حذرت فرنسا في اجتماع لوزراء مالية مجموعة العشرين من اندلاع أعمال شغب حول العالم بسبب زيادات حادة في أسعار الغذاء كتلك التي حدثت قبل 3 سنوات. في حين خشي رئيس البنك الدولي أن يؤدي غلاء السلع الأساسية خلال العامين المقبلين إلى تفشّي الاضطرابات وإسقاط حكومات. ولهذا تدخلت دول آسيا في الأسواق لضبط أسعار المواد الاستهلاكية.
![]() |
إعداد كارل كوسا: الارتفاعات المتتالية لأسعار الطعام الأساسي للإنسان بدأت تقلق قادة العالم، بعدما أطلق فتيل غلاء الغذاء احتجاجات أخيرًا في مناطق من الشرق الأوسط، وحذّر رئيس البنك الدولي روبرت زوليك قادة الدول الاقتصادية الكبرى من أن العالم بدأ يصل إلى مرحلة خطرة يهدد فيها ارتفاع أسعار الأغذية بمزيد من انعدام الاستقرار السياسي. وتخشى كبرى الدول في العالم من أن يعيد ارتفاع أسعار الأغذية نموذج اضطرابات عام 2008 حين أدى الغلاء إلى اندلاع اضطرابات في دول عدة.
رئيس البنك الدولي روبرت زوليك يرىأن ارتفاع الأسعار قد يتسبب خلال العامين المقبلين في أن quot;تعمّ الاضطرابات، وتسقط حكوماتquot;. ويعدّ ارتفاع أسعار الغذاء والوقود وغيرها من السلع الأساسية أحد العوامل الرئيسة، التي أدت إلى الاضطرابات السياسية في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأدت إلى الإطاحة بالرئيسين المصري والتونسي.
زوليك أوضح أن على المجتمع الدولي أن يكون مستعدًا للتصرف بسرعة لمساعدة دول مثل تونس على استيعاب الصدمات الاقتصادية أثناء محاولتها إدارة الانتقال السياسي. وحذّر قبل يومين من اجتماع مجموعة العشرين من أن أسعار الأغذية ارتفعت بنسبة 15 % في الفترة من تشرين الأول/أكتوبر 2010 وكانون الثاني/يناير 2011، مما دفع بـ 44 مليون شخص آخرين إلى حد الفقر.
ووضعت فرنسا، التي تتولى رئاسة مجموعة العشرين للدول المتطورة والنامية، من بين أهدافها الرئيسة خفض التقلبات في أسعار السلع الأساسية، ومن بينها الغذاء. وقال زوليك إن وزراء مجموعة العشرين تقبلوا بعض الأفكار التي طرحها البنك الدولي، وإن الاجتماع سيوفّر منبرًا للتحرك.
فرنسا: غلاء الغذاء ينذر بامتداد أعمال الشغب
إلى ذلك، حذر وزير الزراعة الفرنسي الأمم المتحدة من اندلاع أعمال شغب حول العالم بسبب زيادات حادة في أسعار الغذاء على غرار تلك التي حدثت قبل ثلاث سنوات.
وكان برونو لومير يتحدث في الجمعية العامة الخميس، بعدما أعلنت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة quot;الفاوquot; في وقت سابق من هذا الشهر أن مؤشر أسعار الغذاء ارتفع للشهر السابع على التوالي في كانون الثاني (يناير) ليصل إلى أعلى مستوى مسجل.
وأعلن أن تقلبات أسعار الغذاء لا يمكن احتمالها بالنسبة إلى المنتجين والمستهلكين على السواء، وقال لومير إنها تعرضنا مرة أخرى لخطر أعمال شغب من جانب الجوعى، مثل تلك التي شهدها عدد من الدول في 2008.
في ذلك الوقت اندلعت أعمال شغب في دول في أنحاء متفرقة من العالم مثل مصر والكاميرون وهايتي. وكان لومير يحدد للجمعية العامة جدول الأعمال الذي تقترحه فرنسا لمجموعة العشرين، التي تضم أكبر الاقتصاديات المتقدمة والصاعدة، والتي تتولى رئاستها حاليًا. ومن بين أهداف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي السيطرة على أسعار السلع الأساسية المتقلبة.
ويلقى باللوم في زيادات الأسعار على تقلبات الأحوال الجوية، وزيادة عدد السكان، وفقدان أراض زراعية، لكن لومير قال إنها تتفاقهم بسبب المضاربات ونقص المعلومات بشأن مخزونات السلع الأساسية، وقرارات مفاجئة لدول بوقف الصادرات.
