شعار برنامج توطين الوظائف quot;نطاقاتquot;

جزم إقتصادي سعودي بأن المنشآت الصغرى والمتوسطة لن تستطيع الوفاء بمتطلبات السعودة، وسيكون مستحيلاً عليها الصمود طويلاً نظراً لتجاهل وزارة العمل السعودية حقائق خفية ومدمرة للإقتصاد والمجتمع لو بقي برنامج quot;نطاقاتquot; لعلاج البطالة في السعودية كما هو عليه الآن.


الرياض: رأى عضو جمعية الاقتصاد السعودية عبد الحميد العمري لـquot;إيلافquot; أن تجربة الاقتصاد السعودي في إطار مواجهته لشبح البطالة منذ 1995م إلى المرحلة الراهنة، تمحورت في 17 قراراً الهدف منها علاج البطالة في السعودية لم تكن ناجحة.

هذا وأشار العمري إلى أن المشاكل بعبارةٍ أدق؛ أن برنامج (نطاقات) ذا الألوان الثلاثة (أخضر، أصفر، أحمر) الذي أعلنتْ عنه وزارة العمل السعودية مؤخراً، وما سيتبعه من ركائز مرتبطة به، يحمل وفقاً لملامحه التي أفصح عنها وزيرها مؤخراً حلولاً انجرفت وراء (الظواهر) بصورةٍ غير مسبوقة في جميع القرارات والبرامج السابقة، متجاهلةً تماماً (الحقائق) الخفية والمدمرة في واقعها التي أفضتْ إلى ما نحن عليه من بطالة مرتفعة.

معتبرا أن أكثر ما يعاب على تلك المقترحات من لدن وزارة العمل أنها واقعة تحت تأثير (سحر استعجال النتائج)، وهذا العيب لوحده كفيلٌ بتدمير مكاسب عظمى بالكاد تحققتْ للاقتصاد الوطني طوال العقود السابقة، في مقابل الحصول على نتائج سريعة قد تكون مثالية وجميلة في ظاهرها أو على الورق، معتبرا أنها دون مبالغة أشبه بالسراب الذي لن نجني من وراء الركض إليه إلا مشاكل أكثر خطورة وأكبر حجماً ما قد لا نتخيله بأرقام اليوم.

إننا نعلم وفقاً للدراسات والمسوحات الحديثة حجم الصعوبات العديدة التي تواجهها المنشآت الصغيرة والمتوسطة ليس فقط على مستوى التمويل والتسويق لمنتجاتها وخدماتها، بل حتى على مستوى التوظيف! فإما أنها تعجز عن إقناع طالبي العمل من المواطنين بالعمل فيها، أو عن دفع أجورها التي تفوق مواردها المالية المتاحة، أو حتى عن استمرار عمل المواطن فيها لفترة طويلة. وبموجب ما سيترتب عليه من نتائج لدخول أي من تلك المنشآت للنطاق (الأحمر)؛ فإن مسألة إفلاس وتوقف تلك المنشأة عن العمل في نشاطها ليست إلا مسألة وقتٍ قصير لتراها في عداد الغابرين، مضيفا quot;لنا أن نتخيّل حينها أيّة نتائج وخيمة سيكون الاقتصاد الوطني بمواجهتها، وكيف له أن يعالجها أو يتخذ أية تدابير ممكنة لامتصاصها والتعامل معهاquot;.

مطالباً من وزارة العمل السعودية أن تواجه الحقائق المريرة وأن تخلق معايير أكثر دقة ومصداقية لمعدلات السعودة، وليس كما هو قائمٌ الآن من معدلات سطحية أتاحت فرصاً واسعة للشركات تحديداً الكبرى منها للتلاعب بها بصورةٍ تدعو للسخرية، مقترحاً عليها بوضع حلول جديدة لمعالجة هذا الخلل الفادح في آلية تحديد معدلات السعودة، الذي يعتمد في الوقت الراهن على النسبة الكمية، ليتحول إلى النسبة النوعية لتأخذ في الاعتبار عاملين مهمين وهما السعودة حسب كل مستوى إداري في منشأة، وليس كما هو قائمٌ الآن الاكتفاء بنسبة عامّة دون تدقيق، نسبة إجمالي أجور السعوديين والسعوديات إلى إجمالي الأجور المدفوعة من المنشأة.

