كشفت قمة العشرين تزعُّم باريس وبرلين للاتحاد الأوروبي بامتياز، بعد أن لوّحتا بالورقة الحمراء في وجه أثينا إن لم تلتزم بمخطط التقشف الذي رسمه مهندسا السياسة الاقتصادية لمنطقة اليورو. وأهم ما توصلت إليه القمة، هو انتزاع تعهدات من دول كبرى للإنخراط في الإصلاحات الاقتصادية العالمية.


ملف: أزمة اليونان المالية نجمة quot;جي 20quot; في كان

باريس: لم يكن ممكنا لبلد يمثل ناتجه الداخلي الخام 2 بالمائة أن يقاوم ضغوطات ديناصوري النادي الأوروبي اللذين يزنان 50 بالمائة في اقتصاده، ولو أن مراقبين ينظرون بعين الاستغراب للتهديد الفرنسي الألماني لأثينا في حالة عدم تبنيها للمخطط الأوروبي للتقشف.

يحاول هؤلاء المراقبون تقدير كيفية طرد اليونان من الاتحاد الأوروبي في ظل نصوص منظمة له لا تستجيب لذلك، ولا تسمح بالمرة برأيهم برفع الورقة الحمراء في وجه أي بلد ينتمي إلى نادي القارة العجوز.

إلا أن الثنائي الفرنسي الألماني كان واضحا خلال هذه القمة، والتصويت السلبي لليونانيين في أي استفتاء حول تبني هذا المخطط، يعني بالنسبة لهما اختيارا منهم بالخروج من الاتحاد الأوروبي.

المراقبون لم ينظروا بعين ميكانيكية للانسحاب اليوناني، إذا ما اختار البلد ذلك، وفقا لاتفاقية لشبونة التي وقع عليها الدول الأعضاء سنة 2009، وإنما يستقرئون ما لهذا الانسحاب من آثار بنيوية وسيكولوجية، وبالتالي اقتصادية.

فقوة التضامن التي تعد أهم ركائز الاتحاد، ستتلقى ضربة في العمق، وهو ما يؤثر في حماس البلدان الأوروبية الصغرى في التعاون المتين مع أسرتها الأوروبية، ويزرع القلق في نفوس المستثمرين سواء منهم الأوروبيون أو غير الأوروبيين، وهو ما قد يسبب نتائج كارثية على الاقتصاد الأوروبي.

قرار الحكومة اليونانية بالاستغناء عن مشروع الاستفتاء والدعوة إلى تشكيل حكومة ائتلاف موسعة، ألغى هذا النقاش حول موقع اليونان في خريطة الاتحاد حتى إشعار آخر، وهو ما سيمكنها من الاستفادة من الشطر السادس من مساعدات منطقة اليورو وبنك النقد الدولي المقدرة بثماني مليارات يورو، على أمل أن تجد طريقها يوما نحو النمو الاقتصادي.
نتائج مهمة يلزم تطبيقها

عن نتائج هذه القمة، يقول الباحث الاقتصادي كميل ساري: quot;للأسف كان بإمكان أوروبا أن تذهب بعيدا في هذه القمة لولا الأزمة اليونانية التي خيمت على أشغالهاquot;.

ويضيف لـ(إيلاف): quot;عموما، يمكن اعتبار النتائج التي توصلت إليها مهمة إلا أن تطبيقها يبقى أمرا آخر..لا يكفي التحدث عن إصلاحات للأسواق المالية والسياسة الاقتصادية الدولية وإنما يجب أن تتبعها إجراءات عمليةquot;.

وقال ساري: quot;كنت من الأقلية التي تحدثت عن الحكامة في الأسواق منذ سنوات. فالمديونية يمكن حلها على المدى الطويل، لا أقول إنها بسيطة لكن يمكن أن نتحكم فيها، أنا من المؤمنين أنه لا يمكن للدول أن توازن بين الحد من المديونية و سياسة التقشف، لأن غياب النمو الاقتصادي يساهم في تفاقم هذه المديونية بطبيعة الحالquot;.

حول التقدم الذي أحرزته القمة بشأن فرض ضريبة على المضاربات المالية تبعا للاقتراح الألماني الفرنسي، يرحّب كميل ساري بهذا الاقتراح الذي يهدف إلى الحد من تلك المضاربات، ويقول: quot;هؤلاء المضاربون لا يقدمون أي فائدة للإنتاج العالميquot;.

الرئيس الفرنسي ساركوزي أشاد بتفاعل نظيره الأميركيّ باراك أوباما مع هذا المقترح الذي سيستمرّ النقاش فيه خلال القمة المقبلة، إذ اعتبر الرئيس الفرنسي أن الإدارة الأميركية الحالية كانت الأولى في تاريخ الولايات المتحدة التي قامت بهذه الخطوة.

وقد تنقل هذه القمة المجتمع الدولي نحو إصلاح المنظومة النقدية في العالم بعد أن التزمت الصين quot;بالرفع من مرونة معدلات الصرفquot;.

إلا أن الباحث الاقتصادي كميل ساري يرى فيquot;العملة الصينية مشكلا مزيفاquot;
لكنه يعتبر أن ما يعرف بالدول الصاعدة كالصين مثلا يجب أن تطور اقتصادياتها الداخلية، لأن استهلاكها الداخلي يظلّ محدودا مقارنة مع صادراتها أي أنها تصدر دون أن تستورد بالحجم نفسه quot;.

وأوضح ساري أن quot;أوروبا خلقت عملة موحدة دون أن تكون هذه العملية مسبوقة بتنسيق في السياسات الاقتصادية الحكومية لدولها، وهو ما غيب فعل التكامل والتقارب الاقتصادي لبناء هيكلة اقتصادية أوروبية متينةquot;.

كما أن هذه القمة أظهرت إصرار باريس على التخلص من quot;الجنات الضريبيةquot;، ولم يهضم ساركوزي كلماته عندما توعد بوضع أصحابها من الدول على quot;هامش المجتمع الدوليquot;.

وللباحث الاقتصادي كميل ساري رأي آخر بهذا الخصوص، فهو يرى أن دولا كبريطانيا والصين، بل والولايات المتحدة كذلك، ترعى هذا النوع من quot;النعيم الضريبيquot;، ومحاربته quot;يجب أن تبدأ من هذه الدولquot;، على حدّ تعبيره.