وقال الوزير - الذي نشرت البعثة الفرنسية لدى الأمم المتحدة كلمته التي ألقاها في جلسة مغلقة للجمعية العامة - إن باريس تقترح سلسلة إجراءات، من بينها استثمارات عامة في الزراعة حول العالم، وتشجيع استثمارات القطاع الخاص.
![]() |
وتعهدت قمة مجموعة الثماني للدول الصناعية الكبرى التي عقدت في لاكويلا في إيطاليا في 2009 بجمع 20 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات لتعزيز تطوير الزراعة، لكن مسؤولين فرنسيين قالوا إنه تم صرف نحو ملياري دولار فقط، مع أمل ضئيل في صرف المزيد في الأجل القصير، بينما تقلّص الدول المتقدمة ميزانياتها. وقال لومير إن هناك حاجة أيضًا إلى تنظيم أسواق السلع الأولية الدولية، لكنه أضاف أن هذا يعني تطوير عملياتها، وليس مقاتلة السوق. نحن لا نرغب في العودة إلى اقتصاد زراعي موجه.
وأوضح لومير في مؤتمر صحافي، أن الولايات المتحدة قطعت بالفعل شوطًا بعيدًا في تنظيم السوق من خلال قانون دود - فرانك الذي بدأ سريانه العام الماضي، والذي يتضمن بنودًا غير موجودة حتى الآن في الاتحاد الأوروبي.
يأتي التحذير الفرنسي بعد تحذير أطلقه روبرت زوليك رئيس البنك الدولي، الذي أكد فيه أن الأسعار العالمية للأغذية وصلت إلى مستويات خطرة، وقد تتسبب في تفاقم الأوضاع الاجتماعية الهشّة في الشرق الأوسط، وتثير آثارها أيضاً القلق في أنحاء آسيا الوسطى.
وأظهرت بيانات للبنك الدولي أن أسعار الأغذية المرتفعة دفعت 44 مليون نسمة آخرين إلى هوة الفقر المدقع، منذ يونيو/ حزيران عام 2010 في البلدان النامية.
آسيا الوسطى تستعد لمواجهة تداعيات الأزمة
في المقابل، تخشى الأنظمة في آسيا الوسطى، في مواجهة الارتفاع الكبير لأسعار المواد الغذائية في العالم، من اضطرابات اجتماعية، مثل تلك التي شهدتها مصر وتونس، ما دفعها إلى التدخل في الأسواق لضبط أسعار السلع الاستهلاكية. وفي وقت سابق من الأسبوع صرّح رئيس البنك الدولي روبرت زوليك، أن laquo;أسعار المواد الغذائية ارتفعت في شكل كبير في آسيا الوسطىraquo;.
مضيفاً أنه laquo;نظراً إلى مستويات الفقر، ينفق السكان نسبة كبيرة من موازناتهم تصل إلى 50 % أو أكثر، على شراء الأغذيةraquo;، ومشيراً إلى أن الوضع تفاقم بسبب انخفاض الحوالات المالية الروسية. وتابع زوليك laquo;ولذلك توجد مشكلة حقيقية يمكن أن تكون لها انعكاسات سياسية واجتماعية في دول آسيا الوسطىraquo;.
وتعتمد آسيا الوسطى بشكل كبير على الأغذية المستوردة، ولذلك فإنها تعاني ارتفاع أسعار الأغذية عالمياً، الذي أثار ارتفاعه استياء لدى شعوب المنطقة، بعدما بلغ معدلات قياسية خلال كانون الثاني (يناير) الماضي، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة quot;فاوquot;.
وقالت المتقاعدة صوفيا موخازهانوفا (63 سنة) أثناء تسوقها في ألمآتا عاصمة كازاخستان laquo;عند عودتك إلى متجر ما، بعد يوم أو يومين تلاحظ أن الأسعار ارتفعت. هذا أمر لا يمكن احتماله. مثلاً، القمح كان سعره 2.46 دولار قبل أسبوعين، والآن أصبح سعره 2.87 دولار. عندما خصصوا لنا معاشات تقاعدية شعرنا بالـعادة، لكن تلك المعاشات ذهبت أدراج الرياحraquo;.
وفي أوزبكستان المجاورة، يشعر السكان كذلك بارتفاع الأسعار. يقول المواطن تاشكينت إنه يجني 600 دولار شهرياً، ولديه ستة أطفال: laquo;قبل ثلاث أو أربع سنوات، كان مرتبي جيداً. لكن مع تسارع التضخم بهذه الوتيرة، نشعر بأن المال يختفي بسرعة كبيرةraquo;.
