تتحول غالبية مدن العراق يومًا بعد آخر إلى سوق كبيرة مفتوحة للباعة المتجولين، تلتقي فيها التجارة بالفعاليات الاقتصادية الأخرى عبر ساحات كبيرة، يعرض فيها الباعة بضائعهم إلى درجة أن المعروض منها على الطرقات والعربات يفوق في كمياته وتنوعه مثيلاته الموجودة في الدكاكين والمتاجر.


باعة متجولون عراقيون

وسيم باسم من بغداد: أضحت ظاهرة quot;البالاتquot; المعروضة و(البسطات) والباعة المتجولين سمة مميزة لمدن العراق، لتتحول حتى الشوارع إلى أماكن للإغراق السلعي، يقابله فقر بين شريحة كبرى من المجتمع، حيث تشير إحصائيات حكومية في العام 2011 إلى أن حوالى 23% من عدد السكان، البالغ 30 مليون نسمة، أي بما يساوي حوالى 7 ملايين عراقي، يعيشون حالياً تحت خط الفقر.

الفقر هو السبب
لم تنجح كل محاولات بلديات المدنفي الحدّ من احتلال الأرصفة والشوارع من قبل الباعة المتجولين. وفي كل مرة تشنّ قوات الأمن حملات لإجبار الباعة على الالتزام بضوابط وضعتها الحكومات المحلية فإن هذه الحملات يكون مصيرها الفشل.

وبحسب مكي حسين عضو المجلس البلدي في بابل (100 كم جنوب بغداد)، فإنه طالما هناك فقر وبطالة، فإن الظاهرة لن يستطيع أحد إيقافها.
ويشير كريم فالح (25 سنة) بإصبعه إلى أكثر من مائة (بسطة) وبائع متجول في جزء من شارع الجمهورية في بغداد حول سوق الشورجة.

لا يستطيع المواطن أن يشق طريقه بسهولة وسط تلال من البضائع التي تتنوع إلى حد لا يمكن معها حصر ما هو موجود، فكل ما ترغب فيه وتود أن تراه متوافر، ومن شتى المناشئ والأنواع.

الإغراق السلعي
الباحث الاقتصادي محمد حسين يتطرق إلى أن انتعاش الحركة التجارية ترافقه فوضى في عرض السلع من دون الخضوع إلى رقابة وشروط، مؤكدًا أن الإغراق السلعي عبر طرح كميات كبيرة من المنتجات بأسعار متدنية ساهم إلى حد كبير في استعانة التجار بالباعة المتجولين بغية تصريف البضائع.

ويعتقد محمد أن الفقر ما زال يخيّم على العراق رغم الأرقام التي تشير إلى ارتفاع صادرات النفط، لكن ريعها يذهب في معظمه إلى نشاطات لا تصب في قنوات مكافحة الفقر بسبب سوء التخطيط والفساد.

وبحسب محمد فإن الجهات المسؤولة خففت من قبضتها على الباعة المتجولين وأصحاب (البسطات) لإدراكها أن هؤلاء سيكونون بلا عمل، ما يعرّضهم إلى احتمالات الانجراف وراء رأسمال يدعم الإرهاب.

البطالة
يُرجع التاجر أبو كاظم الحيدري من الكاظمية في بغداد، وهو يشير إلى أعداد الباعة المتجولين في المنطقة، ارتفاع أعدادهم إلى البطالة. ومنذ نحو أربع سنوات يدفع ليث حسن (23 سنة) عربته وسط مدينة المحمودية (15 كلم جنوب بغداد) حيث يبيع الخضر، إلى جانب العشرات من بائعين احترفوا البيع في الهواء الطلق.

يعترف صاحب مخزن في سوق الشورجة في بغداد بأن البيع المتجول عملية بسيطة لا تحتاج إلى رأسمال أو خبرة نوعية، ولهذا يستسهل كثيرون ممارسته. وبين الباعة المتجولين تجد أطفالاً يتحولون إلى (إعلانات متحركة) عبر عرض بضاعتهم على المارة، بل إن هناك نساء كبيرات في السن يفترشن الأرض لعرض ما توافر من سلع.

وتشير بيانات حكومية صادرة عام 2011 إلى أن نحو 13% من الفقراء يتمركزون في بغداد، وحوالى 11% في محافظة البصرة. وعلى مستوى الريف، ترتفع نسبة الفقر، كمحافظات المثنى (75%)، وبابل (61%)، وواسط (60%). وتشير البيانات إلى أن القسم الأفقر يتمركز على 7% من الدخول على مستوى العراق.

وبحسب ليث حسن، الذي مضى عليه أكثر من عقد، وهو يعمل في هذه المنطقة، فإن غالبية الباعة المتجولين هم وسطاء لأصحاب المخازن الكبيرة، الذين يزودونهم بالبضاعة لغرض عرضها على الجمهور.

وإلى جانب الباعة المتجولين، هناك الباعة الذين يعرضون بضاعتهم على العربات واحتلوا الأرصفة والممرات، لتتحول مراكز المدن إلى مخزن كبير يعجّ بالسلع. وبحسب الباحث الاجتماعي كريم اللامي فإن معظم الباعة المتجولين ينحدرون من العوائل الفقيرة والمحدودة الدخل. وفي جانب من شارع الشورجة السوق الرئيسة في بغداد يحصي اللامي نحو خمسين من العربات الخشبية المليئة بالسجائر والمشروبات والمأكولات.

ويعمل الفتى قاسم ملاك (17 سنة) منذ الصباح، حيث يعرض بضاعته التي يحملها بين ذراعيه على المارة والسيارات عند التقاطعات ونقاط التفتيش.

استراتيجيات مكافحة الفقر
على الصعيد نفسه، يدعو الباحث حسين إلى رفع مستوى نصيب الفرد من إجمالي الناتج النفطي على شكل دفوعات مباشرة كإجراء موقت وسريع لدعم الفقراء حتى تأتي استراتيجيات مكافحة الفقر أُكلُها.

وبحسب حسين فإن تأثير ارتفاع أسعار النفط غاب منذ عقود على الناتج المحلي وعلى معدل دخل الفرد بسبب الحروب والتسليح. وأقرب الفرص لزيادة معدل دخل الفرد هو تشجيع نمو القطاع الخاصّ بغية تحسين مداخيل المواطنين كما ينصح بذلك خبراء اقتصاديون.