الرياض: افتتح الدكتور إبراهيم العساف، وزير المالية، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن العزيز آل سعود، جلسات عمل الاجتماع السنوي لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية، وذلك بحضور محافظي البنك الإسلامي للتنمية من 56 دولة عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي.

وفي كلمته خلال حفل الافتتاح، رحب الوزير العساف بالحضور والمشاركين، ونقل لهم تحيات خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز راعي الاجتماع السنوي السادس والثلاثون لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية، وأمنياته - حفظه الله- للمجتمعين ولاجتماعاتهم التوفيق والنجاح. مؤكداً معاليه على استمرار دعم خادم الحرمين الشريفين وحكومته لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية انطلاقاً من حرصها الدائم على دعم وتعزيز العمل الإسلامي المشترك.

وأشار الدكتور العساف إلى أن المملكة تدعم بسخاء الجهود التنموية للدول الإسلامية، وتساهم بحصص كبيرة في رؤوس أموال العديد من مؤسسات تمويل التنمية الإقليمية والدولية ، كما كانت دائماً في مقدمة دول العالم في تقديم المساعدات الطارئة للدول المتضررة من الكوارث الطبيعية وتلك التي تواجهُ نقصاً في الغذاء، وتعملُ على تسخير جهودهِا وثقلهِا لخدمة الأمة الإسلامية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لشعوبها.

وأوضح أن المملكة العربية السعودية أولت الدعم المتواصل لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية منذ أن كانت مجرد فكرة إلى أن تطورت واتسعت مهامُها ونَمَت مواردُها ليعد أبرز تعبير عن اهتمام المملكة ودعمها للعمل الإسلامي المشترك، ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول الأعضاء والمجتمعات الإسلامية في أرجاء العالم المختلفة.

وأوضح الدكتور العساف أن دول العالم الإسلامي تواجه تحديات كبيرة تتطلّب العمل بشكل متواصل ودون كَلل لمواجهتها، ومن أبرزهِا التحديات الاقتصادية التي تتمثـل بتحقيق تنمية بشرية، ونمو اقتصادي مُستدَام، وهذه التحديات تتطلب برامج مناسبة للإصلاح الاقتصادي، والتكيّف مع البيئة الاقتصادية العالمية المتغيرة وتعزيز الجهود للقضاء على معوّقات التنمية. مشيراً إلى أنه تم وضعُ برنامج العمل العشري الذي أقرته القمة الإسلامية الاستثنائية التي عُقِدَت في مكة المكرمة للمساهمة في مواجهة هذه التحديات. وقد أشاد معاليه بدور البنك الإسلامي للتنمية في تنفيذ هذا البرنامج.

وأعرب معالي الدكتور العساف عن سعادته بالجهود المبذولة لتعزيز استجابة البنك لمساعدة الدول الأعضاء على مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية، وتفاعله مع التطورات في اقتصادات عددٍ منها. وقدم شكره لإدارة البنك على تقديمها حزمة إضافية من التمويلات تقدر بنحو (250) مليون دولار أمريكي تُضَاف إلى تمويل العمليات العادية لعام 1432هـ استجابةً لحاجات هذه الدول لمعالجة مشكلة البطالة من خلال التدريب وبناء الكوادر وتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة .

كما رحب بالمبادرة المشتركة مع البنك الدولي للمساهمة في تمويل البنية التحتية، وتَوَجُّه البنك نحو عقد مزيد من الشراكات القُطرية، وأعلن دعمه للبرنامج المُقتَرح من معالي رئيس البنك لتحقيق الدور القيادي لمجموعة البنك وتحويله إلى بنك معرفة وكفاءة لتعبئة الموارد، معرباً عن ارتياحه لما حققه إعلان جدة للأمن الغذائي، ومعبراً عن تطلعه إلى استكمال البرنامج حسب ما خطط له. وقدم معاليه شكره للبنك كونه سَبّاقاً إلى تقديم المساعدات للمناطق المنكوبة، معلناً أنه تابع باهتمام نجاح البنك في إصدار الصكوك الأخيرة، ومؤكداً على أهمية استمرار سعي البنك للاستفادة من تصنيفه الممتاز للحصول على تمويلات بتكاليف مناسبة.

وكرر دعوة الدول الأعضاء التي لم تُعلن مساهمتها بعد في صندوق التضامن الإسلامي للتنمية إلى الإسراع بذلك، والدول التي أَعلنت عن مساهمات لا تعكس واقعها الاقتصادي إلى مراجعة مساهمتها لضمان نجاح الصندوق في تحقيق أهدافه، حيث الموارد ما زالت أقل بكثير من المُؤَمَّل. هذا، وأشاد معالي الدكتور بجهود إدارة البنك وسعيها الحثيث لتعزيز موارد الصندوق وأدائه.

