خالد جوهر من القاهرة: تسريب عقد أراضي توشكى الخاصة بشركة المملكة ووزارة الزراعة المصرية قبيل توقيعه أثار إنتباه العديد من الأوساط الإقتصادية والصحافية في مصر، خاصة وأن هناك العديد من البنود تثير حفيظة المستثمرين، وعبّروا عنها لبعض الصحف.

أراضى توشكى وفي الإطار السفلي الأمير الوليد بن طلال

إلا أن اللافت للإنتباه هو ما بثته وكالة أنباء الشرق الأوسط صباح اليوم الخميس من قيام مئات العاملين في شركة quot;المملكة للتنمية الزراعيةquot; في توشكى بالإعتصام للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية، وإقالة المسؤولين في فرع الشركة في مشروع توشكى والمقر الرئيس في القاهرة، كذلك تغيير القيادات بالكامل، بسبب ما وصفوه بتدني الرواتب وسوء الإدارة.

وفي محاولة منها لاحتواء الموقف، تدخلت الأجهزة الأمنية التابعة للجيش لمحاولة إقناع العاملين بفضّ الاعتصام وسط وعود بدراسة مطالبهم.

وتشير الأنباء إلى أن العمال (وعددهم 300 عاملاً) يحصل الفرد منهم على 23 جنيهاً يومياً، فيما يحصل المديرون والمهندسون على أجور تتراوح ما بين 5 آلاف جنيه إلى 25 ألف جنيه. كما أكد العمال المعتصمون أن أموال quot;الوليدquot; أهدرت من قبل الإدارة الحالية على الزيارات والطيران والترفيه وخلافه.

قبل الإجابة على السؤال بمن انتصر ومن خسر في تلك المعركة القانونية، نستعرض أهم ما جاء في بنود العقد:
-يعتبر العقد السابق المحرر فى 16 سبتمبر/أيلول 1998 لاغيًا باتفاق الطرفين، ولا يجوز لأي منهم التمسك به في مواجهة الآخر.
-المساحة الممنوحة لشركة المملكة قدرها 25 ألف فدان فقط.
-بيع مساحة 10 آلاف فدان مقابل 5 ملايين جنيه كانت شركة المملكة دفعتها بتاريخ 16 سبتمبر عام 1998.
-يشمل العقد قيمة حق الانتفاع لمدة 5 سنوات لباقي الأرض اعتبارًا من تاريخ إطلاق المياه.
-لا يحق للشركة طلب تسجيل المساحة المبيعة، إلا بعد تمام زراعتها خلال المدة المتفق عليها، على أن تلتزم باستصلاح واستزراع كامل المساحة، وإلا يعتبر العقد مفسوخًا من تلقاء نفسه من دون الحاجة إلى تنبيه أو إنذار.

-تتعهد شركة المملكة باستخدام طرق الري المتطورة وعدم تعديل طرق الري المنفذة بالأراضي أو نمط الاستغلال الزراعي المعتمد، إلا بموافقة وزارة الزراعة الكتابية، ويشترط أن تكون الطريقة الجديدة أكثر تطويرًا للأرض.

-تقر وزارة الزراعة بأن شركة المملكة قامت، وعلى نفقتها الخاصة، بإنشاء محطة الري الفرعية الخاصة بتلك المساحة.
-تستغل الأراض المبيعة في الزراعة، ولا يجوز التصرف أو التنازل عنها أو جزء منها للغير من غير الجنسية المصرية، ويسري على ذلك الإيجار أو الشراكة، وبعد تمام زراعتها، وبشرط موافقة وزارة الزراعة، وفي حال مخالفة ذلك، يعتبر العقد مفسوخًا من تلقاء نفسه.

-البيع لا يشمل كل المعادن أو الأملاح والمناجم والمحاجر والآثار والمواد البترولية التي قد توجد في الأراضى المبيعة، وفي حال وجود شيء من ذلك، يكون مملوكاً ملكية عامة، ولوزارة الزراعة حق استغلال أو استخراج هذه المعادن من دون أن يكون لشركة المملكة الاعتراض بأي وجه من الوجوه، ولا يكون لها الحق في استرداد الثمن المدفوع في القدر الذى حرم من الانتفاع به.

-وزارة الزراعة ملزمة بتوفير المياه للمساحة محل التعاقد، على أن تلتزم شركة المملكة، وعلى نفقتها الخاصة، توصيل تلك المياه مع التزامها بسداد المقابل المالي الذي يحدد من وزارة الري المصرية عن كل متر مكعب، وذلك وفقًا للكميات التي يطلبها مع قبوله أي زيادة قد تطرأ على أسعار الطاقة المستخدمة في توصيل المياه وفقًا للقوانين المصرية.