أما الوضع الأصعب فهو في طاجكستان، التي تعد أفقر دولة في أسيا الوسطى، حيث لا يتجاوز معدل الراتب الشهري 70 دولاراً، في حين ارتفع سعر كيس الطحين وزن 50 كيلوغراماً من 22 إلى 32 دولاراً منذ نهاية كانون الأول (ديسمبر) الماضي. ونصح الرئيس إمام علي رحمانوف العائلات laquo;بتخزين ما يكفي من السلع الأساسية، خصوصاً القمح، لمدة سنتين نظراً إلى أزمة الغذاء العالميةraquo;.
![]() |
وفي محاولة لمعالجة المشكلة، نظمت السلطات الطاجيكية أسواقاً في العاصمة دوشنبه وغيرها من المدن الرئيسة في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، لبيع سلع غذائية بأسعار مدعومة من الحكومة. وتتدخل حكومات أخرى في المنطقة لمواجهة مشكلة التضخم.
وسيّرت السلطات الأوزبكية عمليات تفتيش منتظمة للأسواق للحد من ارتفاع الأسعار. وفي قيرغيزستان، فإن للدولة الحق في التدخل إذا ارتفعت الأسعار فجأة بنسبة تزيد عن 10 %. ووصف نائب رئيس وزرائها عمر بيك بابانوف استقرار أسعار الأغذية الأساسية بأنه laquo;مسألة رئيسة بالنسبة إلى الحكومةraquo;.
وألقى المحلل السياسي عسكر بشيمو، والنائب السابق لوزير الخارجية باللوم على سياسات الحكومة الجديدة laquo;غير المسؤولةraquo;، وquot;الفسادquot;، ويقول إن الأسعار ترتفع بنسبة خمسة أضعاف مقارنة بأي مكان آخر في العالم، مضيفاً أن laquo;الظروف مهيئة لقيام احتجاجات حاشدةraquo;.
وعانت قيرغيزستان واقتصادها من تغيير النظام وما تلاه من اشتباكات إثنية دامية. واتخذ بعض السكان خطوات لشد الأحزمة. وتقول أمينة تايروفا أثناء تسوقها في بشكيك laquo;نشعر بأن هذا وقت حرب. لا أذكر المرة الأخيرة التي تناولت فيها كمية كافية من اللحم، وبدأت اقتصد في استخدام الخبز والحليبraquo;.
وتعهد ساركوزي بإصلاح النظام النقدي العالمي وأسواق السلع خلال رئاسته لمجموعة العشرين في اليومين الماضيين، وقال إنه يهدف إلى الدفاع عن الاقتصاديات الفقيرة في وجه اضطرابات العملات والتجارة. وصادقت قمة العشرين في باريس يوم 19 فبراير/شباط على لائحة المؤشرات لقياس الاختلالات الاقتصادية العالمية. وقالت وكالة الصحافة الفرنسية إن فرنسا بذلك تجاوزت quot;بصعوبة العقبة الأولى في رئاستها لمجموعة العشرينquot;، إذ إنها quot;انتزعت هذا الاتفاق من الصينquot;.
وكانت عقدت يومي 18 و19 فبراير/شباط الأخيريين في العاصمة الفرنسية فعاليات اجتماع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في دول مجموعة العشرين، التي تضم البلدان الصناعية الكبرى والبلدان ذات الاقتصادات الناشئة للبحث في عدد من الموضوعات المهمة، منها إحكام ضبط الأسواق المالية العالمية والعمل على الحد من المضاربة على أسواق المواد الأولية الزراعية وسبل تمويل التنمية في البلدان النامية والإسهام في تحسين أداء المنظمات المالية والنقدية الدولية.
وتشرف فرنسا على هذا الاجتماع، باعتبارها تترأس حاليًا هذه المجموعة ومجموعة البلدان الصناعية الكبرى، لكن المراقبين يعتقدون أنه من الصعب الخروج بنتائج عملية نهائية في أعقاب هذا الاجتماع نظرًا إلى الخلافات الكثيرة القائمة بين البلدان الأعضاء في مجموعة العشرين.
من هذه الخلافات مثلاً تلك التي تتعلق بضوابط صحة اقتصاد هذا البلد أو ذلك. فهل تقاس هذه الصحة عبر حجم مديونية الدول أو من خلال عجز مبادلاتها التجارية وفائضها أم بوساطة ميزان الدفوعات؟ وقد لوحظ مثلاً من خلال مواقف عدد من البلدان ذات الاقتصادات الناشئة المعروفة بصادراتها المتزايدة، كالصين الشعبية والهند والبرازيل، أنها تعترض على عدد من الضوابط التي تريد البلدان الصناعية الكبرى فرضها عليهان معتبرة أن هذه الضوابط من شأنها عرقلة نموها.
