د.حازم الببلاوي

سيظل الإصلاح الاقتصادي هو أهم الأهداف التي ترمي إليها مصر بعد الثورة، ولذا يجب السرعة في وضع الأسس والمبادئ التي سوف تنتهجها المؤسسات المالية والاستثمارية في مصر، وهو ما لم يقم به المسؤولون عن الإصلاح الاقتصادي في مصر في الحكومة المؤقتة.


القاهرة: الاقتصاد المصري أصبح معضلة كبيرة أشبه باللغز، الذي ليس له حل، فبعد تنحّي مبارك وسقوط حكومته، وتولي الحكومة المؤقتة شؤون البلاد، تناوب رجلان منالمشهود لهم علميًا في المجال الاقتصادي على توليى مهمة الاصلاح في البلاد، الأول هو الدكتور سمير رضوان،وجاءت تصريحاته تدعو إلى الأمل، وخاصة أن الرجل له تجارب عملية في دول عدة،ثم وضح فشله في وضع سياسة محددة للخروج بالبلاد من مأزقها الاقتصادي الحالي، ثم جاء الدكتور حازم الببلاوي خلفًا لرضوان، وفي الحقيقة إن الوقت مبكر للحكم على أدائه.

ولكنهناك مؤشرات خطرة تدعو إلى القلق، أولها وأهمها أن الببلاوي لم يحدد ما ينوي القيام به في الفترة المقبلة، أو بمعنى أدق لم يضع السياسة أو الخط الذي سوف يسير عليه لتحقيق أهدافهمكتفيًا بعرض المأمول على الصعيدين قريب وبعيد الأمد.

ويبدو أن السياسية الاقتصادية في مصر ستظل غامضة، رغم أن تصريحات المسؤولين كلها تسير في اتجاه واحد، وهو وضع سياسيات تنموية تتناسب مع طبيعة كل مرحلة، وليس هناك اتجاهأو تصور محدد بعدما عانت الحكومة المؤقتة مواجهة الأزمات المالية والاقتصادية في البلاد جراء سياسات الحكومة السابقة، التي كانت تعتمد على اقتصاد السوق الحرة، ولكن شابهاالكثير من العيوب والفساد على الجانب التطبيقي، كما إن الحكومة الانتقالية تواجه سوء حظ منقطع النظير، حيث إن الأزمات الاقتصادية العالمية تتوالى، وتسير عكس اتجاه ما تشتهيهالحركة التنموية المنشودة بعد الثورة.

عدما تولى د.حازم الببلاوي منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية في حكومة شرف المؤقتة صرّح بأن مصر لن تعود إلى الخصخصة، ولن تتجه إلى الـتأميم لحل أزماتها الاقتصادية،وأخيرًا نوه إلى أن الوزارة تتجه إلى ترجمة مطالب الثورة في أن تكون السياسات المالية التي ستقترحها وزارة المالية لمساعدة الاقتصاد القومي واضحة المعالم ومحددة التطبيق وفق جدول زمني.

مشيرًا إلى أن مشكلة السيولة التيتعد من المشاكل ذات الأولوية حاليًا، حيث سيتم مواجهتها من خلال مجموعة من الاجراءات العاجلة التي تنفذ فورًا على المدى القصير، وأخرى علىالمدى الطويل، ثم يأتي بعد ذلك مشكلة الأجور، حيث إن وضع حد أقصى للأجور من المشاكل العاجلة ايضًا. واشار إلى أن سياسته ستكون مختلفة عن توقعات الكثير، حيث انه لن يكونالحد الأقصى مرتبطًا بنسبة مع الحد الأدنى، بل سيرتبطا معًا بالدخل الحكومي، فلا مانع من مضاعفته أضعاف الوضع السابق، ولكن بطريقة معلنة وعادلة تعتمد على حجم الدخلويتضاعف معه الحد الأدنى في هذه الحالة.

ثم بعد ذلك تأتي منظومة الدعم ووضع السياسات المحفزة للإنتاج وربطها بمشكلة السكان وفك التداخل بين الجهات الحكومية من حيثالالتزامات المادية وملف الضرائب وإمكانية مساهمة كل ذلك في حل مشكلة السيولة، ولكن كل هذا أيضًا من دون أن يوضح الببلاوي كيفية التطبيق وسبل تنفيذها وهل سيكون النظامالاقتصادي المصري محدد المعالم أم إن ذلك سيترك للحكومات التالية.

