الإضرابات في مصر كلفت الإقتصاد 3 مليارات جنيه

لم تعرف مصر هذا الكم من الإضرابات مثل الذي شهدته منذ قيام ثورة 25 يناير، حيث شملت كل القطاعات، ولم تفرّق بين سائق الميكروباص أو المراقب الجوي، وقد حذر خبراء إقتصاديون من أنها كلفتالبلاد أكثر من 3 مليار جنيه بصورة مباشرة وغير مباشرة، كما إنه سوف يكون لها آثار سلبية غير عادية على الإقتصاد في المستقبل.


القاهرة:في أحد البرامج التلفزيونية المصرية، قال صاحب أحد المصانع الخاصة منذ شهر تقريباً إن العمال كبّدوه خسائر تقدر بـ25 مليون جنيه، وذلك بإمتناعهم عن العمل مطالبين بزيادة الأجر، الذي يزيد عن أجر الحكومة آنذاك بأكثر من الضعف، وعندما رفض بسبب سوء الأوضاع الإقتصادية في البلد، وأقتنع بعض العمال وحاولوا إستنئاف العمل، منعهم زملاؤهم المضربون، بحجة أن الدولة ستمنحهم الراتب أثناء الإضراب فلا داعي للتعب، والحال نفسه كان مع عمّال أحد المصانع الإستثمارية، التي قام مالكها السعودي بتركهم بلا رواتب أثناء إضرابهم، فأصبحوا لا يعملون ويقبضون.. وعندما أصرّ العمال على العودة، هددوهم بأساليب أخرى، مما كبده خسائر مالية كبيرة نتيجة إرتباطه بعقود توريد وتصدير.

لم يعد المصريون مقتنعين بالإتحادات العمالية أو النقابات الخاصة بهم، بل أصبحت تلك الجهات أول من تدعو إلى إضراب خوفاً من إتهامها بالعمالة أو أنها من فلول النظام السابق، فإنساقت وراء مكالبهم من دون أن تعي خطورة الأمر على الإقتصاد المصري.

على الرغم من أن هناك قانوناً سنّه المجلس العسكري يجرم الإضرابات، إلا أنه لم يجد من يخاف منه، بل لم يقم المجلس العسكري بتطبيقه، ولو لمرة واحدة، وهو ما شجّع المصريين على المزيد من الإضرابات، وهو القانون الذي تطالب منظمة هيومن رايتس بإلغائه فوراً في مصر.

ويشير خبراء إقتصاديون إلى أن حسابات الجهات الرقابية بينت أن الخسائر المادية للإضرابات فاقت 3 مليارات جنيه على الجهات التي أضرب عمالها أو موظفوها، هذا بخلاف الخسائر التي عادت على إقتصاد الدولة نتيجة الإلتزام بتنفيذ هذه المطالب أو نتيجة فقدان بعض الأسواق التصديرية، التي كانت قد أبرمت عقوداً لتوريد المنتجات المصرية، وهو ما سيجعل العودة إلى تلك الأسواق صعباً، وسيحتاج أموالاً كثيرة، كما أكدوا أنها ستكون عاملاً منفّراً للمستثمرين في المستقبل، إذا لم تجد من يتصدى لها بالقانون.

مطالب المضربين غالباً ما تكون فئوية وطريفة في أحيانا أخرى. على سبيل المثال، يدرك القائمون على نقابة السائقين في مصر مدى الفوضى التي يرتكبها سائقو الميكروباص وتسببهم في مئات الحوادث التي راح ضحيتها الكثيرون، بل يدركون أن العديد منهم لا يمتلك رخصة قيادة أو إنها منتهية أو أن السائق مصاب بشلل كما حدث من قبل، حيث ضبطت قوات الشرطة في إحدى الكمائن سائق منتهية رخصته، وعندما طلب منه الترجل من السيارة، فوجئ الضابط بأنه مصاب بشلل في الجزء اليسار من جسمه، مما أصابه بالزهول، ولم يدرك ماذا يفعل سوى إصطحابه إلى القسم.

صباح الأثنين الماضي، استيقظ المصريون على إضراب المئات من سائقي الميكروباص في شارع الملك فيصل في الجيزة عن العمل، مطالبين بالغاءكل المخالفات المرورية المحررة ضدهم، وقاموا برصّ سياراتهم على إمتداد أكثر من 4 كيلو متر من دون أن يقترب منهم أحد، والصاعقة كانت في قيام مجموعة من البلطجية والخارجين عن القانون بإعتراض أي سيارة ميكروباص تقوم بتحميل الركاب، وقاموا بإنزال الركاب منها عقب تهديدهم بالأسلحة البيضاء والعصى.

