في وقت يعكف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على إعداد استراتيجية، يأمل بأن تبقيه في الرئاسة لولاية أخرى بعد الانتخابات، التي تبعد جولتها الأولى 100 يومًا، يواجه إقتصاداً يترنّح تحت ضربات أزمة اليورو، وهبوط معدل النمو إلى ما يقرب من الصفر.


الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي

إعداد عبدالإله مجيد:كان خفض درجة التصنيف الائتماني ضربة لموقع فرنسا في أوروبا، تبدو معها مشكلة أكثر منها قوة قائدة في القارة، رغم أن الخفض كان متوقعًا.

ويجعل التخفيض من الأصعب على فرنسا أن تدّعي بأنها ندّ ألمانيا في قيادة الاتحاد الأوروبي، الذي خضع تقليديًا لهيمنة الشراكة الفرنسية ـ الألمانية.هذا بدوره سيجعل من الصعب على فرنسا وإيطاليا وإسبانيا أن تتحدى وصفة ألمانيا التقشفية للدول الثلاث، وأن تطالب بسياسات تدفع عجلة النمو من البنك المركزي الأوروبي.

وكان خفض درجة التصنيف الائتماني ضربة سياسية أيضًا لفرص ساركوزي في الانتخابات المقبلة.وتبين استطلاعات الرأي أن هموم الناخبين تتركز على حجم مديونية فرنسا وغلاء المعيشة والبطالة وانعدام الأمن الاقتصادي عمومًا.ولا يفوُّت منافسو ساركوزي فرصة لتحميله مسؤولية هذه المشاكل، حقًا أو باطلاً.

وأعلن المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند المتقدم في الاستطلاعات أن سياسات ساركوزي هي التي خُفضت درجتها الائتمانية، وليس فرنسا، واصفًا سجل ساركوزي بالكارثة.ولكن هولاند لم يقل شيئًا يُذكر عن خططه هو لمعالجة هذه المشاكل.

ويقول ساركوزي إن الأزمة المالية العالمية في عام 2008 هي المسؤولة عن هذه المشاكل، ولكن الاقتصادي والمؤرخ نيكولا بافريز يؤكد أن المشكلة هي النموذج الاقتصادي والاجتماعي، الذي لم تعرف فرنسا سواه منذ ثلاثين عامًا.

ويشير بافريز إلى أن ثلثي النمو الاقتصادي تقريبًا اعتمد على الاستهلاك المموّل في جانب منه من التحويلات الاجتماعية، التي كانت بدورها تموّل من الدين العام، الذي ارتفع إلى 86 % من إجمالي الناتج المحلي في عام 2011 بالمقارنة مع 20 % في عام 1980.

وتنصبّ الانتقادات الموجّهة إلى ساركوزي على تخلفه عن تنفيذ وعده بتحديث الاقتصاد، وتواضع ما حققه في مواجهة المعارضة السياسية والنقابية، ما عدا تأخير سنّ التقاعد.ومن المستبعد أن يبدي الاشتراكيون شجاعة أكبر، إذا فازوا في الانتخابات بإصلاح النظام الضريبي، والسياسة الاجتماعية إصلاحًا جذريًا، وليس شكليًا، كما هو متوقع منهم.

وأصبحت أزمة اليورو والديون السيادية، التي أدت إليها بمثابة سجن سياسي للرئيس ساركوزي وغيره من القادة الأوروبيين الآخرين.فالقادة يلجأون عادة في مواجهة ارتفاع البطالة وركود النمو إلى الإنفاق لحفز الاقتصاد بالاستثمار في البنية التحتية والتعليم والتدريب المهني.

لكن ساركوزي اضطر إلى خفض الإنفاق وزيادة الضرائب في سنة انتخابية تحت ضغط الأسواق، ووعوده هو بخفض العجز المالي.وتنقل صحيفة نيويورك تايمز عن فرانسوا هايسبورغ من معهد الأبحاث الاستراتيجية في باريس إن محاولات ساركوزي في هذا المجال جاءت quot;قليلة، وبعد فوات الأوانquot;.

بدت أفكار ساركوزي، التي جاءت متأخرة للخروج من الأزمة، مذعورة تذكِّر الناخبين بإصلاحات أخرى اقترحها، ولم يُترجم شيء منها على أرض الواقع.والأهم من ذلك، كما يرى اقتصاديون، أن هذه الأفكار لا تتصدى لمشاكل فرنسا الرئيسة، وهي مشاكل تاريخية وبنيوية على السواء. فالإنفاق الحكومي يشكل الآن 56.6 % من الاقتصاد الفرنسي، بالمقارنة مع نحو 46 % في ألمانيا وإيطاليا.

وقال الاقتصادي والمؤرخ بافريز إن فرنسا quot;رجل أوروبا المريضquot;، مضيفًا إن المشكلة الرئيسة هي سيطرة الحكومة على الاقتصاد.ونقلت صحيفة نيويورك عن بافريز إن عدد العاملين في قطاع الدولة يبلغ في فرنسا quot;نحو 5.5 مليون شخص، أو ما يزيد بنسبة 18 % على عددهم في عام 2002، ونحو 500 ألف على عددهم في ألمانيا، وهي دولة فيدرالية عدد سكانها 82 مليون نسمة، يزيد بنسبة 26 % على سكان فرنساquot;.

وفي حين أن هولاند أعلن أن الاشتراكيين سيلتزمون بالإجراءات التقشفية، فإن المحللين يستبعدون أنه سيقدم على ترشيق جهاز الدولة.كما تتراجع فرنسا عالميًا على مستوى المنافسة والإنتاج، فإن صادرات فرنسا تنخفض باطراد بسبب قلة الشركات المتوسطة التنافسية فيها، في حين أن مثل هذه الشركات تمثل مصدر قوة كبيرة للاقتصاد الألماني.

وقال بافريز إن هناك نحو 185 شركة يزيد عدد العاملين فيها على 5000 شخص وهي شركات ناجحة جدًا.لكن عدد الشركات الصناعية انخفض إجمالاً منذ عام 2000 وفُقدت مع انخفاضه 500 ألف وظيفة.وفي بلد سكانه 65 مليون نسمة، هناك 4200 شركة فقط، عدد العاملين فيها بين 250 و5000 شخص.

وفي حين أن الإنتاجية الفرنسية عالية، فإن العامل الفرنسي يعمل ساعات أقل من غالبية العمال الأوروبيين الآخرين.ويعود أحد أسباب هذه المشكلة إلى اعتماد أسبوع عمل من 35 ساعة بقرار اتخذه الاشتراكيون، وأبقى عليه ساركوزي.

وبحسب دراسة جديدة، فإن الفرنسيين يعملون أيامًا تقلّ في المتوسط ستة أسابيع عن أيام عمل الألمان في السنة، ويعملون ساعات أقل من عمل اليونانيين، وتقل ساعات عمل الفرنسيين 236 ساعة سنويًا عمّا كانوا يعملونه في سنة 1998.

وتتمثل مشكلة فرنسا الأخرى في تراجع قطاعها الصناعي، وارتفاع نسبة البطالة فيها ارتفاعًا مزمنًا، لا سيما بين الشباب حيث تبلغ 24% والمهاجرين حيث تبلغ 43%. وآخر مرة بلغت نسبة البطالة الفرنسية 7 % كانت في عام 1977.