فيما يشهد العراق جدلًا واسعًا حول أزمة البنك المركزي وإصدار مذكرة قبض بحق محافظه، وتكليف شخصية مالية بديلة بالإشراف عليه، أعلنت الحكومة العراقية اليوم عن اتخاذ إجراءات لوقف التذبذب في سعر الدينار العراقي، الناتج من عدم إحكام البنك مراقبته لنشاط عمليات مزادات العملة وبيع الدولار للقطاع الخاص وتدفقاته.


أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية علي الدباغ أن مجلس الوزراء قد أقر توصيات لمعالجة تذبذب سعر صرف الدينار العراقي quot;حرصا من الحكومة على معالجة تداعيات تذبذب سعر صرف الدينار والذي جاء نتيجة لغياب تنظيم عملية الإستيراد وسوء الإستفادة من عمليات شراء العملة وعدم إحكام البنك المركزي العراقي مراقبته على نشاط عمليات مزادات العملة وبيع الدولار للقطاع الخاص والتدفقات النقدية الى خارج العراق وكذلك العقوبات الدولية المفروضة على سوريا وإيران وخاصة الإجراءات المتعلقة بمقاطعة البنكين المركزيين السوري والإيراني والذي أدى الى انخفاض قيمة عملتهما المحلية وبشكل كبيرquot; كما قال في تصريح صحافي مكتوب تلقت quot;إيلافquot; نسخة منه اليوم الاربعاء.
وأوضح الدباغ أن هذه التوصيات بعد سلسلة من الإجتماعات للجنة تذبذب صرف الدينار تم خلالها مناقشة الموضوع بصورة مستفيضة حيث إن الموضوع سبق وأن عرض في الجلسة الخامسة عشرة الإعتيادية والمنعقدة في 10 نيسان 2012 وصدر عنها توجيه مجلس الوزراء بتشكيل لجنة برئاسة نائب رئيس الوزراء للشؤون الإقتصادية وعضوية نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة ووزراء المالية والنفط والتخطيط والتجارة والصناعة والمعادن والأمين العام لمجلس الوزراء ومحافظ البنك المركزي العراقي ورئيس الهيئة الوطنية للإستثمار ومستشار رئيس الوزراء للشؤون القانونية والمستشار الإقتصادي في مكتب رئيس الوزراء ومعاون الأمين العام لمجلس الوزراء للشؤون الإدارية والمالية وخبير مالي وإقتصادي ومدير عام المصرف العراقي للتجارة تتولى هذه اللجنة دراسة تذبذب سعر صرف الدينار العراقي وارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية والسلع الأخرى ذات الإستهلاك اليومي.
وأضاف الدباغ أن تذبذب سعر الصرف في الفترة الأخيرة قد أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإقتصادية لما يلعبه من دور مهم في الأنشطة الإقتصادية الخارجية والداخلية سواء كانت أنشطة تجارية أو إستثمارية حيث بادر البنك المركزي العراقي إلى اعتماد نشاط مزاد العملة الأجنبية باعتباره وسيلة من وسائل السيطرة على سعر الصرف وتوجيهه الوجهة النقدية السليمة لضبط مستويات التضخم حيث بلغت مبيعات البنك في عام 2008 من العملة الأجنبية بحدود (26) مليار دولار ما أدى الى انخفاض سعر صرف الدينار العراقي تجاه الدولار الأميركي وأصبح سعر المزاد (1467) دينارا مقارنة بسعر السوق(1475) دينارا وأصبح معدل عام سعر الصرف في عام 2009 بحدود (1170) دينارا مقارنة بسعر السوق السائد (1182) دينارا وقد ارتفع سعر الصرف مؤخراً في السوق بين (1270-1290) دينارا للدولار وهذا تجاوز على سعر بيع الدولار من البنك البالغ (1189) دينارا للدولار الأمر الذي أدى الى توجه قسم من التجار وشركات التحويل والصيرفة الى المتاجرة والمضاربة بالعملة للحصول على فارق (100) نقطة تقريباً.
وأكد الدباغ أنه وفقا لهذه التوصيات فقد تم وضع خطة للتنسيق والتشاور وتبادل المعلومات بين البنك المركزي العراقي ومجلس الوزراء بشأن السياستين المالية والنقدية وفقاً للدستور مع قيام البنك بدراسة الطرق المتبعة حالياً في إيصال العملة الأجنبية الى السوق المحلية وإعطاء دور أكبر للمصارف وتنظيم أفضل للعملية بمراحلها كافة والإهتمام بآليات أخرى ممكنة لتنظيم سعر الصرف بحيث يمنع استعمال المبالغ لأغراض أخرى غير المعلنة وبناء إدارة كاملة ومتكاملة لمكتب غسيل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب (هيئة غسيل الأموال) والتأكيد على مشروع القانون الخاص به مع الإهتمام بتطوير وحدة غسيل الأموال في البنك وأخذ مقترحات البنك في الإعتبار بشأن تشكيل هيئة غسيل الأموال.