يرى الدكتور طه عبد العليم مدير مؤسسة الأهرام والمتخصص في الاقتصاد السياسي أن أخطر مهام حكومة الثورة هو بناء نظام اقتصادي جديد، ويقول إن السعي إلى تعظيم الربح قانونموضوعي لاقتصاد السوق، لا تستطيع الرأسمالية- نظامًا وطبقة- أن تعيش بغيره. فلا جدال بأن الربح الرأسمالي كان قاطرة التقدم، التي نقلت المجتمعات من بؤس نظم ما قبل الرأسماليةإلى عصر الثورة الصناعية، ثم الى زمن الثورة المعرفية.

وكان تجاهل الربحية سبب سقوط الاقتصاد الاشتراكي الماركسي، لأنه عجز عن تعظيم عائد تخصيص الموارد، فتمخض عن عدالة توزيع الفقر، وعجز عن رفع الانتاجية وحفز الابتكار،وهزم في المباراة العالمية للتنافسية والتقدم. ثم إن سقوط اقتصاد الأوامر ـ بما في ذلك التطبيق المصري للاشتراكيةـ.

لا ينبغي أن تنسى الرأسمالية المصرية أن أهم نواقص السوق الحرة، التي سقطت بمعياري كفاءة تخصيص الموارد وعدالة توزيع الدخل، هي تجاهل الربحية المجتمعية والمصلحة العامة من قبلرجال الأعمال، وتغييب التدخل الواجب للدولة في الاقتصاد بتنظيم السوق، وتوزيع الدخل، والملكية العامة. والأمر بإيجاز أن الربح المبرر والتراكم الرأسمالي الانتخابي والتقدم الاقتصاديالاجتماعي مشروط بمواصلة دور الدولة في كبح الجشع الفردي والسعي إلى الريع وتركز الثروة.

ويضيف عبد العليم أن الصورة الذهنية السلبية للرأسمالية المصرية في الإعلام والمجتمع قد وجدت لها سندًا في واقع ما قبل ثورة 25 يناير. ويتصور أن تغيير هذه الصورة بعد الثورة يتطلبمن كبار رجال الأعمال في مصر القبول بخفض أسعار منتجاتهم لمجابهة الركود الزاحف, وعدم الإقدام علي طرد العمالة حفاظًا على مستويات أرباحهم، حتى لا يدفعون نحو خفضالطلب الفعال للمستهلكين والعاملين.

ويشير د. طه إلى أن الحاضر صورة للمستقبل، أي إن فلسفة مواجهة فترة الانتقال ستحدد صورة مستقبل الاقتصاد المصري. وإذا أردنا مجابهة تحديات الانتقال في سياق رؤية استراتيجيةلصناعة مستقبل الاقتصاد المصري، سواء قصدنا التنمية أو النظام، فان نقطة البداية هي إدراك أن ما يقال عن مزية تنوع الاقتصاد المصري، فإن ضعف مناعة الاقتصاد المصري يرجعبالأساس الى ضعف الاقتصاد الحقيقي نتيجة التخلي عن مشروع التصنيع وتراجع الزراعة وتفضيل الاستثمار العقاري على حساب الصناعي والزراعي.

ولنتذكر أن قوة الاقتصاد الحقيقي في الصين جعلت أثر الأزمة العالمية محدودًا في تراجع معدل النمو إلى 8% سنويًا، وهو ما يزيد على أحلامنا، وأن حفز الاقتصاد الحقيقي يمثل الرافعةالأساسية التي تراهن عليها إدارة أوباما لإنقاذ أميركا من الكساد.

وسوف تجيب الأيام المقبلةعن تساؤلات حيرت الوسط الاقتصادي المصري، الذي أصبح مبهمًا وغير معلوم الهدف والاتجاه، حيث إن الكثير يشكك في حزمة الاصلاحات التي صرحبها الببلاوي، ويرى أنها مجرد تصريحات رنانة لا تتناسب مع الثقل العلمي في المجال الاقتصادي الذي يتفوق فيه الرجل، فلم تخرج على السطح خطة واحدة تحدد كيفية إدارة السوق المصريةفي الفترة الحالية، وكذلك ماهية الاستثمارات ومصادر تمويلها واتجاهاتها، وإذا كان لا ينوي العودة إلى الاعتماد على الخاص، ولا ينوي التأميم، فهل سيتخذ بين ذلك سبيلاً، وما هو ذلكالسبيل؟.