بالإضافة إلى تبني وزارة العمل مقترح جديد يستهدف نقل تكلفة وعبء البطالة إلى بند تكاليف منشآت القطاع الخاص التي لا تمتثل إلى المعايير الجديدة لنسب السعودة المشار إلى آليتها أعلاه، يتمثّل هذا النقل الإجرائي البسيط لتكاليف وأعباء البطالة في فرض ما يمكن تسميته بـ رسوم السعودة، وقيام الجهاز الحكومي بتأسيس صندوق مستقل لاستقبال مدفوعاتها الشهرية الواردة من القطاع الخاص ويمكن تسميته بصندوق حافز، ويتم استقطاعها ودفعها للصندوق بآلية دفع مستحقات التقاعد نفسها على الموظفين السعوديين، غير أنها في هذه الحالة تحديداً تُدفع بالكامل من الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص، دون المساس بريالٍ واحد من كامل أجر العامل المقيم! تبدأ هذه الضريبة من سقفها الأعلى 10% متدرجةً في الانخفاض حسب التزام أي من تلك الشركات والمؤسسات بنسب السعودة حسب الآلية الجديدة المقترحة، إلى أن تتلاشى بتحقيق النسبة المستهدفة، بل قد تتحول لاحقاً إلى مصدر مالي داعم للمنشأة التي تتجاوز نسبة التزامها النسب المحددة عليها.

وأضاف أن تحويل الأرصدة المتكدسة والمجمّدة لمختلف القرارات والإستراتيجيات المتعلقة بالسعودة، إلى ما يشبه نقاط الاشتعال في كل إدارة للموارد البشرية بمختلف مؤسسات وشركات القطاع الخاص، كوننا سنراها عندئذ ستتسابق بحثاً عن توظيف العمالة المواطنة، وسنرى عندئذ وجهاً جاداً من قبلها يحتفي بطالبي العمل من السعوديين، وعندها سنشهد تحولاً جذرياً في استراتيجيات التوظيف؛ ولعل من أبرز ملامحه أن بوابة الاستقدام ستضيق مساحتها بصورةٍ كبيرة، مانحةً بوابة توظيف السعوديين مساحةً قد لا تخطر على البال.

مؤكداً أنه وبالنظر إلى تجربة الاقتصاد السعودي في إطار مواجهته لشبح البطالة منذ 1995م، التي استهدفتْ جميعها معالجة البطالة المتفاقمة عاماً بعد عام في صفوف السعوديين والسعوديات، لن تنجح أي خطط جديدة لعلاج البطالة في ظل تجاهل الحقائق الخفية والتي لم تعد ظاهرة كغيرها ومنها أن معظم منشآت الأعمال في السعودية مُصنّفة على أنها منشآت صغيرة الحجم وفقاً لمعيار عدد العمالة، الذي يُقدّر أن تصل مساهمة تلك المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 33 %، وتُعد نسبة منخفضة مقارنة بمثيلاتها في عددٍ من الاقتصاديات الناشئة والمتقدمة على حدٍّ سواء.

بالإضافة إلى أن توظيف جزء كبير ممن قبِل بهم القطاع الخاص المسيطر عليه من العمالة الوافدة؛ لم يكن أكثر من quot;تلاعبquot; أو quot;التفافquot; على معدلات السعودة المفروضة نظامياً، مبيناً أنه في حال تم البحث بصورة أكثر فعالية فيما وراء نسبة سعودة الوظائف لدى إحدى الشركات التي تزعم أنها تجاوزت 50% على سبيل المثال، ستكتشف أن حصتها النسبية من الأجور والرواتب قد لا تتجاوز من 2%_3% من إجمالي الأجور! وهذه لا تعتبر سوى تكلفة إسكات مراقبي ومفتشي وزارة العمل! ولهذا لم يكن مستغرباً على الإطلاق إن وجدنا شريحة كبيرة من العمالة المواطنة تقبع أجورها ومرتباتها تحت سقف 1000 ريال، وكم كان حجم الصدمة كبيراً حينما صدرتْ التوجيهات السامية بتحديد الحد الأدنى للأجور عند 3000 ريال، ولكن في ظل quot;جمودquot; السياسات والبرامج والآليات التنموية؛ فليس مستبعداً أن تجد تلك الشركات حلولاً quot;ملتويةquot; لتجاوز هذه المفاجأة غير المحسوبة.