وأوضح الدباغ أن لجنة ستشكل لتولى تدقيق ومراجعة عمليات بيع العملة لغرض تحديد مواقع الخلل ونقاط الضعف والقوة ومدى الإستفادة من المبالغ المباعة وتناسبها مع كمية البضاعة والخدمات الداخلة واقتراح الإجراءات للحد من تسرب العملة لغير الغرض المذكور آنفاً وهذه اللجنة ستكون برئاسة ممثل عن ديوان الرقابة المالية وعضوية ممثلين عن وزارات الداخلية والمالية والتجارة والبنك المركزي العراقي والأمانة العامة لمجلس الوزراء... وكذلك تشكيل لجنة أخرى تتولى تبادل المعلومات عن حركة العملة المباعة من قبل البنك المركزي العراقي وتكوين قاعدة بيانات للإستفادة منها في السيطرة على حركة العملة وهذه اللجنة ستكون برئاسة ممثل عن البنك المركزي العراقي وعضوية ممثلين عن وزارات الداخلية والمالية والتجارة وسيقوم البنك المركزي العراقي بتقديم تقرير فصلي عن رقابته على شركات الصيرفة المجازة بالتحويل الخارجي مع التأكيد على الدور الرقابي لديوان الرقابة المالية في تدقيق معاملات بيع العملة الى الزبائن والبضائع الداخلة نتيجة ذلك وكما سيقوم البنك المركزي بتقديم دراسة بشأن تخويل المصارف الحكومية والأهلية صلاحية فتح الإعتمادات لأغراض تغطية تجارة استيراد القطاع الخاص الى لجنة الشؤون الإقتصادية.
وأكد الدباغ أن البنك المركزي العراقي سيقوم بتقديم تقرير عن تطوير المصارف للقيام بدورها المناسب وبما ينسجم مع الحجم المالي للإقتصاد العراقي مع وجوب تنظيم التجارة ومتابعتها من قبل الأجهزة الحكومية الأمر الذي سينعكس على طلب العملة الأجنبية والإشارة الى الوضع العام وخاصة السياسي والإقتصادي والإستثماري وإستقراره والذي يجعل بالنتيجة العراق مركز جذب للعملة الأجنبية وبالتالي يتحسن سعر صرف الدينار العراقي بصورة مستدامة وسيتم حث البنك المركزي العراقي على دراسة قانونه وفقاً للمعطيات الدستورية التي جاءت بعد إصدار القانون النافذ باتجاه تعزيز إمكاناته وتطوير العمل فيه.
يذكر أن سعر صرف الدينار العراقي يشهد منذ اشهر هبوطا ملحوظا إزاء الدولار حيث سجل سعره 1300 دينار للدولار الواحد بينما يبلغ سعره بموجب مزادات البنك المركزي العراقي اليومية 1166 دينارا للدولار أي بزيادة 134 دينارا لكل دولار وهو ما يعادل زيادة بنحو 11 % عن سعره الرسمي .
ويأتي ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي بسبب زيادة الطلب عليه نظرا لقيام تجار إيرانيين بالحصول عليه من الاسواق العراقية اثر العقوبات الدولية القاسية التي فرضت على بلادهم مؤخرا وادت الى تناقص سعر الريال الإيراني امام الدولار بشكل كبير. وقد وصل السعر التجاري لصرف الدولار امام الدينار العراقي الى 1320 بعد ان كان 1170 دينارا.
وفرض المجتمع الدولي عقوبات اقتصادية على سوريا وإيران منعت بموجبها هاتان الدولتان من تصدير نفطهما الى الغرب. كما أثرث العقوبات الاقتصادية الدولية التي تتعرض لها البنوك والشركات ورجال الاعمال الإيرانيين بشكل كبير على العملة الإيرانية quot;الريالquot; وانخفضت قيمتها بنسبة 30 بالمائة مقابل العملات الاخرى وخاصة الدولار ما دفع التجار الإيرانيين الى التسابق لشراء الدولار من الاسواق العراقية الامر الذي ادى الى تأثيرات سلبية على العملة العراقية والوضع الاقتصادي العراقي.