السعودية ترى أن المشروع الفرنسي جيد
في ما يخص المشروع الفرنسي الرامي إلى إيجاد ضوابط للحيلولة دون تزايد المضاربة على أسعار المواد الأولية، فإن بلدانًا عديدة ذات اقتصادات ناشئة، منها السعودية، ترى أن المشروع جيد، شريطة تعهد البلدان الصناعية والناشئة الكبرى المصدرة للمنتجات الزراعية بالالتزامات التي يمكن أن يتم التوصل إليها دون مواربة.
فالبرزايل والأرجنتين، اللذان يعدان ضمن البلدان الكبرى المصدرة للحوم والحبوب، تتتحفظ على المشروع، لأنها ترى أن المضاربة على أسعار المنتجات الزراعية الأولية شكل من أشكال رفع الأسعار، وأن مزارعي البلدان الصناعية الكبرى، ومنها مثلاً روسيا وفرنسا، يستيفدون في غالب الأحيان من المضاربة لتصدير منتجاتهم بأسعار مرتفعة.
![]() |
وتقترح منظمة الزراعة والأغذية العالمية بدورها رفع حجم الاستثمارات الزراعية في البلدان النامية عبر القطاعين الخاص والعام وعبر المساعدات الغربية ومساعدات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي للمساعدة على ضمان الأمن الغذائي، لاسيما بالنسبة إلى صغار المزارعين في البلدان النامية، الذين يظلون في مقدمة ضحايا المجاعات وظاهرة الاحتباس الحراري والمضاربة. وترى منظمة laquo; الفاوraquo; أن هذا التوجه ينبغي أن يكون عصب الإستراتيجيات المتبعة لتمويل مسارات التنمية في البلدان الفقيرة.
هناك أمل لدى فرنسا في أن تسفر اجتماعات مجموعة العشرين المقبلة عن جملة من الإجراءات والمقترحات تتم المصادقة عليها في قمة المجموعة، التي ستعقد في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في مدينة كان الفرنسية. ومن هذه الاجتماعات ذلك الذي سيعقده وزراء مالية المجموعة في شهر أبريل/نيسان المقبل في واشنطن، واجتماع وزراء الزراعة في باريس في شهر يونيو/حزيران المقبل، واجتماع وزراء العمل في العاصمة الفرنسية أيضًا في شهر سبتمبر/أيلول المقبل.
سوريا تخفض الضرائب على المنتجات الغذائية
لاحتواء ما يحصل في المنطقة من غليان اجتماعي - اقتصادي، أعلنت الحكومة السورية أخيرًا عن سلسلة من الإجراءات ترمي إلى تخفيض أسعار المنتجات الغذائية الرئيسة. يأتي هذا الإعلان فيما تسود موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات السياسية والاجتماعية في الشرق الأوسط، بعد ثورتي تونس ومصر، اللتين أطاحتا بالرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك.
وخفضت الضرائب بنسبة 53.3% على الزيت، و20% على السمن الحموي، و25% على السكر، بحسب مرسوم رئاسي أصدره الرئيس بشار الأسد.
وقال رئيس لجنة الصناعات الغذائية في غرفة صناعة دمشق عصام زمريق لصحيفة الثورة السورية الخميس quot;جاء هذا المرسوم نتيجة لارتفاع أسعار المواد الغذائيةquot;، مؤكدا أن آثاره لابد أن quot;تنعكس على ذوي الدخل المحدود والطبقات الأقل دخلاًquot;. ونقلت الصحيفة تصريحات المسؤول في مقالة بعنوان quot;حاجات المواطن الأساسية محلّ الاهتمام الأولquot;.
كما خفضت الضرائب على الاستيراد من 2% إلى 1%. وقال المسؤول للصحيفة quot;نتطلع أيضًا إلى مساهمة التجار في دعم المواطن من خلال تخفيض نسبة أرباحهم نظرًا إلى ارتفاع أسعار المواد عالميًاquot;.
وخفض المرسوم نسبة الضرائب على الحليب المجفف من 10 إلى 5%، والشاي من 10 إلى 7%، والأرز من 3 إلى 1%، والقهوة من 20 إلى 15%، والموز من 40 إلى 20%.
وبدأ في الأسبوع الفائت صندوق وطني للمساعدات الاجتماعية بقيمة 250 مليون دولار، أُنشئ في كانون الثاني/يناير توزيع المساعدات المالية للأكثر فقرًا على ما نقل الإعلام الرسمي الاثنين. ويعيش حوالي 14% من أصل 22 مليون سوري في فقر مدقع، بحسب برنامج الأمم المتحدة للتنمية.
التعليقات