أصدرت المحكمة الدستورية الألمانية ومقرها مدينة كارلسروه في جنوب ألمانيا الخميس حكماً تاريخياً يقضي باستمرار دعم ألمانيا للدول المتعثرة في منطقة اليورو. وجاء حكم المحكمة كرفض لدعاوى قضائية أقامها مشككون في العملة المشتركة، هدفها منع مشاركة أكبر اقتصاد أوروبي في برامج الإنقاذ لليونان ودول أخرى في منطقة اليورو.


حكم تاريخي يقضي باستمرار دعم ألمانيا للدول المتعثرة في منطقة اليورو

محمد مسعاد من برلين: تزامنًا مع هذا القرار صادق البرلمان الفرنسي هو الآخر على الخطة الأوروبية المتعلقة بإنقاذ اليونان من أزمتها المالية، لتكون فرنسا بذلك أول بلد في منطقة اليورو يصادق على المساعدات الجديدة.

quot;ألمانيا تتماهى مع أوروبا في زمن الأزمات أيضًاquot;. هكذا كانت الإشارة القضائية للمحكمة الدستورية الألمانية. فقد كان على القضاة الحسم في ما إذا كانت إجراءات إنقاذ اليورو مخالفة للقانون أم لا؟.

بعد صدور القرار بدا الإرتياح على المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل خلال مناقشة البرلمان الألماني للموازنة العامة. وقد دافعت ميركل عن حزمة الإنقاذ التي تثير جدلاً واسعًا في ألمانيا. في هذا الصدد صرحت قائلة: quot;البلدان التي تملك عملة موحدة لا تخوض حروبًا ضد بعضها بعضًا، ولهذا فإن اليورو أكثر من مجرد عملة. quot;لكن المستشارة أعربت عن رفضها منح القروض نفسها لكل دول منطقة اليوروquot;.

أما المعارضة فلم تكتف بانتقاد ذلك، بل شمل نقدها الأداء الحكومي بمجمله. وقد صرح في هذا السياق فالتر شتاينماير رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي بالبندستاغ قائلا: quot;إن سفينة الاتحاد الأوروبي فقدت البوصلة. العالم كله ينتظر برلين، لكن ما نشهده هو صمت يتهددنا، وصراع داخل الائتلاف الحكومي، ما سيمثل عائقًاquot;.

في الاتجاه عينه ذهب غريغور غيزي رئيس الكتلة البرلمانية لحزب اليسار بالقول: quot;إنهم يلهثون خلف البنوك، وهم لا يملكون القدرة على مواجهة ديكتاتورية المصارف الخاصة وشركات التأمين وصناديق التحوط، وبصفة عامة الأسواق الماليةquot;. أما يورغن تريتين رئيس كتلة الخضر بالبندستاغ فصرح هو الآخر منتقدًا بالقول: quot;لقد تحول الإئتلاف الحكومي الى كابوس بالنسبة إلى ألمانيا، لقد فقد هذا الإئتلاف كل غالبية وكل مصداقيةquot;.

البورصة تتنفس الصعداء
خلف قرار المحكمة الدستورية، الذي أعطى الحكومة الألمانية الضوء الاخضر للمشاركة في مظلة الإنقاذ الإوروبية، خلّف ارتياحًا على الاصعدة كافة. فقد كان كثيرون يخشون حدوث زلزال في الاسواق المالية في حال جاء قرار المحكمة مختلفًا، خاصة وأن المانيا تعتبر أكبر مانح ومشارك في مظلة الانقاذ الاوروبية. وهو الارتياح نفسه الذي عبّر عنه أيضًا اتحاد المصارف العمومية. حيث اعتبر عدد من خبراء البورصة أن القرار quot;باعث على الارتياح، خصوصًا وأن سوق الأسهم لم تتأثر بالشكل الكبير كما كان متوقعًاquot;. وقد عبّر الكثير منهم عن تفاؤله بنهاية قريبة للهزات التي تعرفها أسواق الأسهم.

استمرار احتجاجات الشارع الأوروبي
وإذا كانت البورصات الأوروبية قد رحّبت بقرار المحكمة الدستورية الالمانية بقوة، فإن إعطاء الضوء الأخضر لمظلة الإنقاذ الاوروبي لا يعني نهاية ازمة المديونية الاوروبية، فالمظلة تمشي جنبًا الى جنب مع البرامج التقشفية الصارمة التي على معظم الحكومات الاوروبية انتهاجها، ولهذا لا يزال يخرج مواطنون في دول اوروبية عدة للاحتجاج.

ففي اسبانيا، ولليوم الثاني على التوالي، يخرج مواطنون غاضبون إلى الشوارع. فهم يخشون من خطط التقشف الحكومية، ما يُهدد النظام الإشتراكي. وكان البرلمان الإسباني أقرّ إدراج quot;القاعدة الذهبيةquot; المتعلقة باستقرار الميزانية في دستور البلاد، وذلك بهدف طمأنة الأسواق المضطربة.

وفي إيطاليا أقرّ البرلمان يوم الأربعاء خطة التقشف، التي جاءت بحجم أربعة وخمسين مليار يورو. ويُطالب المستثمرون بفائدة مقدارها ثمانية عشر بالمئة، ولمدة عشر سنوات، مقابل سندات حكومية من اليونان، وهي نسبة قياسية بين دول الاتحاد الأوروبي.

الكثير من الإجراءات التي اتخدتها الحكومة لم تطبق كليًا. وسياسة الخصخصة مازالت متعثرة، إذ لم تتجاوز المبالغ المالية التي حصلت عليها الدولة من بيعها للمؤسسات العمومية سوى أربعمائة مليون يورو، في الوقت الذي كان ينتظر أن تصل هذه المبالغ إلى خمسين مليار يورو. كما إن ايرلندا، التي تنتظر مساعدات من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي تقدر بخمسة وثمانين مليار يورو، فقد أصبحت تتأثر بضعف النمو الاقتصادي العالمي. فهذا الأخير لن يصل إلى نسبة النمو المتوقعة. وبالتالي يحثّ صندوق النقد الدولي حكومة إيرلندا على انتهاج سياسة الخصخصة للتخفيف من حدة ديونها.

سلط الحكمُ الصادر من المحكمة الدستورية الضوء على الأخطاء التي رافقت ولادة الاتحاد الأوروبي. فقد مرت عشر سنوات على احتفاء السياسيين بما تم تحقيقه داخل الاتحاد الأوروبي، فملايين الناس يستعملون العملة نفسَها، والحدود داخل أوروبا فقدت الكثير من أهميتها. وحدها السياسة لم تتجاوز هذه الحدود، فلم تُقدم الدول الأعضاء تنازلات بشأن سياساتها الضريبية والمالية والاقتصادية، كما إن بروكسل لم تأخذ بجديةقضية مراقبة ميزانيات الدول الأعضاء، والأزمة المالية هي الضريبة التي تُدفع اليوم، ما يفرض دعمًا أكبر للتعاون بين الأوروبيين.