وقد أعلن الدكتور العساف عن تأييد المملكة للتوصية بزيادة الحد الأقصى للمسؤولية الاحتمالية للمؤسسة إضافةً إلى زيادة رأسمالها، معرباً عن أمله في أن تبذل المؤسسة جُهداً أكبر لزيادة حجم عملياتها ونمو إيراداتها، ورحب بانضمام جمهورية جزر القمر لعضوية مجموعة البنك.

وفيما يتعلق بالمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص، عبر عن رجائه أن تؤدي اكتتابات الدول الأعضاء في الفجوة التمويلية من الزيادة العامة الأولى في رأسمالها إلى تعزيز نشاطها وتنمية دخلها. وأعرب معاليه عن تقديره لإنجازات المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، رغم أن هناك حاجة لقيام المؤسسة ببذل جهد أكبر لتوسيع عملياتها وتعزيز إيراداتها.

وفي نهاية كلمته، قدم شكره وتقديره للبنك ولإدارة صندوقي الأقصى والقدس منوهاً بدورهما المُتميّز في خدمة أشقائنا في دولة فلسطين.

وشهد الاجتماع السنوي إلقاء كلمات لـ عبد الكريم اسماعيل الأرحبي، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية وزير التخطيط والتعاون الدولي في اليمن، ورئيس مجلس محافظي البنك الإسلامي للتنمية، ومعالي السيد مانويل شانغ، الوزير المسؤول عن الشؤون المالية، ومحافظ البنك الإسلامي للتنمية عن جمهورية موزمبيق، عن مجموعة الدول الأفريقية في مجموعة البنك، ومعالي السيد درويش إسماعيل البلوشي، وزير المالية، ومحافظ البنك الإسلامي للتنمية بسلطنة عُمان، بالنيابة عن المجموعة العربية في مجموعة البنك.

وقد شهد افتتاح الاجتماع السنوي ألقى الدكتور أحمد محمد علي، رئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، كلمة رحب فيها بوفود المشاركين من الدول الأعضاء، وأثنى على رعاية خادم الحرمين الشريفين، لهذا الاجتماع، وعلى الترتيبات الممتازة التي اتخذتها حكومته الموقرة في مدة وجيزة من قرار عقد الاجتماع بجدة، والتي تعد حلقة في سلسلة الاهتمام الكبير الذي توليه المملكة العربية السعودية للعمل الإسلامي المشترك، ولدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية للأمة جمعاء. وهي تجليات لما لم تفتأ المملكة تحيط به البنك من دعم سخي، ورعايتها الكريمة له.

كما تقدم الدكتور بعميق الامتنان وصادق التقدير لمعالي الدكتور إبراهيم بن عبد العزيز العساف، ممثل خادم الحرمين الشريفين، لافتتاحه أعمال المؤتمر.

وقد أعرب عن شكره الجزيل للدول الأعضاء كافة، للمؤازرة التي حظي بها البنك، وكان من نتائجها اطراد تصنيف المؤسسة المميز AAA، من جميع هيئات التصنيف العالمية، واستمرار نمو عملياته ليصل مستوى تمويل المشاريع 7,3 مليارات دولار أمريكي خلال العام 1431هـ /2010م.

وأكد الدكتور أن البنك الإسلامي للتنمية أثبت جدارته على مدى مسيرته في تحقيق التنمية المستدامة للدول الأعضاء، واليوم يقف أمام الجهات التي شككت منذ الأيام الأولى لنشأة البنك في حاجة التمويل التنموي إلى مساق جديد، وشككت في الإضافة التي يمكن أن تدلي بها الصيرفة الإسلامية، غير الموارد المالية. واستفسرت عن مدى إمكانية صمود مؤسسة مصرفية لا تمارس ما تعيش به مؤسسات التمويل الأخرى.

وفي هذا الجانب، أوضح أن الأزمة المالية كشفت عن سر من أسرار إعجاز التشريع الإسلامي، وعن عواقب اتخاذ القيم ظهريا، وضرر امتطاء المعاملات الوهمية وسيلة للربح المادي والكسب السريع، وسوء عقبى المقامرة في التأمين على حِزم الدين بعد التساهل في منحه، وجريرة التعدي والتقصير في حفظ أموال الناس، ومغبة الإسراف والتبذير... أمور تنافى المثل والأخلاق السامية وتناقض مقاصد الصيرفة الإسلامية في عمارة الأرض بالاستثمار في الاقتصاد الحقيقي والذي يتجسد في اقتصاد تخليق الثروة عميمة النفع، والإنصاف المالي، والقسمة العادلة لمخاطر الربح والخسارة.