صحف مصرية قالت إن الإضراب الذي استمر طيلة ساعات الصباح تسبب في خسائر مادية كبيرة، خاصة وأن الكثيرين فشلوا في الذهاب إلى أعمالهم، حيث قدرها بعض الإقتصاديين بحوالي مليوني جنيه.

الاثنين أيضاً، شهد قيام أهالي قرية العياط قطع خط السكك الحديدية، حيث طالبوا برفع برج تقوية خاص بإحدى شركات المحمول، مما أسفر عن إلغاء أكثر من 100 رحلة خلال مدة الإضراب التي استمرت 20 ساعة، وبلغت خسائرها المباشرة، كما بيّن رئيس هيئة السكك الحديدية في مصر، مليون جنيه بسبب رد قيمة التذاكر، رئيس الهيئةأكد أن السكك الحديدية عانت منذ ثورة 25 يناير 40 إضراباً كلفتها خسائر تجاوزت 50 مليون جنيه.

سائقو مترو الأنفاق هم الآخرون أضربوا يوم الأثنين، وهو اليوم الذي شهدت فيه حركة التنقل في القاهرة معاناة حقيقية، حيث طالبوا بعزل رئيس الهيئة، وصرف مستحقات لهم، ولم ينفضّ إضرابهم سوى مساء الثلاثاء، بعد اجتماع وفد منهم لأكثر من 4 ساعات مع مستشارين في مجلس الوزراء، اتفقوا فيه على عدد من السبل لتنفيذ المطالب التي رفعوها.

غداً الخميس سيكون المصريون على موعد مع إضراب المراقبين الجويين، الذين قرروا تنفيذ احتجاجهم لمدة تتراوح بين ساعتين و4 ساعات، وتعليق حركة الملاحة الجوية للمجال الجوي المصري، ويعني إغلاق المجال المصري في وجه الملاحة الدولية خسائر بملايين الدولارات، ليس على مصر فقط، بل على شركات طيران عالمية، لكون مصر تعدّ نقطة عبور مهمة للعديد من الرحلات الجوية الدولية، وهو ما أوجد نوعًا من القلق في المطارات الأوروبية والآسيوية، خاصة للرحلات المتجهة من غرب أوروبا إلى دول الخليج وجنوب شرق آسيا، حيث سيكون عليها إما تأخير رحلاتها أو إختيار مسارات أخرى إذا ما نفّذ الإضراب.

بعد غد الجمعة، سيكون الموعد مع أطقم الضيافة الجوية في مصر للطيران، الذين قرروا تحويل اعتصامهم، الذي بدأ يوم السبت الماضي إلى إضراب شامل عن العمل، إذا لم يستجب المسؤولون في الدولة وقطاع الطيران المدني لمطالبهم، الغريب أن مطالبهم على عكس الآخرين ليست مادية، فهم يستلمون رواتب ومميزات غير عادية قياساً إلى الآخرين، ولكنها على حد وصفهم ضد منظومة الفساد المالي والإداري الموجودة في القطاع.

السبت كان من المنتظر أن يضرب المعلمون عن مراقبة إمتحانات الثانوية العامة، ولكنهم تراجعوا بعدما حلت مشكلتهم المادية. مهندسو الكهرباء توعدوا بإضراب للحصول على مستحقاتهم ،لكنهم وعدوا أن لا تتأثر الخدمة بإضرابهم.

أطرف إضراب هو ما وعد به 50 ألف طبيب بيطري للقيام به يوم الثلاثاء 14 يونيو، مهددين بالتوقف عن الكشف وعلاج quot;الحيواناتquot;، بسبب تجاهل الحكومة مطالبهم، التي يأتي في مقدمتها مساواتهم بالأطباء البشريين والصيادلة والأسنان في الحد الأدنى من الأجور والحوافز!. جدول الإضرابات في مصر مليء بالمواعيد، والسؤال الذي أصبح لسان حال كل مصري في الصباح، حينما يقابل رفيقه على محطة المترو أو الأتوبيس: quot;هو الإضراب على مين النهارده؟!quot;.