في وقت يخصص فيه أكثر من 75 % من الميزانية الحكومية السعودية المعتمدة وما يعادل أكثر من 300 مليار ريال سنويًا للمشاريع وملحقاتها من صيانة وتشغيل، إضافة إلى تخصيص مبالغ مالية إضافية خارج الميزانية العامة للمشاريع، ورغم الجهود التي تبذلها الجهات الحكومية في تنفيذ تلك المشاريع الضخمة، إلا أن الواقع يكشف عن تعثر عدد منها ما يسبب أثراً سلبيا كبيرًا على النواحي التنموية والاجتماعية والاقتصادية.


الرياض: يواجه تنفيذ عدد كبير من المشاريع الضخمة داخل السعودية جملة من التحديات، أسهمت في تعثر كثير منها، أبرزها البيروقراطية والكفاءة غير المؤهلة. ويرجع خبراء استراتيجيون أسباب المشكلة في عدم وجود تنظيم حكومي إداري فاعل، يعنى بتخطيط وإدارة وتنفيذ المشاريع كما هو معمول به في الدول المتقدمة، مثل ألمانيا وأميركا، أو حتى دول إقليمية مثل الإمارات وقطر.

موضحين أن هناك أكثر من 400 جهة حكومية تعمل بشكل مستقل، حيث ينعدم التنسيق في ما بينها، وتسعى السعودية حالياً إلى إيجاد كيان حقيقي لإدارة المشاريع في كل القطاعات الحكومية، إضافة إلى أن العمل جار الآن على حصر المشاريع المنفذة، وليس المتعثرة.

في هذا السياق، يقول خبير المشاريع والكاتب الاقتصادي سليمان العريني في حديث لـ إيلاف quot;إن غياب جهة تنظيمية وتشريعية وإدارية عليا تتبع (المقام السامي) وتكون فوق مستوى الوزارات التنفيذية يعتبر العامل الرئيس في ما نواجهه من مشاكل في المشاريع، إضافة إلى عدم عدالة نظام المشتريات والعقود الحكومية، فهو نظام يمكن وصفه بعقد من طرف واحد، فهو يخدم الجهة الحكومية وضد المقاول، إضافة إلى ضعف إدارات المشاريع في الجهات الحكومية وعدم وجود خبرات متخصصة في إدارات المشاريع، وضعف قطاع المقاولات بشكل كبير نتيجة لعمد الاستثمار في هذا القطاعquot;.

مضيفاً quot;بعد الطفرة الأولى في نهاية السبعينات، قلّت أو توقفت المشاريع الحكومية بشكل كبير، مما أجبر القطاع الخاص على الخروج من قطاع المقاولاتquot;، ويقول العريني quot;يبدو أننا لم نتعلم الدرس، فها نحن نعمل بالأسلوب السابق نفسه... استعجال في التنفيذ واعتماد على الشركات الأجنبية وتضخم في أسعار المشاريع، مشاريع الملياراتquot;.

وعن الجهة التي تملك معلومة عن عدد المشاريع الجاري العمل عليها والمتعثر منها، قال العريني quot;لا توجد أي جهة حكومية تملك معلومات متكاملة عن عدد وحجم المشاريع، وما هو متأخر وما هو متعثر، وهذا طبيعي نتيجة لأن كل جهة حكومية تعمل بشكل مستقل ومنعزل عن الجهات الحكومية الأخرىquot;، مضيفًا quot;أن وزارة المالية هي الجهة الحالية التي يمكن أن تقدم معلومات عن المشاريع، ولكنها فقط معلومات ماليةquot;.