هذا ورأى عبدالحميد العمري في حديثه أن الحقيقة الثالثة هي التي تهلك الكوادر السعودية والتي تكمن برأيه في البيئة الاستثمارية المجدبة أمام عموم المشاريع المتوسطة والصغيرة، التي نجد فيها الشاب أو الفتاة يخوضان غمار تجاربهما التجارية والخدماتية والصناعية الطموحة، إلا أنه سرعان ما نجدهما وقد quot;هوياquot; هالكين بعد عام أو عامين من بدء نشاطهما، وهي النتيجة الحتمية والطبيعية التي كانت تنتظرها لغياب أبسط وسائل وإجراءات الدعم والتمويل، ولو أنه وجد 1% مما وجدته مشاريع الاستثمار الأجنبي، أو 1 في الألف من quot;الحظوةquot; و quot;الاحتفاءquot; الذي وجدته ديناصورات المشاريع من الشركات quot;المحصنةquot; من أي إجراءات رقابية، لكان لتلك المشاريع الصغيرة شأن آخر.

إلا أن العمري تساءل في ظل وجود نحو 96.4% من منشآت الأعمال أي ما تقدر بـ 210.5 آلاف منشأة مهددة بالتوقّف عن العمل، هل تعلم وزارة العمل بهذه المعلومات أم أنها تجهلها؟ وإذا كانتْ تعلم بها جيداً فهل هي تتجاهلها، مؤكداً أنه وفي كلا الحالتين النتائج ستكون وخيمة وكارثية بكل ما تعني الكلمة على الاقتصاد الوطني، معتبراً أن الفكرة الملونة التي جعلت برنامجاً للقضاء على البطالة في السعودية؛ ستكون دليلا قاطعا على الفشل الذريع في توظيف العاطلين والعاطلات من المواطنين.

هذا وتمنى العمري في نهاية حديثه لإيلاف بأن تتدارك وزارة العمل هذه الاعتبارات قبل الشروع في تنفيذ برامجها التي أعلنت عنها مؤخراً، وإلا فإننا على وشك الدخول في نفقٍ مظلمٍ حالك الظلام، قد يترتب عليه نتائج سلبية بالغة الحدّة والضراوة على حساب المصلحة الكلية للاقتصاد الوطني. إننا نتفق جميعاً على الأهداف النهائية لما تتوخاه وزارة العمل، غير أن الخلاف يكمن فقط في الوسائل التي تتعدد كثيراً لبلوغ تلك الأهداف، اعتماداً على المبدأ الاقتصادي المتعارف عليه (تكلفة الفرص البديلة)، فإذا كانت هذه السياسة أو الآلية قد يترتب عليها نتائج سلبية وخيمة أكبر بكثيرٍ من فوائدها؛ فإن علينا البحث عن سياسة أخرى تكون أقل تكلفة وأكثر فائدة.

هذا وسبق أن ذكر وزير العمل السعودي المهندس عادل فقيه بأنquot; البطالة في السعودية فاقت الـ 15% في الوقت الذي تم فيه إصدار أكثر من مليوني تأشيرة خلال العامين السابقين، ما يعني أن نحو 6.5 ملايين أجنبي يعملون في القطاع الخاص مقابل 700 ألف سعودي فقط، قررت وزارة العمل السعودية بدعم المنشآت في النطاق الأخضر والممتاز بإعطائها أحقية إصدار تأشيرات جديدة لتنمية أعمالهاquot;.

وأوضح المهندس فقيه في مؤتمر صحافي أن برنامج نطاقات يأتي لتحفيز المنشآت على توطين الوظائف كمعيار جديد للسعودة، حيث تعتمد فكرته الأساسية على تصنيف المنشآت إلى نطاقات، ممتاز، أخضر، أصفر، وأحمر حسب تفاوتها في مقدار توطينها للوظائف، بحيث تكون المنشآت الأقل توطيناً في الدرجتين الحمراء والصفراء بينما تصنف المنشآت الأعلى توطيناً في الدرجتين الخضراء والممتازة، علماً بأن تقييم المنشأة يتم من خلال مقارنة أدائها بالمنشآت الأخرى في نشاطها نفسه.

الجدير بالذكر أن الإحصاءات الرسمية أشارت إلى معدلات الاستقدام من الخارج، وصل إلى 8 ملايين عامل وعاملة، ومعدل الحوالات الخارجية من قبل المقيمين وصلت إلى 117 مليار ريال سعودي أي أنه تجاوزت 22% من حجم الاقتصاد الوطني، وجود ما لا يقل عن مليوني عاطل عن العمل حاصلين على أعلى الشهادات الجامعية.