المالية نحو الخارج من خلال إقدامها على تحويل 190 مليون دولار، ما سيلقي بظلاله على مؤدى عملية التقييم الجارية لقيمة الصفقة ويرجّح الكفة لمصلحة الطرف الجزائري.

وحول تأثير إمكانية توقف مشروعات مصرية أخرى في الجزائر على غرار مصنع quot;عز الدخيلquot; للحديد والصلب بولاية جيجل (400 كلم شرق)، واحتمال عزوف المستثمرين الأجانب عن الخوض في السوق الجزائرية خوفا من انتقال عدوى زوابع تونس ومصر إليها، يشدّد كل من كلكالي ونواري على أنّ الجزائر التي تتمتع ببحبوحة مالية يطبعها احتياطي مهم من النقد الأجنبي يربو عن 155 مليار دولار، مستغنية عن الاستثمارات الأجنبية، وتريد الاكتفاء باستثمارات متعامليها المحليين فحسب، حيث لا تبالي الحكومة بمشروعات خارجية على الطريقة الفرنسية الباحثة عن ابتلاع الأموال وكفى، بل تهتم بدفع قاطرة الاستثمار المنتج لإخراج المنظومة الإقتصادية من عنق الزجاجة.

زلزال محتمل يفرض حلولا سريعة
يلفت quot;هيثم ربانيquot;، وquot;أنيس بن مختارquot; إلى خطر حدوث زلزال اجتماعي في الأشهر المقبلة، مع كل ما سيفرزه ذلك من آثار اقتصادية جسيمة، ما لم تتخذ الحكومة حلولا عميقة وسريعة لمشكلات البطالة والمعيشة والإسكان، والكف عن إهدار مزيد من الوقت في التسويق لأرقام مغلوطة تزيف حقيقة واقع التنمية والوضع الاجتماعي في البلاد.

ويركّز هيثم رباني على أنّ الجزائر التي سجلت فرار الآلاف من كوادرها وخيرة شبابها، وشهدت نشوب أكثر من عشرة آلاف حركة احتجاجية في العام الأخير، آخرها (انتفاضة) الخامس يناير/كانون الثاني الماضي، مرشحة لتململ أوسع، إذا لم يوفر الجهاز التنفيذي نحو أربعمائة ألف وظيفة خلال الأشهر الستة المقبلة، ويخص الأمر ndash; بحسب رباني ndash; قطاع المؤسسات المصغّرة والمتوسطة، حيث لا يزال الآلاف من الشبان تحت طائلة الاحتباس.

من جانبه، ينبّه quot;أنيس بن مختارquot; إلى تداعيات مقلقة لمواصلة السلطات نكث وعودها، وإهدار طاقات ملايين من الشباب العاطل الذين يمنّون أنفسهم بوظائف، وعدم استثمارها للقوى الشابة، سينعكس سلبا على الحركية العامة للبؤس المتنامي، خصوصا مع وجود ربع متخرجي الجامعات على الهامش، بدل تفعيلهم في نسيج اقتصادي منتج.

ويقدّر بن مختار أنّ مآل تكريس هكذا وضع، سيكون حتما التأزم الموصل إلى الصدام والاحتجاجات غير المنتهية التي قد تفجر بركانا واسع النطاق، إذا لم يتم فتح آفاق مستقبلية مشرقة، وتتم الاستجابة إلى مطالب شعبية لا يمكن اختصارها في الخبز والحليب والزيت والسكر فحسب.

هذا البعد مرهون ndash; يقول نواري ndash; بتوخي خطة شاملة بعيدة الرؤيا، تنتصر إلى تحد استراتيجي يؤمّن البلد اجتماعيا واقتصاديا على المديين المتوسط والطويل، بدل الإفراط في الحلول الترقيعية المؤقتة التي لا تستطيع أن تخلق اقتصادا متوازنا، وسط تكاثر ظاهرة الأثرياء الجد وانتفاء الطبقة المتوسطة.

وفي مجتمع محلي قوامه 36 مليون نسمة (ثلاثة أرباع سكانه يقلّ سنهم عن 25 عاماً)، تبلغ نسبة البطالة ndash; رسميا - 10.2 %، بيد أنّ كثيرًا من الخبراء والمراقبين يشكّكون في صحة النسبة المذكورة، ويعترفون بنسبة بطالة لا تقل عن 30 %، وإجمالي العاطلين عن العمل بحدود ثلاثة ملايين شخص، 72 % منهم تحت سن الـ30.