واشنطن: رغم الجهود التي قامت بها شتى بلدان العالم للحد من تداعيات أزمة الغذاء العالمية التي نشأت عام 2008، إلا أن ارتفاع أسعار الغذاء بات يشكل أكبر خطرٍ على الفقراء في العالم اليوم، في ضوء ذلك أعلن روبرت زوليك رئيس البنك الدولي، الصحافيين في مؤتمر عقب اجتماع لجنة التنمية التابعة للبنك وصندوق النقد الدولين أن صدمة أخرى في أسعار الغذاء ستدفع العالم إلى الدخول في أزمة كاملة.

وأكدت ذلك منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة quot;الفاوquot; حين دعت المجتمع الدولي غلى الاستعداد لأوقاتٍ عصيبة مقبلة ما لم يُسجِّل إنتاج المحاصيل الغذائية الرئيسة زياداتٍ كبرى في غضون العام الجاري، موضحة أن فاتورة الغذاء خلال العام الماضي بلغت نحو تريليون دولار، متأثرة بالارتفاع الحاد في أسعار السلع الغذائية مقارنة بالأرقام المسجلة في العام قبل الماضي.

وأشارت quot;الفاوquot; إلى أن مؤشرها لأسعار المواد الغذائية في العالم يقف حالياً عند مستوى يرتفع بنسبة 37% عن مستوى الأسعار النافذة في مارس/ آذار من العام الماضي.

في تلك الأثناء انخفض إنتاج العالم من الحبوب في عام 2010، فيما انعكس على تراجُع الأرصدة من المخزونات، بينما يُتوقَّع أن يبلغ الاستهلاك الكليّ للحبوب مستوى قياسياً للفترة 2010 / 2011. وإذ تُشير معظم الأدلة إلى أن الإنتاج العالمي من الحبوب سيتزايد في عام 2011، فقد لا يكفي النمو المتوقّع في ذاته لإعادة تكوين أرصدة المخزونات، وفي تلك الحالة فإن الأسعار ستظل ثابتةً على مستوياتها الراهنة طيلة الفترة 2011 / 2012 أيضاً.

ويرى محللون أن هناك عدداً من المحفزات الاقتصادية المحلية والعالمية، التي قد تسهم في زيادة أسعار المواد في دول التعاون، حيث قدر صندوق النقد الدولي، في وقت سابق، نمو الإنفاق العام الخليجي بنسب تراوح بين 15 و20 % عام 2011 quot;التقديرات قبل إعلان حزم الإنفاق السعودية الجديدة التي تقدر بنحو 485 مليار ريال سعوديquot;، ما سيؤدي إلى تنشيط الأوضاع الاقتصادية في دول المجلس كافة في العام الجاري، ويرفع الطلب على المواد الغدائية والخدمية، مما يحفز أسعارها للارتفاع.

وبيّن الصندوق في التقرير الذي أوردته صحيفة quot;الاقتصاديةquot; الالكترونية أن دول مجلس التعاون الخليجي قد وضعت موازناتها السنوية لعام 2011 بناءً على تقديرات حددت بموجبها سعر برميل النفط عند 70 دولاراً تقريباً، في الوقت الذي تشير فيه التوقعات إلى أن متوسط سعر برميل النفط للعام الجاري سيبلغ 90 دولاراً للبرميل، فإن موازنات دول المجلس سوف تحقق فائضًا في العام الجاري يقدر بنحو 50 مليار دولار، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك إمكانات لزيادة الإنفاق في حال استقرار أسعار النفط، كما بينت التجارب السابقة.

وتؤكد بيانات الصندوق عودة معدلات نمو السيولة المحلية، وهي مصدر آخر لارتفاع أسعار المواد في الأسواق المحلية، للارتفاع، حيث نمت السيولة بمفهومها الواسع بنسبة 8.5 % عام 2010، وسف يبلغ معدل النمو 10.2% عام 2011 بالمقارنة بـ 11.1 % عام 2009 و18.2 % عام 2008 و27.3 % عام 2007.

ومع عودة التحسن في الإيرادات النفطية وتواصلت زيادة الإنفاق الحكومي، تظهر بيانات صندوق النقد الدولي أن معدلات التضخم الخليجية عادة للنمو بقوة عام 2011، متوقعاً أن تساهم سياسات الإنفاق وارتفاع الاسعار عالميا إلى بروز معدلات تضخم فوق معدلاتها الطبيعية تبلغ في المتوسط 4.2 % في دول المجلس عام 2011، حيث تبلغ 5.5 % في السعودية و2 % في الإمارات و4.1 % في الكويت و1 % في قطر و4.4 % في عمان و5.5 % في البحرين.