ويضيف العريني قائلاً quot;هناك تكاليف مضاعفة أكثر من (700%) وهو هدر مالي يقدر بمئات المليارات سنوياً، لا يحترم المواطن، ويضيع فرص التطوير، فلو أخذنا الشارع مثلاً، سنجد أنه كما يقال بالعامية quot;سبيلquot;، فكل يوم يتم حفره ثم دفنه من قبل جهات حكومية مختلفة، فيوم تأتي مديرية المياه لتركيب أو صيانة شبكة مياه، ثم تأتي في وقت آخر شركة ومثلها خدمات الصرف الصحي وخدمات تصريف السيول والاتصالات وغيرها، أكثر من 10 جهات حكومية تتعامل مع الشارع نفسه.

بينما في الدول المتقدمة يتم العمل من قبل جهة واحدة وفي وقت واحدquot;، ويعود ذلك بحسب العريني إلى quot;عدم وجود رؤية وخطة إستراتيجية شاملة، يتم بناءً عليها تحديد البرامج والمشاريع المطلوبة لتحقيق الأهداف الإستراتيجية، مع تحديد أولويات تنفيذ هذه المشاريع، فبناء مستشفى يجب أن يأخذ الأولوية على مشاريع أخرى، كما إنه يجب وضع برنامج زمني لتنفيذها وميزانية معقولة وعادلة-ضعف وقلة الموارد البشرية المتخصصة في تخطيط وتنفيذ المشاريع من مخططين إستراتيجيين ومهندسين وفنيين وإداريين وماليين، مع غياب أي خطط إستراتيجية للإستثمار وتطوير الموارد البشرية المحليةquot;.

ويسهب العريني quot;هناك طفرة في المشاريع لم تشهدها المملكة في السابق، طفرة تقدر بأكثر من 400 مليار سنوياً في عدد من المشاريع منها جامعة الأميرة نورة، جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، قطارات في مكة وجدة والرياض، مركز الملك عبدالله المالي، توسعات في جامعات الملك سعود والإمام محمد بن سعود، أكثر من 10 جامعات جديدة، شبكات مياه وصرف صحي، مشاريع جدة، تطوير التعليم، وتطوير الصحة، ...الخ، وهي مشاريع يعمل على إدارتها وتنفيذها أكثر من (2) مليون مخطط ومهندس وإداري ومالي وفني، جلهم غير سعوديين، بينما في كل الدول المتقدمة، يعتمد في تنفذ المشاريع على الموارد البشرية المحلية، بل وإن هذا النوع من المشاريع يستخدم لتدريب الموارد البشرية المحلية، وتساءل العريني، لماذا نحن مختلفون؟ ومن المستفيد من هذا الوضع؟.

وعن ارتفاع أسعار المشاريع، قال العريني هي أسعار فلكية لا يمكن أن تكون معقولة، مع سرعة واستعجال غير مقبولة وغير مبررة في تنفيذها. فيكفي لتوضيح هذه المشكلة مقارنة مشاريعنا بمشاريع مماثلة في دول أخرى وعندها ستلاحظ الفروق والمبالغة الخيالية، كما يلاحظ أيضاً أن أموال المشاريع المصروفة للشركات المحلية أو الخارجية كلها تذهب للخارج إما على أشكال مواد أو تحويلات عمالية. وذلك بسبب عدم وجود نظام للمتابعة والمراقبة من خلال نظام شفافية ومؤشرات أداء تحدد وضع المشاريع ومستوى الأداء وتعطي مؤشرات في حالة وجود خلل أو مخاطرة، سواءً إمكانية التعثر أو التأخير.

واختتم العريني حديثه لـ إيلاف quot;إن ذلك يعود إلى عدم وجود نظام للمحاسبة والعقاب، فالجهات الرقابية الحالية وهي ديوان الرقابة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق ووزارة المالية، يبدو أنها، ونتيجة لتكرار المشاكل المالية والتعثر في المشاريع، غير فاعلة لسبب أو لآخر. ولعل ما تكرر من مشاكل في مشاريع البنية التحتية في جدة وما تم من تبادل التهم والتهرب من المسؤولية بين جهات حكومية مثل وزارة المياه والأمانات ووزارة المالية يثبت بشكل قاطع الواقع المر الذي نعيشه في المشاريعquot;.