-الالتزامات الناتجة من هذا العقد تخضع للقوانين المصرية، وفي حال وجود أي خلاف ينشأ، ولم يتم حلّه بطريقة ودية خلال شهر يكون من حق الشركة اللجوء إلى التحكيم الدولي.

العقد، الذي اشتمل على 16 بنداً، أنهى جدلاً استمر أشهرًا، ولكن طريقه الحلّ السريعة أوجدت لدى المستثمرين والمتابعين والصحافيين الكثير من علامات الإستفهام، فما الذي دفع الوليد بن طلال للموافقة على هذه البنود، والتي يراها البعض مجحفة؟، بل إن كلها تصبّ في النهاية في مصلحة وزارة الزراعة المصرية، وتجعل من مسألة مصادرة الأرض سهلة وبسيطة، ويمكن القيام بها في أي وقت، وتحت ذرائع عدة وخلافات بسيطة، يمكن أن تحدث في أي مكان ولأي مستثمر.

الشارع المصري منقسم، فمنه من يؤكد أن موافقة شركة المملكة بهذه السرعة وعلى هذه البنود التي تختلف 180 درجة عن السابقة، ما هو إلا إتقاء للشبهات، ومحاولة البعد عن تحقيقات الأجهزة القضائية والرقابية في مصر عن ملاحقة شركة المملكة، وتدل على تورط، ولو بشيء بسيط، شركة المملكة في قضايا الفساد في العهد السابق، وهي بذلك تريد أن تبين حسن نواياها بهذا التعاقد الجديد.

آخرون يرون أن العقد الجديد لا يمثل شيء لشركة المملكة، إلا أنه يظهر حسن نواياها تجاه إستثماراتها في مصر، فهي لا تريد أن تفتح الأعين عن باقي إستثماراتها، وتزعزع إستقرارها، خاصة وأن شركة المملكة لديها أكثر من 12 مليار جنيه إستثمارات في مصر، فكيف تضحي بها من أجل أرض، لم تكلفها إلا حوالي 20 مليون جنيه؟، خاصة في ظل ظهور حالات هيستيرية أنتابت الأجهزة الرقابية في مصر بمصادرة أراض منحت للمستثمرين في الأماكن السياحية، مثلما حدث لشركتي بالم هيلز وعامر غروب بحجج quot;قانونيةquot; مختلفة، مؤكدين أن شركة المملكة ستنتهز الفرصة في أقرب وقت وفور إستقرار الأوضاع للخروج من السوق المصري بأقل الخسائر، خاصة وأنها تعرف أن النظام الجديد سيكون محاطًا برقابة إعلامية وضجيج، سيمنعه من منح أي مستثمر مزايا ليست على أهواء أي شخص.

فما يحدث الآن من إمكانية قيام أي مواطن مصري بالطعن في صحة أي تعاقد للحكومة مع المستثمرين أمام المحاكم لأي غرض في نفسه سيشكل ضغطاً على المستثمر، ويقلل من عامل الإستقرار لإستثماراتهم، لذا فإن شركة المملكة ألقت بـ quot;طعمquot; عقد توشكى للحكومة المصرية، وستجني ثماره في ما بعد مستشهدين بذلك على ذكاء الأمير الوليد في الصفقات التجارية، وهو المعروف عنه أنه لا يخرج خاسراً من أي صفقة يدخلها، وأنه يعرف متى وكيف ينسحب وفي الوقت المناسب.

العقد الذي سيوقعه الأمير الوليد بن طلال خلال الأيام القليلة المقبلة، وفور مراجعته من قبل مجلس الوزراء المصري، تقول مصادر صحافية في القاهرة، إن رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي سيحضره تأكيداً على حرص الحكومة المصرية على استمرار إستثمارات الوليد في مصر، كما سيشهد عقب المراسم مؤتمراً صحافياً، يتم التجهيز له حالياً بقوة وعناية كبيرة في مكتب شركة المملكة في القاهرة، ويتم التجهيز لقائمة مختارة بعناية من الصحافيين والإعلاميين.

كما يحظى بعناية خاصة من قبل إدارة الشركة في الرياض، حيث سيعلن من خلاله الأمير الوليد عن أخبار ومعلومات عن استثماراته الحالية والمقبلة في مصر، وتوقعاته لمستقبل الشركة هناك.. السؤال الآن هل: هل فعلاً سيستمر الوليد بن طلال في إستثماراته في مصر، ويكذب كل ما يقال.. أم إنه سينسحب في الوقت المناسب؟ وقتها سنعرف من فاز ومن خسر في صفقة مزرعة quot;توشكىquot;!.