وشدد الدكتور أحمد محمد علي على أن الوقت قد حان للاهتمام بالشباب، ودعا الدول الأعضاء إلى الإسهام في توظيف ما أوتيت من موارد اقتصادية واجتماعية وسياسية من أجل بناء نظام مالي واقتصادي واجتماعي أكثر توازنا، وأفضل استجابة لحاجات الإنسان المادية والمعنوية والروحية.

وأكد أن المحاور الأساسية لهذا الإسهام تكون في مواجهة الحاجة الماسة إلى تلبية المطالب الاجتماعية بفرص العمل الكريم، وطمأنة شركاء لاستحثاث النمو بالاستثمار الأجنبي المباشر، وإدلاء الصيرفة الإسلامية بموارد موائمة لمتطلبات الاستدانة الحصيفة، وخدمة المناطق والفئات والقطاعات التي نأت عنها جهود التنمية السابقة.

وذكر الدكتور أن نهضة الأمة التي يتطلع إليها الشباب اليوم ليست بعيدة عن الرؤية التي اتخذها البنك الإسلامي للتنمية لنفسه لآفاق 1440 هـ / 2020 م، إذ هي quot;رؤية من أجل كرامة الإنسانquot;، تستمد قوتها من القيم التي جسدها الرعيل الأول لتحقيق التنمية المستدامة، حتى لم يبق في الأمة آخذ صدقة، وتستقي من منابع قرارات قمة مكة المكرمة الاستثنائية ومن مبادرات استراتيجية في مواجهة تحدي مكافحة الفقر والبطالة، من قبيل إنشاء صندوق التضامن الإسلامي للتنمية.

غير أن المطالب الاجتماعية المستجدة بعد الأزمة المالية، استلزمت مستوى أعلى من المصارحة حول قضايا ذات صلة بالتحديات التي يواجهها تنفيذ الرؤية. على رأس هذه القضايا سلامة كل من المنهاج التنموي الوطني ونموذج الأعمال التمويلي. فبعد التواتر الدولي - تلميحاً أو تصريحاً - على أنّ نموذج التنمية الذي ساد حتّى الآن قد فشل ولابدّ من مراجعة هيكلته، أضحت الحاجة إلى المراجعة حاجة مشتركة بين البنك والدول الأعضاء، لا تكفي من أحدهما عن الآخر. مشدداً على أن التطورات الراهنة نقلتنا من قبول الإصلاح، إلى التوجه إليه.

وطرح الدكتور ثلاث مسارات لعلاج الخلل في نماذج التنمية ومناهج التمويل، حيث المساهمة في تحصين المحتاجين من ضحايا الأزمات. فبالرغم من الحصار الجائر على غزة، تم تنفيذ ما يربو على ثلث مشاريع الجيل الأول من برنامج دول مجلس التعاون لإعمار غزة، وقيمته الإجمالية 147 مليون دولار. وهنا دعا معاليه كل الدول التي لم تبلغ حصصها المعلنة أو المدفوعة مستوى قدراتها النسبية، أن تقوم بمراجعة مساهماتها. ذاكراً أن تفعيل هذا الصندوق يقتضي أن تصل موارده للمستوى الذي حدده مجلس المديرين التنفيذيين للبنك، وهو 10 مليارات دولار.

المسار الثاني هو استحثاث النمو الجماعي المتآزر، وساق معاليه اتحاد المغرب العربي نموذجاً، حيث ذكر أن بعض الدراسات تشير إلى أن جمود مستوى التعاون الاقتصادي للدول المغاربية يكلفها 2% من النمو السنوي، ويستنزف 5% من حجم الناتج المحلي الإجمالي. أما المسار الثالث فهو إصلاح وتطوير نموذج الأعمال في البنك، حيث بين معاليه أنه مراجعة استراتيجيات الشراكة مع الدول الأعضاء، من خلال وثائق تؤسس شراكة بين الدول الأعضاء لنموذج أعمال يعين البنك على دعم الدول الأعضاء في التصدي للتحديات الجديدة. ونظرا لحجم التحدي، فالبنك حريص على توسعة دائرة الشراكة، والتي شملت حديثاً البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير حول قرار البنك الأوروبي في اجتماعه السنوي في أستانة، توسيع دائرة عمله لتشمل المنطقة العربية.

وقدم الدكتور أحمد محمد علي برنامج عمل إلى مجلس المديرين التنفيذيين لتجسيد رؤية البنك حتى العام 2020م، ويشمل البرنامج مبادرة الإنماء المتوازن والتنمية المسؤولة، ومبادرة التعاون الإقليمي الخلاق، ومبادرة الاستثمار في المعرفة، ومبادرة تعزيز فاعلية الصيرفة الإسلامية، و مبادرة التمكين الاقتصادي للأسر المنتجة.