وأشار الصندوق إلى مصدر آخر لمخاوف التضخم هو انكشاف دول مجلس التعاون بمستوى عالٍ على التجارة الخارجية، ومؤشر الانكشاف هو عبارة عن إجمالي التجارة الخارجية للدولة quot;في حالة دول التعاون تؤخذ التجارة الخارجية غير النفطيةquot; إلى الناتج المحلي لها، وقد بلغت نسبة الانكشاف 82% في العام 2008، مقابل 83.6 % في عام 2007، لكنها انخفضت إلى نحو 60 % خلال عامي 2009 و2010 بسبب الزيادة السريعة في قيمة الناتج المحلي الاجمالي بفضل تحسن أسعار النفط بالمقارنة بالزيادة في الواردات.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تبلغ صادرات السلع والخدمات لدول مجلس التعاون الخليجي 738.9 مليار دولار عام 2011 بينما تبلغ واردات السلع والخدمات 554.6 مليار دولار عام 2011، في حين يتوقع الصندوق أن يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي 1.1 تريليون دولار عام 2011.

ووفقا لمحللين، يبقى ضعف سعر الدولار مصدرًا آخر للتضخم الخليجي، حيث إن الدولار المنخفض ألقى بثقله على اقتصاد دول منطقة الخليج خلال عام 2008، إلا أن مراقبين يتوقعون أن يشد العام 2011 عودة الدولار إلى مستويات الدعم مع أنتعاش الاقتصاد الأميركي واحتمالات التحول في السياسة النقدية للمجلس الاحتياطى الفيدرالي نحو ترجيح أقل تناسبًا بالمقارنة مع الاقتصاد الأوروبي الضعيف الذي تتفاقم فيه مشكلة الديون السيادية.

ويؤكد محللون أن السياسات المالية هي الأداة الوحيدة التي تستطيع كبح التضخم، متوقعين أن يشهد العام الجاري استمرار نمو الطلب لأغراض الاستهلاك والاستثمار، ولا سيما في قطاع البناء والتشييد، مما يرفع معدل السيولة وهو ما قد يشكل ضغطاً متزايداً على الأسعار خلال عام 2011.

وأوضحوا أنه مع التزام الحكومات الخليجية ببرامجها الاستثمارية يرجح أن يبقى التضخم مثار قلق، حيث إن الاقتصاديات الخليجية تتمتع حالياً بنمو قوي واستثمارات كبيرة في البنية التحتية وسياسات نقدية توسعيّة، وهذا قد يغذي الضغوط التضخمية مرة أخرى.

وقال الخبير ألكساند مولير، المدير العام المساعد لشؤون الموارد الطبيعية لدى المنظمة quot;فاوquot;: إن العالم يصبُّ اهتمامه اليوم على التصدّي للآثار الأقصر أمداً لتغيُّر المناخ، والناجِمة أساساً من الأحداث الجوية المتطرّفة.

وأضاف: أن ثمة ضرورة مطلقة لذلك، لكن الآثار الحثيثة للظاهرة من المتوقّع أن تُحدث تغييراتٍ أكثر عمقاً في النظام الايكولوجي الأساسي للزراعة، بما يمكن أن تجرُّه من عواقب فاجِعة على أمن الغذاء خلال الفترة من 2050 إلى 2100.

في الوقت عينه حذَّر مسؤول المنظمة quot;فاوquot; من أن quot;التصدّي للتغيُّرات البعيدة المدى، آجلاً للأمر الواقع... ليس أمراً منطقياً، ولا بد من دعم الزراعة اليوم على نطاق العالم النامي لكي تصبح أعلى مرونةًquot;.

وأوضح أن quot;هذه التغييرات إنما تحدث تدريجياً، وتستغرق بعض الوقت لكي تظهر، لكننا ليس بوسعنا إهمال النظر فيها، بكل بساطة، وعلينا أن نتحرّك إلى أبعد من الميول العادية التي تتخذ منظوراً قصير الأمد... لمصلحة الاستثمار في الأجل الطويلquot;.

وخلُصَت المنظمة quot;فاوquot; في طرحها للإتفاقية الدولية إلى وجوب استعراض الخطوات التي يمكن أن تضعها الحكومات بعين الاعتبار، في السياق العام للمفاوضات الجارية بشأن تغيُّر المناخ لضمان عدم تقويض أسس الأمن الغذائي.