جدل حول مذكرة اعتقال محافظ البنك المركزي وتعيين بديل له
وجاء إعلان الحكومة العراقية عن اجراءات لوقف تذبذب صرف الدينار العراقي هذه بعد ساعات من الاعلان في بغداد عن تكليف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لرئيس ديوان الرقابة المالية عبد الباسط تركي موقتا لادارة البنك المركزي العراقي خلفاً لمحافظه سنان الشبيبي الصادرة بحقه مذكرة اعتقال.
وقال مستشار رئيس الوزراء علي الموسوي ان مجلس الوزراء قرر تكليف رئيس ديوان الرقابة المالية عبد الباسط تركي لادارة البنك المركزي إلى شعار اخر وذلك بعد صدور مذكرة اعتقال بحق الشبيبي وعدد من المسؤولين في البنك بتهم تتعلق بفساد مالي وإداري.
ومن جهتها، بدأت هيئة النزاهة العراقية الرسمية المكلفة بمكافحة الفساد التحقيق في قضايا ترتبط بالبنك المركزي. وقال رئيس اللجنة بهاء الاعرجي إن quot;التحقيق ما زال متواصلا حيث صدرت مذكرات قبض لكن لم تصدر مذكرات منع سفرquot;، مشيرا إلى أنّ عدد مذكرات التوقيف بلغ quot;ثلاثين مذكرة تشمل محافظ البنك ونائبه وهذا ما سيجعل الأمر اكثر تعقيداquot;.
وأكد ثقته في أن quot;محافظ البنك المركزي ونائبه سيمثلان امام القضاءquot;. وقال ان quot;هذا قرار القاضي ويجب ان يحترم ونتمنى على السياسيين الا يتدخلواquot;. وكان محافظ البنك المركزي سنان الشبيبي الذي يتولى منصبه منذ 2003 قال الاحد quot;لا اعرف شيئا عن هذا الامر وان شاء الله لن تكون هناك مذكرات توقيفquot;.
وفي 12 من الشهر الحالي هدد الشبيبي برفع قضايا في المحاكم المختصة على كل الجهات التي تشن حملة اعلامية مشوّهة ضد البنك المركزي. وأشار إلى أنّه يحتفظ بكتاب رسمي يحمل توقيع رئيس الوزراء نوري المالكي بمنعه عن إبعاد هؤلاء الفاسدين من مناصبهم رغم التأكد من تورطهم بعمليات فساد كبيرة موضحا ان المالكي اعلم محافظ البنك بان تغيير اي شخص او إقصاءه من منصبه هي ليست من صلاحيات محافظ البنك المركزي وإنما من اختصاص رئيس الوزراء. ويؤكد الشبيبي أن النظام الداخلي للبنك المركزي يؤكد انه مستقل وغير خاضع إلى السلطة التنفيذية لا من قريب ولا من بعيد.
ومن جهته، اتهم محامي الشبيبي الحكومة بأنها تريد محافظا للبنك المركزي يتلقى أوامره منها. ودافع وليد محمد الشبيبي أحد محامي سنان الشبيبي عن براءة محافظ البنك المركزي وقال انه قريب للمحافظ مشددا على ان quot;هذه التهم ذات دوافع سياسية فالشبيبي شريف ومهنيquot; متابعا أن quot;الحكومة تخطط لابداله بمسؤول آخر يأخذ أوامره من الحكومةquot;.
وشهد سعر صرف الدولار في نيسان (أبريل) الماضي اعلى مستوى له امام الدينار منذ نحو اربع سنوات في الاسواق المحلية وهو 1320 دينارا لكل دولار بعد ان كان مستقرا عند مستوى 1230 دينارا للدولار الواحد. وقال الشبيبي حينها إن quot;الاوضاع السياسية غير المستقرة نسبيا في العراق وفي المنطقة المحيطة اوجدت طلبا كبيرا على الدولار ما ادى إلى ارتفاع سعر صرف هذه العملة مؤخراquot; في إشارة خصوصا إلى إيران وسوريا.

وقد اصدرت المحكمة الاتحادية العليا في 18 كانون الثاني (يناير) عام 2011 قرارا بربط البنك المركزي بمجلس الوزراء معللة ذلك بـquot;غلبة الصفة التنفيذية على أعمال البنك ونشاطاتهquot;. وحذر الشبيبي بعد صدور هذا القرار من مخاطر تطبيق قرار المحكمة الاتحادية العليا لان ذلك quot;سيفقد العراق مسؤولية حماية امواله في الخارجquot;.